18 ديسمبر، 2024 8:54 م

مدننا المهملة والمناطق التي يجب الحفاظ عليهاوتأملات أخرى..!

مدننا المهملة والمناطق التي يجب الحفاظ عليهاوتأملات أخرى..!

( Conservation Area )!
في مفاهيم تخطيط المدن والتخطيط والتصميم الحضري يجري في العادة تصنيف المباني المختلفة إلى مبانٍ يُقترح تجديدها وأخرى تجب إزالتها وأخرى أيضا يجب الحفاظ عليها وكل هذا يتم تحديده بالإستناد إلى حالة المباني والتي يجدونها بحالة لا بأس بها فإنه يُقترح تجديدها وتحديثها ضمن مناطق مبيّنة بمداد وألوان توضّح ذلك أمّا المناطق التي يجدونها آيلة للسقوط في الغالب أو بحالة سيئة من النواحي العمرانيّة والبيئية فإنهم يقترحون لها أن تُزال تماما ويتم إنشاء أخرى جديدة بدلا عنها وكل ذلك يتم تحديده بمناطق موضّحة بخرائط مفصّلة أمّا المناطق التي يجب الحفاظ عليها فهي في الغالب تتكون من أبنية تراثيّة أو ذات معالم عمرانيّة وفنية  تستوجب الحفاظ عليها
ولكن المشكلة عندنا أو في مدننا العراقيّة في الغالب يوقف التصرفّ بها بأي شكل من الأشكال وتبقى مدّة طويلة دون صيانة وبلا رعاية ولا إشغال وهكذا حتّى يؤول حالها إلى الإنهدام الكلّي ويفقد إسم الحفاظ عليها معناه تماما وتتم إزالتها بدلا من الحفاظ عليها وتختفي تلك المباني شيئا فشيئا وتفقد بالتالي مدننا مميّزاتها ومعالمها التراثيّة والأثريّة وهذا كلّه بسبب عدم استيعاب الأجهزة المحليّة أو المسؤولة عن تنفيذ المخططات التنمويّة للمدن والمناطق الحضريّة لتلك المعاني وما يجدر القيام به من إجراءات تتلازم معها
إن المناطق التي يجب الحفاظ عليها(Conservation Area ) بعد أن يحدد مساحتها ومناطقها المخطط يجدر توثيقها معماريا بتقرير وبالخرائط والصور الفوتوغرافيّة وبالمرتسمات الكرافيكيّة بكل دقّة وتفصيل ثم يُعدّ لها مقترحات تخطيطيّة وتصميميّة كاملة التفاصيل ومن جميع النواحي والإختصاصات المعماريّة والإنشائيّة والمدنيّة والميكانيكيّة والكهربائيّة ومن ثمّ يتم إعداد تقرير بالأعمال المطلوبة لصيانة المباني كلها ويقوم المهندسون بتقدير الكلفة المطلوبة للصيانة والأعمال المطلوبة جميعامع إعداد كافة وثائق العمل وعلى المؤسسات المحليّة أن تقوم بتكليف شركات متخصصة بأعمال صيانة المناطق التراثيّة وانتقاء الأيدي العاملة المتخصصّة بتلك الأعمال والمباشرة بالصيانة الكليّة وفق ما كانت عليه المباني وبموجب الوثائق المعلنة وبإشراف مهندسين معماريين ومتخصًين وبأسرع ما يمكن لأن أغلب تلك المباني قديمة وقد تكون في حال تستوجب الإسراع بصيانتها ، ولكن الأمور في معظم مدننا تسير خلاف ما هو مطلوب كما ذكرنافتترك مدة طويلة ثم تتعرّض لأضرار جسيمة ثم تنهار!
لو ضربنا لما نقول مثلا بالمناطق التي يجب الحفاظ عليها في البصرة نجد أن مناطق الشناشيل بقيت كما هي منذ إعداد المخطط الإتمائي لعام 76 والذي أعدّته شركة ( للويلن ديفز ويكس فورسترووكروبور)ولغايته لم يتم صيانة أيّة مبانٍ ما عدا إجراءات محدودة شملت أحد البيوت في الصبخة الصغيرة فقط وكانت لا ترقى للمستوى المطلوب
لقد شهدت بأم عيني عددا من المباني في أوربا تم تشييدها في القرن الخامس عشر أو السادس عشر أي منذ أيام شكسبير أو مايكلانجلو وعهد معمارباشي سنان باشا وغيرهم ومازالت بحالة جيّدة وعلى نفس ملامحها التصميميّة وبنفس المواد التي كانت قد شيّدت بها وأنها ليست خالية ولا يتم اتخاذها كمتاحف بل كانت مشغولة من قبل الناس بشكل اعتيادي مع أن البلديّةتكلّف الساكنين أن يقوموا بأعمال الصيانة السنويّة حسب إشراف البلديّة مقابل إيجار مناسب وهكذا تجدها بحال ممتازة على مرّ السنين
ونجد في المقابل بالبصرة أن العديد من المناطق التراثيّة بل والأثريّة تفقد أهليتها يوما بعد يوم ولا أحد يحرّك ساكنا ولا تمتد يدّ للمساعدة فبالإضافة لعدد من المباني التراثيّة الأخرى سوى الشناشيلات مثل البيوت المشيّدة في الوجه الصحراوي للمحافظة كالزبير أو مثل عدد من الجوامع والمساجد الأثريّة فضلا عن عدد من مباني الحقب العثمانيّة والبريطانيّة وغيرها والغريب أن هناك نزعة واضحة بين الناس والمسؤولين للتعامل مع معظم تلك المباني بالإزالة والهدم ولا نفهم لتلك الرغبات سببا ولكن وجودها واضح للأسف الشديد
إن المدينة أي مدينة تحتاج إلى حفظ تاريخها وماضيها لأسباب غير خافية على القارئ اللبيب فضلا عن الأسباب التخطيطيّة المهمّة
ولهذا فإنني اوجّه عبر هذا المقال نداءً عاجلا إلى المسؤولين عن تنفيذ المخططات الإنمائيّة وإلى كل المسؤولين على اختلاف مواقعهم وإلى أبناء تلك المدن الأصيلة ومثقفيها والمتخصصين في هذا المجال أن يسرعوا في مدّ يد العون العاجلة لإصلاح وصيانة المباني المختلفة والتي تقع ضمن المناطق التي يجب الحفاظ عليها مع القيام بمسح شامل لباقي المناطق لتحديد ما هو واجبٌ الحفاظ عليه من سواه وإدراجها جميعا في برنامج شامل للصيانة والتحديث وفق المفاهيم التي تحددت بموجبها
منع تخصيص المناطق الخضراء ومناطق الخدمات العامّة ومناطق النفع العام لغير الأغراض التي خصّصت من أجلها
جرى ويجري للأسف الشديد وضع اليد وتخصيص عدد من الأراضي التي خُصّصَت ضمن التصاميم التفصيليّة لأغراض النفع العام مثل المراكز القطاعيّة أو الحدائق والمتنزهات أو الأسواق أو لأغراض الخدمات المهمة الأخرى مثل الكهرباء والماء والمجاري أو للمدارس ورياض الأطفال وسواها وليس خافٍ عن القارئ أنه عندما تحين ساعة نصب مضخّة مجاري أو محطّة ضخ للمياه أو محولات كهربائيّة كيف سيتم تأمين أراضي لنصبها وبالسرعة المطلوبة؟ وقد تم تخصيص ما هو مخصص لها أساسا لأغراض السكن أو أيّة أغراض غير ما حجزت من أجله؟
أمّا الحدائق ! فالوضع أسوأ إذ لا يوجد من يتفهّم معنى وجود حدائق ضمن المناطق السكنيّة وكيف من شأنها أن تساعد على تحسين بيئة المناطق المختلفة!
نناشد السلطات العليا والمحليّة على حد سواء منع مثل تلك الإجراءات التي تؤدّي إلى أخطاء  لا يمكن إصلاحها أبدا
الخطوط العريضة للإصلاح..!
يمكن تبويب استعمالات الأرض الحضريّة إلى ما يلي:
أ ــ الأبنية التحتيّة
ب ــ الأبنية الفوقيّة وتشمل الإستعمالات الأساسيّة التالية:ـ
1. الإسكان ويتفرع له أبواب وفروع
2. العمل والتجارة وله أبواب وفروع
3. الطرق والمواصلات ولها أبواب وفروع
4. مناطق الترويح والمناطق الخضراء ولها أنواع وفروع
وإذا أضفنا مهمة تنمية المؤسسات التي تقوم على هذه المهام جميعا فإنه يكون لدينا أبواب رئيسة تندرج ضمنها معظم المهام التنمويّة الحضريّة
ونحبّ أن نلفت انتباه السادة المسؤولين عن التنمية والتخطيط الحضري في البلديات والمدن والقصبات  ودوائر التخطيط الحضري والإقليمي إلى التوصيات التالية:
1 ــ السعي لإعداد تصاميم أساسيّة لكل مدينة أو قصبة ولا يعني ذلك إعداد خرائط    
     عامّة فقط بل أن يتم إعداد تقارير تخصصيّة مفصّلة تقوم عليها نتائج تتوضّح في  
     الخرائط والوسائل التوضيحيّة الأخرى.
2 ــ أن تقوم بالدراسات والتصاميم جهات تخصّصية بهذا الشأن وبوسطة مكاتب
         استشاريّة لها خبرة معترف بها.
3 ــ يتم إعداد تصاميم تفصيلية لكل قطاع من قطاعات التصميم الأساس بواسطة
     متخصّصين بالتصميم الحضري(Urban Design ) تتضمن تصميم جميع    
     استعمالات الأرض الحضريّة وكذلك الأبنية التحتيّة ( الخدمات المختلفة)
4 ــ يتم حصر تقسيم الأراضي لأغراض السكن بأضيق الحدود وضمن المناطق
     المناطق العمرانيّة قليلة الكثافة السكانيّة كما ترد في التصاميم الأساسيّة والتفصيليّة
5 ــ تشجيع إقامة مشاريع الإسكان العمودي ومشاريع الإسكان المتكاملة في المناطق
     واطئة الكثافة السكانية ومتوسطتها كما تتضمنه الدراسات.
6 ــ توضع شروط ومواصفات دنيا للوحدة السكنيّة ومندرجاتها
7 ــ تتضمن هذه المرحلة البدء بإعداد كافة تصاميم الخدمات الأساسيّة ومنها تصاميم
     توزيع الكهرباءوإسالة الماء وبناء المجاري العامّة بنوعيها في تصريف مياه
     الأمطار أو تصريف المياه الثقيلة وكذلك شبكات الإتصالات المختلفة مع كافة
     التفاصيل الأخرى.
8 ــ تكليف جهة استشاريّة تخصصًيّة لدراسة واقع ومستقبل حركة المرور والنقل
     وكذلك واقع المواصلات المختلفة إن وجدت نهريّة أو جويّة أو بواسطة السكك أو
     المونوريل أو سواهامن وسائل المواصلات داخل المدن الحديثة، واستكمال
     مجموعة من التصاميم والدراسات والخرائط كاملة.
9 ــ إعداد مجموعة دراسات وتصاميم وخرائط متكاملة للمناطق الترويحيّة والخضراء
     ضمن التصاميم الأساسيّة أو التفصيليّة أو القطاعيّة بل حتّى ضمن الأحياء و
     المحلات والمشاريع السكنيّة .
10 ــ يجري الإعداد لكل الفعاليات الأخرى مثل الفعاليات التعليميّة أو الصحيّة أو
       الحكوميّة أو المدنيّة مما يندرج ضمن الفعاليات الحضريّة المختلفة بنفس المنهج
11 ــ يجري تحديد ارتفاعات المباني المختلفة وإعداد مخططات لتضاريس المدينة
       والإرتفاعات المسموح بها وفق دراسات يعدّها اختصاصيون بهذا الشأن
12 ــ تكليف جهة اختصاصيّة لوضع دراسة جيوفيزيائيّة للمدينة وإعداد تفاصيل
      تعين المؤسسات الأخرى على اختيار أسس المباني ونوعيّة هياكلها.
13 ــ وضع دراسة لتنمية المؤسسة التي تقوم بالمهام أعلاه من حيث النواحي الإداريّة
14 ــ تأسيس شعبة متخصّصة بالدراسات الديموغرافيّة تقوم بجمع وتبويب المعلومات
      الديموغرافيّة وتحديثها
15 ــ تأسيس شعبة تقوم بجمع المعلومات عن الأنشطة العمرانيّة وتحديثها وتنزيلها
       على خرائط خاصّةتتبع لها مكتبة تضم كافة الدراسات السابقة على اختلافها.
كانت هذه الخطوط العريضةوالعامّة للقيام بإعادة أعمار المدينة العراقيّة وتجدر الإشارة إلى أنه يجب أن تتشكّل في كل مدينة أعداد كافية من المهندسين المعماريين والمدنيين لأغراض التخطيط والتصميم الحضري والمعماري والهندسي بالأعداد الكافية إذ يجب أن تتوفر القناعة بأن وجود وحدة متكاملة من هؤلاء الإختصاصيين ضرورة أساسيّة لا غنى عنها في عمليّة التطوير والتحديث والإعمار فضلا عن متخصّصين بالتخطيط الحضري من الإقتصاديين والباحثين المختلفين في تخصصات جغرافية المدن
وبصراحة مطلقة أقول إن القفز فوق هذه الإحتياجات الضروريّة جدا وتسطيحها لا تمكّن المدن من التقدّم إلاّ مقدارا محدودا وضئيلا لا يتجاوز واقعها الحالي كثيرا فلقد أُهملت كثيرا وحان الوقت للمعالجات الجذريّة
وفي الختام يجب أن نشيع ثقافة راسخة جداّ في تحريم قلع أيّة نبتة مهما صغرت وأن نرعاها ما إستطعنا ونحاسب بشدّة على قطعها وكذلك احترام التراث والمباني القديمة والحفاظ ( صيانتها وتعميرها لا حفاظ بمعنى إماتة وحرمان) عليها وتحريم هدمها أو إهمالها ومحاسبة المتسبب بالإهمال بشكل شديد وصارم! هذا هو السرّ الذي أهديه لكل متحمّس لتحسين أحوال مدننا البائسة.
ترسيخ الطاعة لأوامر المدينة ومجلسها وتمكين موظفيهم من القيام بواجباتهم والضرب عل يد كل مستهتر بالنظام العام وإعادة الهيبة لموظفي الخدمة العامّة مع تحسين الأداء الوظيفي والرقيّ به، كل هذا هو جزء من هذه العمليّة .
وقد يُساعد كثيرا انبثاق جمعيّة غير حكوميّة من جمعيات المجتمع المدني تحمل على عاتقها ترويج الصداقة مع المدينة ورعاية وتشجيع التوجهات الصادقة والقويمة من أجل صالح مجتمعها وواقعها وتاريخها
وللحديث صلة والسلام عليكم.