ذات يوم وتحديدا عام 1999 كلفت بإعداد تقرير صحفي عن المساجد القديمة والآثارية في بغداد لصالح احدى الصحف المحلية ، مساجد من العراقة والجمال والهندسة والهيبة بمكان ما يخلب الألباب ، ولكل منها قصة وحكاية ، وأثناء تصوير أحدها وسط منطقة شعبية معروفة بجانب الرصافة – لا داعي لتسميتها – أذن لصلاة العشاء فدخلنا لنصلي وكنت اقف بجوار النافذة الكبيرة المطلة على زقاق المحلة – او الطرف – المغرق في القدم ، وبينما الإمام يرتل الآية الكريمة من سورة التحريم : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ، سمعت وفريق العمل وكل المصلين صوت – كف على خد أحدهم ..طرااااخ – فما كان من المضروب وكان صبيا لا يتجاوز عمره الـ 11 عاما ، يبدو ذلك جليا من نبرة صوته ، إلا ان – سب الله تعالى بعبارة تقشعر لها الأبدان وتشيب لهولها الولدان وبصوت مسموع ، أطارت خشوع الصلاة واربكت المصلين من جهة ووضعت الدستور والقانون العراقي الذي لم يعر لهذه الكبيرة الخطيرة اهتماما يذكر اسوة بسب (القائد الهمام) ورموز النظام على اقل تقدير وعقوبة سبهه وسبهم اعدام من جهة اخرى !! واتحدى من يقول بخلاف ذلك ، اتحدى ، في تلك الأثناء جلت بخاطري بعيدا عن الصلاة والمسجد وان كنت اؤدي ركوعها وسجودها – كالروبوت الآلي فقط – خلف الأمام الذي واصل الصلاة ولو كنت مكانه حينئذ لقطعتها وخرجت لأخطب خطبة عصماء وسط المحلة ، تهز اركانها هزا ، وسألت نفسي ” ما دور هذه الجموع التي تصلي الان ان لم تكبح جماح ظاهرة سب الله تعالى ونبيه الكريم ،وكتابه العزيز ، صباح مساء ، ليل نهار ، في طول العراق وعرضه، بالحكمة والموعظة الحسنة ؟ ما قيمة ان نعرض برنامجا متلفزا عن مسجد آثاري ، يسب الله تعالى الى جواره يوميا وعلى مدار الساعة ؟ الأولى بنا ان نعمل برامج تربوية وتوجيهية مخصصة لـ ” ظاهرة التجاوز على الذات المقدسة من دون مساءلة قانونية تذكر نستضيف خلالها علماء الفقه وخبراء القانون واساتذة الفكر وعلماء النفس والاجتماع والسياسة ومدراء المدارس وووعناصر الأمن لوضع حد لها وهي ظاهرة معروفة في العراق منذ عقود طويلة ” .
خرجت من المسجد غاضبا بعد ان أوقفت التغطية وذهبت الى احد رجال القانون المخضرمين من فوري وقلت له ” ماحكم سب الله العزيز القدير في القانون العراقي الذي ينص على إعدام من يسب – القائد – فورا بعد اعتقاله ومروره بسلسلة من غرف التعذيب الشنيع في دوائر الأمن العامة والخاصة وسط زغاريد بعض النسوة المستأجرات والمأجورات ” تزعل ما تزعل يافلان ” هذه هي الحقيقة الدامغة التي لا تحجب بغربال وآن أوان المكاشفة على الغارب ، لسذاجتي كنت اظن ساعتها ان الخبير القانوني سيجيبني فورا ، إلا انه ارتبك وتلكأ ما يعني ان حالة كهذه لم تمر عليه مسبقا ، وقال – الحقيقة لا أعلم – إلا انني سأبحث عن الفقرة المطلوبة وأوافيك بالإجابة لاحقا ..وبعد يومين عاد ليقول على ما اذكر، ان ” العقوبة تنص على تغريم الشخص بما يعادل 40 – 400 دينار او الحبس 6 اشهر ، وابوك الله يرحمه ” قلت سب الزعيم إعدام لاتنفع معه الشفعة ولا التوبة والندم والواسطة والدية ، فيما سب الله خالق الكون العظيم مجرد غرامة او حبس بسيط وشكلي مع وقف التنفيذ ؟! و من الذي سيلقي القبض على ساب الله عز في علاه ، شرطي يسب الله ويكبسل مثلا ؟ من الذي سيحاكمه قاض يسب الله تعالى ويعاقر الخمر ايضا ؟ ومن الذي سيأخذ الغرامة، ساب مثله ومختلس للمال العام ؟ !
اليوم انشطر الشارع العراقي والعربي بجميع فئاته كعادته الى شطرين – امة مفلسة – بعد مقتل الكاتب الأردني المسيحي ، اليساري ، ناهض حتر ، بعد نشره رسما كاريكاتوريا يطعن في الذات الإلهية ، طعنا لم تجرؤ عليه حتى صحيفة “شارلي ايبدو ” بين مؤيد لاغتياله ومعارض ، واصبحت القضية الشغل الشاغل للأمة ، ودخول العراقيين على الخط !!.
بحثت في قوانين الدول العربية بشأن عقوبة سب الله تعالى من المملكة المغربية مرورا بمصر وصولا الى العراق فوجدتها كما هي في بلاد ما بين الصنمين – تيك اوي – فيما سب الملوك والسلاطين والرؤساء والأمراء ” ما أكول اعدام ” ولكن تتراوح بين تهم العمالة للأجنبي ، الخيانة العظمى ، التمرد على النظام ، الجاسوسية الى آخر الأكاذيب والافتراءات لتصفية المعارضين السياسيين على الدوام ، فيما ليس في العالم العربي كحكامه عملاء و مقدسين ومؤلهين للذوات ، يعلم ذلك القاصي والداني !!
المعترضون لم يدعوا الى احترام الأديان والرموز والحث على تشريع قوانين بهذا الشأن للحيلولة من دون تكرار فتنة – حتر – مستقبلا ، والتي جاءت قبل 24 ساعة فقط من توقيع اكبر اتفاقية لتصدير الغاز الإسرائيلي الى الأردن بقيمة 15 مليار دولار ولمدة 10 سنين فغطت الحادثة على الحدث !! والكف عن تكريم الأدباء والشعراء والتشكيليين والروائيين والقصاص والمسرحيين ، ومنحهم اكبر الجوائز بناء على مقدار ما يشتمون ويمخرقون ويتجاوزون على الرسل والأنبياء والكتب المقدسة فيما يكتبون ، لا بناء على ما يبدعون وينظمون ويؤلفون – رواية (اولاد حارتنا) على سبيل المثال هي التي منحت ، نجيب محفوظ ، جائزة توبل للآداب في 13 / تشرين الأول / 1988وليس رواية (اللص والكلاب ) ولا ( ثرثرة فوق النيل ) – اسوة بتجريم رموزهم وقادتهم والشواهد بالمئات ، والضحايا بالآلاف !
بعض المعترضين – متونسين – على الفتوى الصادرة بحق الكاتب القادياني – سلمان رشدي – في ثمانينات القرن الماضي والقاضية بهدر دمه ، ايرانيا الا انهم في حالة هياج من اهدار دم من وصفوه بالمناضل – حتر – كونه من مؤيدي الأسد ولو انه كان بخلاف ذلك او انه سب مرجعا ما او نشر كاريكاتورا بهذا الشأن لأنقلب الاعتراض المطلق الى تأييد بالمطلق !!
بالمقابل فأن المؤيدين للعقوبة الفردية ، خارج اطار القانون بحق – حتر – برغم إعتذاره عن نشر الرسم علنا ، وكان في طريقه الى المحكمة على خلفية القضية مثار الجدل ،وهذا لا يجوز كونها ستفتح الباب على مصراعيه امام فوضى تنفيذ الأحكام بصورة فردية بعيدا عن أروقة السلطتين التنفيذية والقضائية وما يترتب على ذلك من ثارات وفتن وفوضى عارمة لاحصر لها ، كانوا وما زالوا وسيظلون يمرون كل يوم – كل يوم – مرور الكرام امام اناس يشتمون الله عز وجل وقرآنه الكريم ونبيه صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام ، وآل بيته الأطهار ، في الأسواق والمولات والمدارس والمصانع والمزارع والجامعات ، من دون ان يحركوا ساكنا ” نصح ..توجيه …امتعاض .. مطالبة بالكف عن ذلك ..تظاهرة .. تربية أسرية ومدرسية ..انكار في القلب أو باللسان وذلك من أضعف الإيمان ..اعتصام …خطبة جمعة …اطلاق هاشتاج على الأقل يطالب بسن قانون يجرم سب الذات المقدسة والرموز الدينية ولجميع الطوائف ” مو عيب انه انفصام في الشخصية العربية والعراقية لا لبس فيه ، علما ان الشاتمين قد يكونوا من اقرب المقربين لهم من اشقائهم او ازواجهم او ذرياتهم او اصدقائهم او اقربائهم او زملائهم او جيرانهم او شركائهم في العمل وعلى مدار الساعة هذا في حال لم يكن المؤيد ذاته من اكبر الشاتمين وأشدهم حربا على الله ، شيزوفرنيا تطبيق الشرع والقانون ، آن آوان انتهائها فورا – اما ان اكون او لا أكون – الأغرب من كل ما سلف انك لو شتمت مرجعا دينيا ، سياسيا ، نائبا ، وزيرا ، وجيها ، شيخا عشائريا – فالعقوبة الفورية ، الله وحده العالم ببشاعتها وقسوتها مما لا ينفع معها الشفعة ولا الندم – تؤخذ باليد او بالقانون !!
أودعناكم اغاتي
#تشريع _قانون_ يجرم _سب_الأديان
#لالفوضى _تطبيق _القانون _فرديا
#تربية_ الأجيال _على _احترام _الأديان