18 ديسمبر، 2024 11:01 م

في ظل الاختراق الامني واقلمة المحافظات ، أما آن الاوان لقيام تحالف وطني عراقي واسع ؟

في ظل الاختراق الامني واقلمة المحافظات ، أما آن الاوان لقيام تحالف وطني عراقي واسع ؟

منذ التغيير عام 2003 والى يومنا هذا لم يواجه العراق الجديد وقع تحديات كبرى كما يواجهها اليوم . فالامن مخترق، والاختراق وصل الى المنطقة الامنة ، والطبقة السياسية محتدمة فيما بينها وغارقة في منافع السلطة والثروة، ودعوات اقلمة المحافظات باتت تشكل التحدي اليومي لوحدة الوطن، ناهيك عن قرب انسحاب القوات الامريكية .. كل هذه المستجدات ترمي بثقلها على جميع اطراف العملية السياسية، بل وعلى العملية السياسية نفسها التي اسنفذت ذخيرتها المحاصصية التي قسمت ابناء الوطن الواحد الى ملل وفرق وطوائف .. في ظل كل هذا لم يبق امام القوى والاحزاب العراقية سوى مهمة انقاذية اخيرة هي العودة الى قيام تحالف عراقي واسع يتجاوز العصبيات وينتشل العراق من التمزق .

لقد دعونا ومنذ فترة طويلة إلى قيام كتلة تأريخية (جبهة وطنية واسعة)، لشعورنا بالمخاطر الداخلية والخارجية المحدقة بالعراق، كما أن تجارب الشعوب ذات الظروف المشابهة لنا قد أكدت ضرورة قيام مثل هذه الجبهة بين قواها الوطنية ورفض سياسة الاستئثار واستبعاد الآخرين.
وقد لاحظنا أن فترة ما قبل الانسحاب العسكري الاميركي من العراق شهدت تصعيداً أمنياً واسعاً ويكاد أن يكون يومياً وعنيفاً، بحيث طال المجلس النيابي في منطقة محمية ومحظور الدخول اليها للعامة، مما شكّل تحدياً حقيقياً للقوى الأمنية بمختلف صنوفها في مدى قدرتها على الامساك بالملف الأمني في جميع مجالاته وقدرتها على فرض سيطرتها في عموم البلاد وسدّ كافة الثغرات التي ستنتج عن الانسحاب الاميركي والنقص الموجود في انواع معينة من الصنوف والاسلحة. وقد أشرنا في دعواتنا السابقة إلى الاهتمام بموضوع اختيار العناصر الكفوءة والمخلصة التي تقود الوحدات العسكرية والأمنية، واستبعاد العناصر قليلة الخبرة أو التي يغلب عليها طابع الانتماء لهذه الجهة أو تلك على حساب الهوية الوطنية، وان الاحداث التي حصلت في الآونة الاخيرة أكدت وجود ثغرات واختراقات أمنية لابد من التصدي لها ومعالجة مواطن الخلل.

كما وأن البلاد تتعرض لمخاطر كبيرة في الداخل بعد قيام بعض المحافظات بالدعوة إلى تحويلها إلى أقاليم، وقد سبق لنا أن قلنا بأن الفكرة دستورية ولا نقف ضدها، ولكن يجب طرحها في ظروف ملائمة ومستقرة وأن لا تكون ردود أفعال لخلافات موجودة بين المركز والمحافظات حول الصلاحيات والتي يمكن التوصل إلى حلول لها، وأن يكون هناك تقبّل شعبي واسع لها، ولكننا لاحظنا أن طرح بعض أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين موضوع التحوّل إلى إقليم أن قضاءين مثلاً هما الدجيل وبلد قد أعترضا على ذلك وطلبا الانضمام إلى محافظة بغداد وذلك لأسباب طائفية كونهما منطقتين ذات أغلبية شيعية، وبما يدعو إلى النظر بأن هذه المطالبات ستؤدي إلى قيام اقليم (طائفي سني)، وهو نتيجة حتمية للعملية السياسية التي ركّبت على أسس طائفية، وقد حذرنا من حدوث ذلك سابقاً، فما يبنى على شيء خاطئ يكون خاطئاً أيضاً بالنتيجة، وقد قلنا أن هناك فرقا بين الطائفية كقضية فقهية معرفية، وبين الطائفية السياسية التي عارضناها ومتوقعين نتائجها السلبية على البلاد وعلى العلاقات بين المواطنين والكتل السياسية كما تعرقل أي جهد لتحقيق المصالحة الوطنية والجبهة الواسعة.

علماً بأن الظروف الآن مقرونة بالاخفاقات في حل المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع تراجع كبير في الخدمات واستمرار سياسة الاستئثار من قبل القوى الحاكمة وعدم توفر العدالة في توزيع الثروة، وهذا مما يعمّق الخلافات ويؤدي إلى الانفراد بالسلطة ويعيدنا إلى ما كنا عليه.

ان على كل العراقيين المعنيين بوحدتهم الوطنية أن يتمسكوا ببلدهم، وأن يعرفوا أن هذه النزعات المشبوهة ستؤدي إلى صراعات ودماء وانفصال وهذا مما يمزّق العراقيين، وتراجع البلاد في خضّم ظروف المنطقة الخطيرة والملتهبة والتي قد تؤدي إلى احداث تغييرات جذرية في طبيعة الأنظمة وخارطة المنطقة عموماً.

إننا نؤكد أن كل هذه الظروف والمتغيرات تستوجب وعياً وطنياً يتناسب مع ما تمثله من خطورة على الاوضاع الداخلية والخارجية، والأمر في الحقيقة لا يحتاج إلاّ لتحكيم العقل وتغليب المصلحة العامة للبلاد ومغادرة كل ما تحملناه من صراعات ومشاكل نتيجة المحاصصة الطائفية السياسية، وقد أثبتت المرحلة الماضية وما تمر به البلاد حالياً من ظروف صواب ما ذكرناه ووجوب إلتزام الجميع بالمبادئ والقيم التي تحقق الاستقرار وتقضي على ظواهر الفساد المالي والاداري والنقص الحاد في الخدمات وزيادة معدلات البطالة والتضخم علاوة على استمرار التدهور الأمني وتبادل الاتهامات بين المكونات السياسية بما يهز ثقة المواطن بها وشعوره بالمرارة مما تمر به البلاد من أحداث مؤسفة، وعدم حصول أية نقلة في حياته نحو التقدم والنهوض.

إننا نمر بمرحلة فاصلة وخطيرة فهل تعي المكوّنات السياسية الحاكمة هذه الحقيقة وترتفع إلى مسؤولية العمل الجاد على وقف عملية التدهور والفساد؟ والعمل على إقامة المجتمع الذي يشعر فيه المواطن بالعدل والمساواة، وقيام دولة القانون والمؤسسات.

* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية