كربلاء حركة اصلاحية دارت فصولها على ارض الواقع ، بعيد تسلم يزيدة زمام امور المسلمين على اثر هلاك ابيه معاوية، فعلى طريقة تجميل ما قبح باللين وان لم يكن فبالشدة، قد ولي يزيد العهد ، كما قال احد مروجي بدعة ولاية العهد : الخليفة هذا، وهو يشير الى معاوية، فان هلك فهذا، وهو يشير الى يزيد، فمن ابى فهذا، وهو يشير الى السيف، وهي مقولة قد ارضت معاوية فقال لصاحبها انت اخطبهم، اما الكلام عن ان معاوية اخذ البيعة لابنه يزيد خوف الفتنة بعد ان راى تفرق الناس، فهو كلام لا يمكن ان يفهم الا في سياق اسباغ مشروعية مزعومة على حكم يزيد، من قبل وعاظ السلاطين ، وهي مشروعية لم تسبغ على حكم معاوية نفسه من قبل ، فقد نازع خليفة مبايع تجمع الامة على ان اتمام البيعة له تمنع ايا كان عن منازعته ، وعليه فقد وصف معاوية من قبل كبار الصحابة باوصاف تخرجه من دائرة الايمان.
وقد انتهت حركة كربلاء الاصلاحية بمعركة عظيمة خاضها الامام الحسين [ع] واهل بيته واصحابه في يوم مشهود ، هو العاشر من شهر محرم الحرام سنة احدى وستين للهجرة، مثلت ذروة الصراع الذي دار بين بين معسكرين، لكل معسكر شعاره ، فشعار يزيد هو نفسه شعار ابيه من قبل الذي رفعه في وجه منتقديه من المسلمين الذين وجدوا في تصرفه ما ينافي سيرة رسول الله [ص] والخلفاء الراشدين الذين حكموا بعده ، هو شعار الامساك بالحكم باية وسيلة وقد اوجزه بقوله : إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، اما شعار الحسين [ع] فكان الاصلاح حيث قال : إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي. اما شعار الموت ، اي النصر او الشهادة ، فقد كان شعار معركة الطف ، وهي مفردة من مفردات حركة الاصلاح، فعندما راى الحسين [ع] ان اعداءه لن يستجيبوا لمطالبه في اصلاح امة جده محمد [ص] بل انهم خيروه بين الموت او التسليم ، فاختار الموت على التسليم ، وكان شعار معركته : ما ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ، وشتان ما بين الشعارين، شعار الملك العضوض الذي رفعه معسكر يزيد وشعار الاصلاح الذي رفعه معسكر الحسين [ع].
من دون شك ان الانسان بفطرته يتعاطف مع الاصلاح المتفق مع الحق ، ضد الفساد المتفق مع الباطل ، فيحاول ان يجمل الحق ويقبح الباطل، ولكن مهما حاول احد ان يقبح فعل يزيد بن معاوية فانه لن يصل الى حقيقة قبح الفعل ذاته ، لانه يفوق بقبحه كل تصور، وان محاولة تقبيحه باضافة احداث اليه ربما تفهم على انها حسن ظن بيزيد ، ذلك لان الذي ينوي تقبيح فعل يزيد ، انما يظن ان فعله ليس قبيحا بما فيه الكفاية فيجهد على ان يضيف اليه ما يزيده قبحا، والامر نفسه بالنسبة الى تجميل فعل الحسين [ع] فانه مهما حاول احد ان يجمله فانه لن يصل الى حقيقة جمال الفعل ذاته ، لانه يفوق بجماله كل تصور ، وان محاولة اي كان لتجميله باضافة احداث اليه ربما تفهم ان صاحبها لم يحسن الظن بالحسين [ع] ، ذلك لان الذي ينوي تجميل فعل الحسين انما يظن ان فعله ليس جميلا بما فيه الكفاية فيجهد على ان يضيف اليه ما يزيده جمالا ، ولكي نكون في مأمن من سوء الفهم هذا علينا ان نقدم كربلاء كما هي من دون اضافات ، سوف تهز صورتها ، مهما كان الدوافع اليها سليمة، تماما مثل الذي ينطلق من نية حسنة فيحدث عن رسول الله [ص] بما يدعو الى الورع والتقوى بما لم يثبت عنه [ص] فهو علاوة على كونه يكذب على رسول الله [ص] انه يسيء الظن به عندما يتوهم انه احرص على الورع والتقوى منه ، وهذا فعل غاية في القبح ، اجارنا الله واياكم منه. قد يجري تجميل فعل الحسين [ع] وتقبيح فعل يزيد بعفوية ، لان الذي يقبح فعل يزيد لا يمكن ان يحسن الظن به ، وان الذي يجمل فعل الحسين [ع] لا يمكن ان لا يحسن الظن به، ولكن لا بد من النظر الى كربلاء على انها واقعة حياتية مثلت يوما من ايام الحياة انسحبت اثارها الايام اللاحقة كلها ، شعارها الاصلاح ، اي اصلاح ما افسده يزيد ، اي تجميل الحياة وترميم ما تهدم من بنيانها ، اي تعميق الوجود وجعله اكثر جمالا واندى عطاء واصدق فعلا ، وقد حرص الحسين [ع] على تقديم شعاره النبيل في اشد اللحظات الما ، وهي لحظة اثخنته الجراح فهوى من على ظهر جواده الى الارض ، في لحظات احتضار رهيبة ، لا تقدر على تجاوزها الا نفس انطوت على نبل لايجارى وخير لا يحصى ، قدم شعاره بمقولة ، قليلة كلماتها ، الا انها اوجزت اسفارا من الجهاد والتضحية في سبيل الله حيث قال [ع] : هون علي ما نزل بي انه في عين الله ، كلمة قالها وهو بين مخالب الموت المحتقن في اظبة السيوف واسنة الرماح.
ان الحسين استشهد من اجل اصلاح ما افسده يزيد ، وابوه من قبله ، من امر هذه الامة، فعلى الذين يحيون امر الحسين الذي هو تجل نسبي للامر المطلق ، اي امر الله تعالى، عليهم ان يحرصوا على اصلاح الحياة وتنقيتها من كل شائبة تعكر صفو جمالها، حرص الحسين عليه السلام على ذلك الاصلاح ، لكي لا تستحيل هذه الحركة الاصلاحية العظيمة التي قادها امام عظيم ، وسبط نبي كريم ، الى طقوس هي اقرب الى كرنفالات الشعوب الوثنية منها الى روح الاسلام ، التي اراد الطغاة ازهاقها ففداها الحسين [ع] بروحه الطاهرة .