ربما تفصلنا ساعات أو أيام عن معركة هي الأهم والأخطر إقليميا ودوليا بالرغم من كونها تجري على أرض مدينة ربما لا تمتلك تلك المقومات الجيوستراتيجية التي تستدعي ذلك التحرك الدولي المريب الذي نتابعه اليوم، فبالرغم من أهمية مدينة الموصل تاريخيا بالنسبة للعراق، إلا إنها تلعب اليوم دور رمانة الميزان بين مصالح دول المنطقة، ليس فقط بسبب التواجد الأقوى لتنظيم الدولة الإسلامية فيها وما يشكله من تهديد إقليمي فحسب، بل وكذلك لإنها ستكون المعركة الفاصلة التي ستتداعى على أرضها أحلام الهيمنة لبعض أطراف النزاع.
طلاسم قضية الموصل لن يحلها عراف، ولا دجال، بل يحلها من وضعها على ضمن أحداثيات معركة أكبر، هو ذات الذي وضع نهايتها قبل ان يضع بدايتها، فاستطاع اشراك جميع اللاعبين في المنطقة، بل وتوريطهم، بعد أن وضعهم أمام تهديد دولي خطير أطاح بمساحات واسعة من الدول، مستغلا بذلك ذات الفوضى التي أفتعلها أول مرة، تاركا الفخار يكسر بعضه، وسط تنبؤات بتقسيم المنطقة على وقع خرائط جديدة.
إقليميا، تعتبر مدينة الموصل المثلث الأخطر في المنطقة، فوقعوها جغرافيا في العراق وبين تركيا وسوريا جعل منها منطلقا لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ذات السبب الذي جعلها تشكل أهمية للمعنيين بالصراع، ناهيك عن أهميتها بالنسبة لكردستان العراق الذي لا يخفي قادتها أهميتها بالنسبة لهم، والأهم من كل ذلك هو وجودها الإفتراضي في خرائط التقسيمات المستقبلية، والتي تحاول دول المنطقة تأمين تواجدها فيها مهما كلف الثمن.
أعلنت المملكة العربية السعودية، وهي الحليف الرئيس لتركيا، عن خطورة معركة استعادة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بسبب ما يقبع خلفها من أهداف إيرانية متمثلة بمشاركة الحشد الشعبي بمهام تحرير المدينة، وهو الذراع الضارب لإيران في العراق وسوريا، والذي كشف عن نواياه الطائفية في معارك سابقة، وهذا ليس كل ما يمكن القلق بشأنه، بل ما يمكن أن تؤثر عملية تحريرها من مسك مناطق استراتيجية مهمة وعلى صلة بالمعارك المرتقبة في سوريا.
تتقارب تركيا بمخاوفها من الموقف السعودي لكن ربما بقلق أكبر، فالمعلن من الموقف التركي يخفي أبعد من مجرد مخاوف من إحتمالات تغييرات ديموغرافية في الموصل وما جاورها من مناطق، بل ويمكنه إحداث تغييرات بقواعد اللعبة في منطقة تحاول تركيا إبعادها عن فوضوية الأحداث واحتمال وضعها أمام تحديات أكبر متمثلة بتواجد حزب العمال الكردستاني في المنطقة ذاتها، كما إن وجود قوات تابعة لإيران في المنطقة سيعيق محاولات تركيا للدفاع عن مصالحها، إذاً هي تدافع عن أمنها القومي في الأساس، بغض النظر عن المسميات الأخرى، خاصة بوجود تحديات داخلية أخرى لا يبدو أخطرها عملية الإنقلاب الاخيرة، بل ما كشف عنه من مخطط دولي للإطاحة بمنجزاتها.
الدور الامريكي واضح المعالم في المعركة القادمة، فالمهم بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما هو أن يرتبط أسمه بمعركة تحرير الموصل من أقوى تهديد إرهابي يتعرض له العالم قبل العد النهائي لخروجه من البيت الأبيض، وهو التهديد التي حاولت أمريكا تسويقه للعالم، مع كل علامات الإستفهام التي صاحبت عمليات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والاتهامات التي تدور في أروقة السياسة الأمريكية ذاتها بشأن مسؤولية أمريكا عن المفهوم الوجودي لهذا التنظيم، وهي حقيقة ثابتة بغض النظر عن اختلاف الروايات حولها، فمن تسبب في كل تلك الفوضى في المنطقة سيتحمل حتما الجزء الأكبر من مسؤولية نتائجها.
بالتأكيد، ستكون معركة الموصل القريبة عامل استنزاف لكل القوى المشاركة فيها، وهذا ما يجعل القرار بالمشاركة محفوفا بالمخاطر، لكنه واقع مرير على كل الأطراف المشاركة فيه إجباريا، فليس هناك من أطراف الصراع من يستطيع ترك الأمر للصدفة، في معركة حاسمة ضد تنظيم سيطر على هذه المنطقة لسنين، وخروجه منها سيخلق فراغا خطيرا يمكن استغلاله لتنفيذ مخططات يدرك الجميع بأنهم جزء منها، فهي حرب ستشكل معالم المنطقة من جديد..