19 ديسمبر، 2024 5:48 ص

معذرة  أوروك

معذرة  أوروك

انا من بين الكثيرين  من سكنة بغداد،  اعاني  كما تعاني  مدينتي  …  ازمة  داخلية  …  بل  كما يعاني  وطني  كله… مصابون جميعاً بأزمة  داخلية  …
اعاني  كثير من المتاعب كغيري  من الملايين  من سكنة بغداد العاصمة … بغداد  الازمات  …  بغداد المصائب  …  بغداد الاعراس .. نعم الاعراس في بغداد في  كل يوم وفي كل مكان، رغم كل شيء… رغم المفخخات والعبوات، رغم الانتحاريين  والانتحاريات، رغم الازمات …  الاعراس  مستمرة في  بغداد…
  لكني  متأزم (داخلياً)  وانا اجوب  شوارع بغداد  بسيارتي  او مشياً على الاقدام  …  ربما السير على الاقدام يريحني  قليلاً و(يحلحل)  من ازمتي  نوعاً  ما  … لكن في سيارتي  الامر مختلف.  فأنا عشت لسنين طويلة خارج العراق  …  فيما يسمى بالعالم الغربي .. هناك امور  كثيرة  تختلف عنها هنا،  منها  ان هناك نظام لسير الناس والمركبات في الشوارع، هناك ما يسمى ( حق الاخرين ) في السير والعبور  …  واولوية الاخرين في السير والوقوف  والمرور.  فن السياقة في عراقنا الحبيب …  مختلف… السياقة في عراقنا الحبيب  تشبة السياسة : فن الممكن!  …  فلك ان تفعل ما تشاء مادام ممكناً وما  دمت قادراً علية .  لذلك ولكي اكون مثل باقي الناس هنا، فقد تركت  ما تعلمته هناك في الغرب من قبيل  مراعاه الحق  والأولوية للاخرين  وعمدت الى ممارسة التوحش والاعتداء ومصادرة حقوق  واولويات الاخرين  عندما اسوق  سيارتي  في  شوارع بغداد  وقد لجأت الى هذا السلوك المشين  بعد ان اكتشفت اني (مطفي ) او ( نايم ) او ( شارب )…مصطلحات  سمعتها مراراً من السواق الاخرين عندما كنت في الاشهر الاولى من عودتي الى بلدي أراعي  حقوق  واولويات الاخرين في السير والعبور وهكذا اصبحت ( السياقة )  في شوارع بغداد احد اسباب  ازمتي.
الاسباب الاخرى  :- 
كثيرة… بشكل عام سلوك الناس الذي لا هو سلوك مسلمين او مؤمنين يخافون الله  واليوم الاخر (وعباد الرحمن الذين يمشون هوناً على الأرض وأذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)…  ولاهو سلوك الناس ( الفاسقين! ) في العالم الغربي  .

سبب  اخر  :  السيطرات  …  نعم السيطرات  ما اكثرها… وماذا اقول  عن السيطرات…  وكل هذا وما راهمه… لازال الارهاب يضرب  هنا وهناك. ماذا تفعل الحكومة؟ تقلل السيطرات ؟ ربما كان هذا خطأ فادحاً  قد يدفع ثمنه المئات بل الآلاف من الابرياء  المستهدفون من الارهاب. 
سبب  اخر  :  الكونكريت  …  ما اكثر الكونكريت في  مدينتي…  بغداد اصبحت عبارة عن جدران كونكريتيه  تحيط بجمالها في  كل  مكان …  أين شارع الرشيد  ..  أين باب  المعظم  ..  أين شارع الجمهورية  و الشورجة  … شارع السعدون  ..  اين ذهبت هذه الشوارع التي كانت  تزخر بالجمال والتاريخ  ..  والان تختبئ  خلف مصدات  الكونكريت خجلة وجلة وشبه ميته  …  من الوم على سوء  حال  مدينتي  وأزمتي… اسمع بعض الناس  تقول  : هذا كله من المالكي!   … الله يساعد المالكي  …  شيصير؟  ..  وبمن يحتار؟ بالارهابيين من اخوتنا العرب ..  ام بالمتآمرين من شركاء الحكومة .. ام بالانفصاليين المتربصين ام … بالمتأقلمين ( دعات الاقاليم  )  ام بالمفسدين الفاسدين المتدرعين بأحزابهم وقوائمهم ولايستطيع القضاء المساس  بهم … ام بشوارع بغداد  وروحها التي تحتضر…
  عندما اضيق ذرعاً ببغداد اهرب الى اهلي  في  مدينتي  الام الناصرية  . .. ينشرح صدري  قليلا  واهدأ، لكنني  ماألبت ان احس بالشوق الى معشوقتي بغداد …  فأعود عاجلاً…
 الناصرية …  لابأس بها… جسر جديد  او جسرين  …  شوارع تبلط هنا  وهناك، تطور طفيف  …  المدينة مسالمه  …  اهلها يعيشون بسلام … 
في المرة الاخيرة التي زرت بها الناصرية , عبرت الجسر الجديد  ( جسر ابراهيم الخليل )،  لفت انتباهي  لافته بالخط  الاحمر المضيء ليلاً  فوق  بناية شاهقة ( فندق اوروك )  وبالانكليزية  (URUK HOTEL )، اوروك  تعني  اور… غمرني  شعور بالتفائل …  اخيراً ….  مدينتي  الأم  تخطو في  طريق المدن  والمدنية  ..  فقدوم فندق  مثل اوروك الى الناصرية يعني ان المستثمرين قد استوثقو اخيراً  من استقرار حال المدينة  وجاؤا  بأموالهم  واستثمروا  فيها … ذلك يعني  ان المستقبل سيكون افضل …  لولا  ثقتهم ومعرفتهم بذلك لما خاطروا  بأموالهم وبنوا صرحاً شامخاً  كهذا  في  الناصرية.  اصررت على الذهاب  الى الفندق  والدخول  فيه  لارى عن كثب… دخلت … حيتني  بتحية السلام والاسلام فتاة شابة محجبة … الفندق رحب ونظيف جداً …  كل مظاهره تدعو الى التفاؤل  والغبطة …  قررت وانا اغادر الفندق مغتبطاً  , ان أزور الفندق  نفسه في بغداد , حيث  يقع بالقرب مني  ( برأس الفرع ) حيث اسكن .
عندما عدت , ذهبت الى الفندق  وطلبت اللقاء بالمدير، استقبلني المدير بحفاوه وقال ( اهلا ابو علي )… يعرفون جيرانهم ! اجلسني ورفع سماعة التليفون وسمعته يقول بعد ان خيرني بين الشاي  والقهوة والعصير – اخترت القهوه – قال : اجلبوا قهوتي  الخاصة التي  جلبتها من عمان …  رحب بي  كثيراً , ثم سألني ان كنت بحاجة لخدمة او شيء .  فقلت : انا جئت فقط لاشكركم على المشاركة في  انعاش الروح في مدينتي  الأم  ( الناصرية ) وشكراً  لثقتكم واستثماركم هناك . اطرق المدير مبتسماً …  استغربت لردت فعله…  رفع طرفه ألي مبتسماً وقال  :  لكن لنا عتب عليك يا ابو علي  …  استغربت متسائلاً… قال : انك كتبت عنا  مقالاً في  كتابات ذممت الفندق والقائمين عليه! نظرت اليه محرجاً متسائلاً… بكل هدوء، اخرج المدير اوراقاً  من درج المكتب، بحث فيها… ثم اخرج مقالتي ووضعها امامي , نظرت في المقال … نعم … كتبت هذا المقال قبل اشهر، ذممت الفندق  والقائمين عليه، كان المدير يراقبي خجلاً مبتسماً.  لا اعرف ما اقول  له …  نظرت في المقال تاره اخرى بتمعن وقلت : استاذ كتبت هذا المقال لأنكم تسببتم في (ازمتي  الداخلية ) لجلبكم للكتل الكونكريتية ووضعها  حول  فندقكم في رأس الشارع وانا عندي ( حساسية ) خاصة اتجاه الصبات الكونكريتية و ( الكونكريت ) بشكل عام … عندما اراها … يحتبس الهواء في صدري واشعر اني  في سجن الباستيل … ابتسم المدير  وقال : كلنا نمقت تلك الجدران الكونكريتية، ولكننا لسنا الذين وضعناها هنا , بل هي القوات الامنية، ليس لنا الخيار في ذلك  …  ثم أردف قائلاً: نحن مثلك ابو علي، نعاني من ( ازمه داخلية )  جميعاً  … ولكن ماذا نفعل والى اين نذهب , هذا هو حال وطننا متأزم على الدوام …  (وليس لنا الخيار الا ان نتعود على ازماته ونعيش  معه متأزمين). اطرقت مفكراً بما قاله المدير . ادركت انني كنت بحاجة الى سماع هذه( الحكمة ) منذ زمن طويل، منذ ان بدأت  ازمتي  الداخلية قبل سنين … قلت له وانا منصرف  : انا اشكركم كثيراً…ومعذرة  أوروك.

أحدث المقالات

أحدث المقالات