إن الكمال لله وحده وهذه من المسلمات الراسخة التي لا تقبل النقاش ، فالكمال بالتأكيد لله عز وجل ولكن لماذا لا نقول إن الكمال لله هو الكمال المطلق والكمال الإنساني هو الكمال النسبي ، فالمطلق والنسبي مفردتان تعني الكامل والقريب من الكمال ، فالله كامل وهناك من البشر من هم كاملون حسب مفاهيم الحياة وزيادة في نسبة الفضائل التي يتحلون بها ، ربما يصل أحدنا لمرحلة الكمال الإنساني بعد مسيرة طويلة وشاقة وتصحيح الأخطاء وتقويمها ، فالإنسان الذي يصحح الخطأ الذي يقترفه يتجاوز مرحلة من الوصول إلى الكمال الإنساني ، صحيح أن العمر بطوله وعرضه نتعرض فيه إلى مواقف علينا أن نتخذ رد يكون فيه من الخطأ الشيء البسيط أو الكثير ولكن لا بد أن يكون أحدنا بعقل نير يسمح له أن يتجاوز هذه الأخطاء ويتخذ أفضل وأقرب الطرق المنطقية التي تجعله بعيداً عن الانتقاد حتى من الأعداء ، الله عز وجل عندما فضل الإنسان عن بقية الكائنات ليس اعتباطا ومنحه العقل حتى يستخدمه الاستخدام الأمثل والعواطف كلما كانت أضعف من العقل كلما كان الإنسان أقرب إلى الكمال الإنساني والعكس صحيح ، فالعواطف هي بيت الداء ، لست هنا ضد العواطف التي أغلبها تكون لا إرادية ولكن لماذا لا نحترم العقل ونتمسك بالعواطف حتى وإن كانت تقودنا إلى الهاوية ، لماذا لا يكون تمسكنا بالعقل أكثر إصرارا من تمسكنا بالعواطف ، فالعواطف كما أسلفت لا إرادية ولكن لماذا لا نجعل التفكير الصائب أيضا يدخل في خانة اللا إرادية حتى نكون قد تجاوزنا الأخطاء دون أن نتصرف بلحظة غضب خدمة لهذه العواطف والتي نادرا ما تقودنا إلى بر الأمان ، هناك من يقول نعم الكلام صحيح ولكن العواطف لا سلطان عليها وهنا سنعود إلى إنكار فضل الله دون أن نعلم وسندخل في مسألة الكفر الغير منظور لأننا لو قلنا أن العواطف لا سلطان عليها فهذا يعني إن العقل حينها قد أهمل جانبا وهذا يعني حسب التسلسل المنطقي إننا قد رفضنا هبة الرحمن لعبده وأصبحنا كالحيوان الناقص لهذه الهبة .
لو افترضنا أن هناك رجلا قضى عمره متعبدا صادقا وكان محبا للعلم وعالما بمجال عمله وقدم للبشرية منفعة كبيرة وكان محبا للناس ومتساهلا وخادما دون مصلحة غايات الناس ومساعدا للناس في قضاء حاجاتهم دون مصالح ثانوية وعرف كيف يختار زوجة صالحة تساعده في حياته وأبناء صالحين فكيف لا نصفه أنه الكامل ولما لا نقول أن هذا الرجل قد وصل لمرحلة الكمال الإنساني ، لنضرب مثلا آخر وهو ما يقدمه العلماء من خدمات جليلة للبشرية وهل هذه الكنية قليلة بحق هؤلاء المفكرين والعلماء الذين قدموا خدمات للبشرية لدرجة أن الله يقول في كتابه الحكيم ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ” وهنا أختلف التفسير فالبعض أعتبر أن المقصود بالعلماء هم أصحاب العلم الشرعي فقط دون أن يذكروا إن العلماء تعني كل من قدم خدمة للبشرية ، ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين ما قدمه كلُ من علماء الدين كالسيستاني والمفيد والشعراوي والطنطاوي مع فائق إحترامي لهم ولكن المقارنة وجبت أن اذكرهم بالأسماء وبين ما قدمه توماس إديسون لرينا أن ألف سيستاني ومليون شعراوي لا يستطيعوا أن يقدموا خدمة للبشرية تعادل ربع ما قدمه توماس إديسون وهناك من المتخلفين من يعتبر أن توماس إديسون مثواه النار يبقى فيه خالدا لأنه غير مسلم ، بربكم أين المنطق من هذه الترهات والسفسطات المخجلة، ما فائدة رجل يجلس في سرداب ورجل آخر يجلس في زاوية مسجد يتلوا علينا كتاب موجود في بيوتنا ويفسر الآيات كما يحلو له وكما يدفعه الغلو بمذهبه وبين توماس إديسون ، ربما لو قرأ توماس إديسون القرآن الكريم وطلب منه أن يفسر لنا الآيات فانا على يقين أنه سيقدم مثل ما قدم أغلب علماء الدين ولكن هل يستطيع أحد رجال الدين أن يستخدم عقله في تقديم عشر ما قدمه توماس إديسون ، الجواب واضح جدا ولا حاجة بنا لهذه المقارنة فإننا مثلما نقارن بين الثرى والثريا . وهنا وجب السؤال هل أن علماء الدين هم الكاملون إنسانيا أم إنهم طريق منمق للعبودية تحت خيمة تحجيم العقل وتقصيره ، وهل إديسون لا يستحق أن يكون الرجل الكامل إنسانيا وهؤلاء العلماء فقط يخشى الله منهم، إنها مفارقة عجيبة فيها من السخرية الشيء الكثير ، فالله هو الكامل المطلق والعلماء الذين قدموا خدمة للبشرية هم الكاملون نسبيا ، ولا ضير إن اعتبرنا كل العلماء هم الكاملون دون تحديد نوع العلم وما علينا في نهاية هذا السرد إلا أن نقول أن الكمال الإلهي للخالق عز وجل والكمال الإنساني للعلماء الذين خدموا البشرية دون تحديد .