بعد انتظار طويل دام عدة سنوات من الوعود والمناقشات والتأجيلات وعدة مسودات ومشاريع أصدر مجلس النواب العراقي يوم 25/8/2016 قانون العفو العام، والذي يشبه ولادة المولود الكسيح او المريض الذي جاء بعد اعوام من الانتظار وتجربة انواع العمليات والعلاجات الطبية والشعبية، حيث مثَل هذا القانون مواقف وارادات الاحزاب والكتل السياسية المتباينة والمختلفة فيما بينها حول الكثير او معظم ما يهم وله علاقة بحياة واحوال المواطن، الا انها متفقة الى حد التطابق التام فيما يتعلق بالقوانين التي تضمن لها ولاعضاء كتلها الرواتب والميزات والعطايا، فكل مايضمن مصالحهم يتم تشريعه بسرعة وباتفاق كل الاصوات، وما هو لمصلحة المجموع العام (اي الشعب) يخضع لمساومات ومراجعات وتأجيلات بحيث يتم افراغه من محتواه الحقيقي والهدف الذي من اجله تم اقتراح تشريعه، الى الحد الذي حول السلطة التشريعية (مجلس النواب) الى سلطة ينظر اليها المواطنين بعين الشك ولا يطمئن الى اعضائها الذين تحول بعضهم الى دلالين لتسويق مطاليبهم ومطاليب اقربائهم وجماعاتهم في حين تحول الآخر الى مجرد بوق اطلاق التصريحات والمقابلات ونسوا او تناسوا ان مهمتهم وعملهم الاساسي هو مراقبة عمل السلطة التنفيذية (الحكومة) وتشريع القوانين.ويمثل قانون العفو العام احد هذه القوانين التي صدرت بلغة وصياغة قانونية مرتبكة وغامضة وقابلة للاجتهاد والتأويل بحيث ان التطبيق العملي لهذا القانون سيشهد افراغ محتواه وصعوبة تحقيق اهدافه واسبابه الموجبة التي جاء فيها
(بغية إتاحة الفرصة لمن جنح من العراقيين في العودة للاندماج في الحياة العامة ولإشاعة روح التسامح والإصلاح في المجتمع) حيث ان نصوصه ومواده لا يمكن لها تحقيق ذلك.لكن أهم ميزة ايجابية في هذا القانون هي انه لو استطاع الافراج عن متهم واحد برئ تم توقيفه أوالحكم عليه ظلما فانه شئ جيد، لان من المبادئ او القواعد المعروفة ( أن يخطئ القاضي او الحاكم في العفو خير وافضل من ان يخطئ في العقوبة)، وهو ما يمكن تحقيقه بقانون العفو الذي يمثل نقطة ضوء بسيطة في ليل العدالة المظلم في العراق، حيث يعرف القريب والبعيد كم هو الظلم والتجاوز وخرق القانون وانتهاك حقوق الانسان من اول لحظة يتم استدعاء او القاء القبض على الاشخاص وحتى بعد محاكمتهم وتنفيذ الاحكام فهي دائرة وسلسلة طويلة من التجاوزات والانتهاكات تطال حتى المشتكين والمدعين بالحق الشخصي لان الواقع الموجود يُثبت ان مواد الدستور ونصوص القانون مجرد حبر على الورق. لكن في ذات الوقت فان هذا القانون غير مُرحب به ولا يؤيده الكثير من الضحايا والمواطنين الذي تعرضوا الى جرائم واعتداءات من اشخاص سلكوا طريق الاجرام وطلبوا الاثراء السريع فاعتدوا وقتلوا وسرقوا وخطفوا وتمت الاجراءات القانونية بحقهم بمسارها وطريقها الصحيح، واليوم يمكن ان يتم اطلاق سراحهم وجراح الضحايا وذويهم ما زالت تنزف وليس لهم عزاء الا ببقاء المدانين وتنفيذ العقوبة المحكومين بها دون عفو او نقصان.هذه المواقف الانسانية المتباينة والتي تنظر كل منها الى قانون العفو او اي قانون يصدر تبعا لموقعها ومصلحتها والآلام والاضرار التي تعرضت لها، هي مواقف مقبولة ويجب ان نحترمها ونعالجها بكل هدوء وصبر واعتراف بان اي قانون او اي عمل انساني لا يمكن ان يصدر او يكون كاملا، لان النقص والعجز صفة انسانية مما يتطلب الكثير من المراجعة والبحث والمناقشة مع اصحاب الاختصاص في مجالات القضاء والادعاء العام والقانون وعلم الاجتماع وادارة السجون والاصلاح الاجتماعي من اجل صياغة نظرية عامة للعفو والتسامح للمجتمع العراقي، الذي يبدو انه بين كل فترة وفترة سيصدر قانون للعفو مما جعل الكثير من الناس لا يثقون او لا تهمهم كثيرا قرارات واجراءات المحاكم التي مهما تعبت او اجتهدت من اجل الوصول الى الاحكام العادلة فان الامر في نهايته بيد السلطة التنفيذية (الحكومة واجهزتها الامنية والشرطة) والتي تملك وحدها التصرف والتأثير في حياة وحرية الناس وتستطيع ان تفعل فيهما ما تشاء وفي اي وقت تشاء.القاضي نائب المدعي العام
[email protected]