منذ أربعة عشر قرنا وذكرى الحسين تجدد فينا روح الثورة, حيث تنطلق مواكب العشق الحسيني, لتردد شعارات الحسين, وتذكر الأجيال بأهدافه في الإصلاح, ووقفته ضد السلطان الجائر, وعلى مر الزمن حاول الطغاة القضاء على الشعائر الحسينية, وسخروا كل جهودهم, وشرعوا القوانين التي تعاقب بالسجن والإعدام كل من يشارك في الشعائر الحسينية, لكنهم في النهاية فشلوا, فلم تموت الثورة الحسينية, بل هي باقية في حياة الأمة.
كانت الفترة منذ عام 1968 والى شهر نيسان من عام 2003 الأشد قسوة على عشاق أهل بيت النبوة في العراق, حيث تسلط على البلد زمرة البعث الظالمة, بقيادة البكر أولا ثم انفرد صدام بالسلطة, وأذاق العراقيين أنواع الظلم, لأحقاد وعقد تسيطر على تركيبته الشخصية المريضة.
في زمن الطاغية صدام, كانت الأجواء مشابه لزمن الطاغية يزيد, حيث يتم إذلال الناس, مع إهمال كبير للبلد, وتعسر حال الأغلبية, من جهة أخرى تفرد صدام وزبانيته وحزبه في امتلاك الدولة, فكل إيراداتها وأملاكها تحت أيديهم, فتحول البلد الى مجرد بستان لعائلة صدام, مع سعي صدامي حثيث لنشر الجهل والمرض والخرافة, ومحاربة أي جهد لرفع وعي الأمة, واشغل الأمة المنكوبة به, بحروب طويلة أجهضت على الكثير من الأحلام.
لقد أدرك صدام خطورة الشعائر الحسينية على عرشه, ففيها شعارات تهدد كيانه, ولو سمح للمواكب الحسينية بالظهور, فان الثورة قادمة لتزيله من الوجود, فهي تنظم الجماهير لأعمال جماعية, من قبيل المسيرات والمواكب, بل حتى القصائد الحسينية مشبعة بأبيات الشعر الرافضة للظلم, والداعية للخروج على الظالمين, لذا شن حربا كبيرة ضد النخبة الشيعية, واعتبر المشاركة في الشعائر الحسينية جريمة عظمى, عقوبتها تصل الى الإعدام أو السجن المؤبد.
كنا نلوذ بالحسين, ونأخذ منه المنهج والطريقة في رد الحاكم الظالم, وكيفية السلوك اليومي, بصدق كان وقت عصيب, لكن كانت الأمة تتثقف على منهج الثورة الحسينية, كنا نقرا ونسمع ونجتمع في السر, شروحات لأهمية ثورة الحسين وأهداف النهضة, ولماذا تحرك الحسين, وما هو دورنا ألان؟ فنردد كلامات الأمام الحسين للجماهير في ذلك الزمن.
ومنها, حيث قال الأمام الحسين: أيها الناس أن رسول الله قال (من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالآثم والعدوان فلم يغًير عليه بفعل ولا قول, كان حقا على الله أن يدخله مدخله), الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود, واستأثروا بالغي واحلوا حرام الله وحرموا حلاله.
فكانت كلامات الإمام تلهمنا بوجوب القيام ضد الحاكم الظالم, وإعلان عدم الرضا بحكمه, وعدم الانخراط بتنظيمات حزبه, ورفض مساعدته في ضرب الناس, وهو ما فعله الشرفاء من الأمة.
عند سقوط نظام صدام وجدنا الكثير من التقارير المخابراتية عن أناس بسطاء, تم تغييبهم والسبب (انه كثير الزيارة للحسين), أتذكر قريبي محمد الشاب البسيط, الذي لا يوجد له أي نشاط سياسي, لكنه كان يقرا كثيرا كتب تفسير القران, ويكثر من زيارة الإمام الحسين, وفي شتاء 1996 ومع محاولة اغتيال ابن الطاغية عدي, قام النظام بحملة اعتقالات ضد الشباب المتدين, وتم إلقاء القبض على قريبي محمد ومصادرة مكتبته الخاصة, وانقطعت أخباره حيث غيب في سجون النظام الى حدود عام 1999, حيث جاء أهله خبر إعدامه, ومنعوهم من إقامة عزاء لابنهم محمد, وطالبوهم بمبلغ رصاصات الإعدام, فقط لإذلال أهله, هكذا كانت سيرة صدام القذرة مع الأغلبية.
وتم سقوط النظام ألصدامي, وعمت الأفراح اغلب محافظات العراق, مستبشرين أن يتحقق الإصلاح والعدل, وان تجد أفكار الإمام الحسين مكانا لها على ارض الواقع, ولم تموت الشعائر الحسينية مع كل ما فعله “ابن صبيحة” على مدار عقود, حيث عادت الشعائر الحسينية بشكل أقوى واكبر وأوسع , بعد عقود من المنع, لتكون حية في ضمير الأمة, ولتكون صوتها عالمي وليس محصورا في نطاق المحلية, مما جعل محور الشر يحكيك لها الدسائس كي تنطفئ شعلة النور الحسيني.
وللكلام بقية.