20 ديسمبر، 2024 10:43 ص

” كتابات ” تنفرد بنشر “دفاتر المصحة ” 1983 -1996 لـ خضير ميري لأول مرة

” كتابات ” تنفرد بنشر “دفاتر المصحة ” 1983 -1996 لـ خضير ميري لأول مرة

” كتابات ” تنفرد بنشر المجموعة الكاملة من دفاتر المصحة لخضير ميري على حلقات وهي المدونات التي رافقت ميري طوال سنوات تقلبه وتنقله بين المصحات النفسية والعقلية على شكل نصوص طويلة وقصيرة وتأملية وشذرية وفلسفية وشبه سردية ويوميات ومذكرات وتوصيفات وشطحات وغيرها مما لا نحتم تجنيسه أو تنمطيه… تغطي مرحلة حياتية طويلة تمتد من عام   1996-1983- أي بعض هذه الكتابات تعود إلى أول فترات دخوله إلى مصحة ابن رشد التعليمية في بداية ثمانينات القرن الماضي كمريض عادي يعاني من الأرق والخوف من المجهول والقلق الفلسفي مرورا بتجربة اعتقاله وسجنه وتعذيبه ثم تحوليه إلى نزيل إجباري في مصحة الرشاد للأمراض النفسية والعقلية لسنوات “-1991-1986″ثم  هروبه من المصحة أبان ظروف وأحداث تحرير الكويت والانتفاضة الشعبانية ومعاودته الدخول إلى مصحة ابن رشد في عام 1993ثم علاجه في الشعبة النفسية في مدينة الطب وعوداته المتكررة إلى مستشفى الرشاد كزائر وكمهتم في شؤون المرضى النفيسين إلى جانب الدكتور باهر بطي حفيد الرائد الصحفي  المعروف روفائيل بطي وبالتالي فان هذه الدفاتر كما يؤكد خضير ميري هي أهم ما لديه من إرث في حياته الشخصية والإبداعية  وكان لا يرغب بنشرها كاملة بالرغم من نشر قسم من هذه الدفاتر في القاهرة وهو الجزء المعنون “بسارق الحدائق”بمبادرة ورعاية من قبل الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفي مطر والتي خصها بمقدمة تبين أهميتها و فرادتها في الكتابة النثرية العربية المعاصرة ومن الجدير بالذكر إن هذا الجزء، يُطبع الآن بطبعته الثانية في مطبوعات قصور الثقافة وزارة الثقافة المصرية، ولكنه اعتزازا بموقع كتابات ورغبة منه في تقديم نفسه إلى القارئ بصورة أكثر ذاتية وأكثر حقيقية فانه آثر أن يخص بها كتابات حصرا، احتفاء بحلتها الجديدة وعلى القسم الخاص بثقافتنا  وكتابات بدورها تعتز بهذه المبادرة الكريمة ويسرها أن تنشر ما قدر لها ذلك من هذه المخطوطة علما بان المخطوطة تنيف عن 400صفحة من قطع A-4  وسوف تنشر حسب تسلسلها الأصلي مع وضع أرقام تتابعيه تساعد القارئ على متابعة ما فاته منها على حلقات  وفيما يلي نص رسالة خضير ميري والتخويل الخاص بنشر هذه الدفاتر .

نص الرسالة
الأستاذ العزيز أياد الزاملي
تحية طيبة
باعتزاز كبير أضع بين دفتي موقعنا المهم كتابات مجموع كتاباتي التي خصت ذلك الجزء من حياتي في المصحات النفسية والعقلية طوال أكثر من ثلاثة عشر عاما والمعنونة ب”دفاتر المصحة” والتي لم يسبق لها أن نشرت كاملة في أي مطبوع أو موقع آخر باستثناء ما تم التنويه عليه وذلك اعتزازا بكتابات التي تحرر بأقلام كتابها والتي أثبتت نفسها بنفسها وصارت جزءا من حياتنا اليومية وغذاء لابد منه لكل مهتم بشؤون الكتابة والرأي الحر والنقد والاختلاف وأتيح لكتابات حق التصرف بها على أن لا تنشر بأي موقع آخر بدون إذن القائمين على كتابات حصريا ودمتم لنا خير عون في محنتنا العراقية وغربتنا التي طال أمدها سواء في داخل العراق أو خارجه  مع خالص احترامي وتقديري .
* خضير ميري
 19نوفمبر 2011

——-
خضير ميري
 دفاتر المصحة : 1983 -1996 
 
” لم اعد شاعرا لأني لم اعد مجنونا ” – أرتور رامبو

سارق الحدائق
تقديم / محمد عفيفي مطر

(سيظلُ تاريخكم نزيفاً من الشقاء
والدم ،حتى ينضب نزيف البترول)
جان جُينيه

(للنهر لحية حجرية, ولغرناطة نهران
… أحدهما للدموع والآخر للدم) – غارثيا لوركا
(سُنواجه هذا العالم الدموي بنصٍ رقيق
                    ،وإلا فأوقفوا هذا العالم أريد أن أنزل) – حسن مطلك 

(وتلك جيوش من الوهم،تندفع باتجاه الموت
..فمن أين تأتي؟
أولئك المنبسطون.الخارجون من بقايِاّ الوقت
توابيتَ ملغومةً
لزعزعة المقابر وإرهاب الموتى،) – عبد الحميد الصائح

الجزء الأول
” دفاتر المصحة ” 1983-1993
سارق الحدائق

كيف يهدي مجنونٌ لمجنونٍ آخر
…… صدى من هذيان قديم؟!

مقدمة لـ محمد عفيفي مطر

أيمكن أن يقرأ المرء نصوصاًِِِ عراقية في زمن الانقلاب الكوني الذي عصف ويعصف بكل شئ بين الرافدين دون أن يُصاحب القراءةَ دوىُ القِيامة وهدمِ السماوات وانفجارِ الأرضِ بالزلازلِ والبراكين،ودون دهشةُ الذهابِ بالعقلِ إلى أقصى طاقات الجنونِ والهذيان ؟!
جنونٌ هو عقلُ الكارثة،وهذيانٌ هو حكمةُ التحديقِِ في العاصفة التي كشفت وعرت خبايا التاريخِ النذل ،منذُ حاولَ السُومريون أسرَ الكونِ في الحروف واصطياد الخلودِ في خُطى جلجامش،وانبثاق المُدن والحضارات في فيضِ الدمِ والأشلاءِ الآدمية الطافية فوقَ ماءِ الزمن وأمواجُ الأحداث،ولغةُ قولٍ مُتفلت من الإيمان والتجديف والهرطقة, هي لغةُ الانفعالِ الدامي على لسانِ شاعرٍ شاردٍ مجنون يهذي في شوارع الحكمة والتأمُل ،يحرثُ النسيان بوعيٍ مُتوقد وجُرأةٍ حُرة.
في الجُرأة الحرة..وليس على المجنون من حرج ..تتفجرُ تواريخَ الغرائزِ ومكبوتات الضمائر ومقموعات الرغبة ،بهية زاهية،صريحة منكشفة في فيض مرعب من مشاهد الحرب العالمية التي أشعلتها أمم الأرض جميعا ضد شعبٍ صغيرٍ مُحاصر من الرعاة والفلاحين ومتسولي الأزقة والهامشيين من البُؤساء والنساءِ والأطفالِ والعجزة ،وهم وحدَهم من يغسل العالم يديه بدمائِهم في مذبحةٍ “صار لونُها عراقِياً ولا لونَ آخر لها.
في سرد من النثر الخالص من إيهامات شكل قصيدة النثر التي لم تتخلص بعد من آليات ومتعارفات شكل القصيدة التفعيلة في تقطيع وتنظيم العبارات والسطور على سطح الكتابة ،تتحدد الشعرية بانفجار الصور،وخضوع سبك اللغة لعالم التجربة،وربط حرية التداعيات السائبة بالقيود والضرورات المحكومة بالمعنى الكلي للعمل،إنه الكابوس المحكوم بمنطقه ،والمُتشكل من مضمُونِهِ الحي العميق،في بحر وان هائجٍ فوار من مفردات الموت وبشاعة القسوة الممهورة بأحط ما في حياة البشر من انتهاك واغتصابٍ وسحقٍ لكرامةِ الوجودِ بكل مظاهره،ينفجر هذا السرد بشعره الملتهب ونثره المُسنن المُرهف ،وكأنني أرى وجهاً من وجوه “الحسن بن الهيثم”وهو يدور في شوارع القاهرة مُلتاناً بالرعب من الحاكم بأمر الله،فيبادلُ جنوناً بجنون ،لكي يفلت بعقل من جنون السيف الباطش،وأسألُ نفسي :هل يلبس صديقي خُضير ميري وجهاً من وجوه الحسن بن الهيثم ،فهو يُبادلُنا جنوناً بجنون؟!
يحكي خضير في كتاباته كلها سيرة حياته بين المصحات والمشافي والعيادات النفسية والعصبية ،وبين أشتاتٍ من البشر “الفاقدين”الضائعين في وطن مفقود بزمن القتل والرعب ،يتقلبُ من عدمٍ إلى عدمٍ ،ويناضلُ عدماً بعدم،وتحت بُساط هذه العدمية المجروحة يطلُ اشتهاءٍ مُتوقد بحبِ الحياةِ وذاكرةُ الخلق وأنفاسَ التوالد والخصوبة ،ولعل هذا هو الوجه الآخر للحسن بن الهيثم ،تتشظى مباهجه تحت القناعِ السميك،مباهج الموسيقى المنتظرة،ولذائذُ التهتك الفضائحي،وقطراتِ السعادة الوهمية المسروقة من أخيلة الحرمان والفوضى وتجديفات الهوس الجنسي ..وليس على المجنون من حرج ..والتماعات من روح المكان في أسواق بغداد ومشاغلها وفتون الحياة اليومية ومشاهدها الحسية الدافئة.
قبل أن ينتظمَ معيّ خيطُ البحث عن الإشرافات المُندلعة من تحت القناع ،كان خضير ميري يلفحُني بيومياته المكتوبة على دفاتر المستشفى وبنصوصِ حولياته ،ليُعيدُني مرةً أُخرى إلى قلبِ الدوامة وعينُ العاصفة،ولعلني أغبطُهُ وأحسِدهُ فإن كانت تجربةُ عمره تجربةٌ هائلة بمعطياتها الخارجية الداهمة ومعطيات مكابداته الدامية المتشظية،والكثيرُ مما نقرأه في الشعر والنثر مفتقدٌ لهذا اللهبِ الخلاق ،إنها تجارب ورقية مُحنَطة،فشاعرٌ يبصقُ في ورقِ شاعر،ونثرٌ يمارس خواءه وفراغه في كتابة ناثر،فالتجارب الحياتية والروحية نضالٌ شخصي لا يخوضُهُ أحدً نيابةً عن أحد.
إذا كانت حافة التجربة بيتاً من يقطين ،فهل هي بشارة تحمل دلالة بيت اليقطين الذي استظل به يونس الطالع من تجربة الموت إلى محنة الحياة من جديد .
هذه كتابة عراقيةُ الأنسابِ لا يكتبُها إلا عراقيٌ،ومن العراقِ دائما تأتي عطايا الجنونِ الجميل .
محمد عفيفي مطر
إبريل 2009

“الحلقة الأولى”

القسم الأول

جمالُ وتيهُ بربري

إلى عقيل علي

 (تتبّعنا أشجارٌ نحنُ ظلالُها…قبسٌ من أوراقِِ قليلة تشتاقُ
 لأُعجوبتُها الأولى كونها كانت… ذات نورٍ وماء..أرضاً وسماء)

(1)
في الحبل السري للرغبة الموهومة ،الُمستعادة،جمالٌ وتيهٌ بربريّ، الجسد يحطّب، ويتآكل الطين في مائه حيث لعنات لا مثيل لها من الضوء الذي يتكشف لاحساً قفا الأعضاء الآدمية وهي أمواج تترى مثل آمال نائية مسكونة بالنسيان المؤبد.
أتكشف في معنايّ الذليل وأربّي الهذيان في الزمان الغريب الذي أشبعوه ضرباً وصار سبابهُ طابعي المشبوه ولعنتي التي تلاحقني كل عشية
حين رد عليّ جلاد تحية الصباح
وخطب جزارٌ جسداً لأختي
واغتصب الموت أمي وولى هاربًا
وصارت هوايتي المفضلة جني القبور( وكتابة شاهداتها المرمرية المصقولة جيداً)
صرخت في حانة أخيرة في نادي الأدباء في ساحة الأندلس
(لم أعد أهذي فهم سرقوا جنوني؟!)
وكان مطراً فولاذيًا يعبثُ بسفينةِ السماء ويدقُ مساميرُ ساخنة على رأسي الصغير العابر
كان ذلك جمال وتيه بربريّ
*******
في الزمن الفائض عن معناه،  العيش الردئ هو الحياة المثلى،وكل موت نقص في الكفاءة أو في الحلم،  سوف تأتي أغنية الملاك السعيد الراكض في البرية ليصدق مامعناه : ليهذي كما لو انه :
كمالٌّ وحزنٌ سرمدي
مبذولة  هي الخطيئة كلها،النار والعويل،الشتاء في المدينة المذبوحة لا حد له سوى الأشلاء والماء المحترق
لنسمع ما تبقى من أبواق الصلاة ونلملم رذيلة وردية ،نلتقط عباءة  الأنثى ونشترطها مبولة عمومية ،مثلا شقها بين فخذي المدينة/ جسدها الملحوس بالبارود وحلمتيها المحسوبتين جيداً ،المحلوبة بالأبناء والرجال والخنث، يفرقها ظلام قصير حاسر الوجه في تلاقي مفرقي نهديها ، العويل الماشوسي لعله مازال( شواشاً)، الفجرُ يحلقُ بجناحيه تحت سرت الأسوار الكونكريتية ،طيبة الإقامة،دونما جدوى تبسط لنا الأرض نعالُها/نراها ما زالت دُخانًا ،ما زال كتابُ الله وطيفه على الماء وعرشه بين خاصرتين،أنا وهي ،أنا والمدينة،أراها من الأسوار الأفقية تراني من بين طيات شحمي/لوثة ما تبقى من السخام على المريلة البيضاء  ،الشتاء ومطره من الفولاذ الآسن البذيء،إحداهن ترضع الملح الشحيح من أفواه الغرباء ،الأتقياء المناسبين للغنيمة،لكن المطر الفولاذي يقاطع شهوة الرضيع ،يبلل جسده المنفوخ ككيس من النايلون، وبولهُ يخرُ تحتهُ ،لولا أنني أهذي وألمسُ الفراغ المتاح لشجيرة العنب ،مُراجعاً ما تبقى من اللون والوردة والجوع الرفيع المقنّع /أنا أخرى تشتت/وتلك هي الصورة الأبهى من أحلامي للمدينة التي لفها جنونًا لا أطيقه ومعنى لا أتهجاه!
لولا أنني :أهذي
لقلت:هذا رغيفٌ يقطّع وليس جسدي

كمالٌ وحزنٌ سرمدي
انتزعت الشظى..ياه …هل كانت من المنارات القدسية مثلا؟
 و لماذا كممت الوردة وعصيت الماء وبصقت عليه وصار انسيابي مسروقاً مثلَ كُحلِ من العين. ولو كان الجدارُ هو الذي أنصاع إليّ وبادلني صمتي وشُحوبُ وجهي وبقايا الفولاذُ تفورُ في أمعائي لقلت: كانت لديّ مهزلةٌ /قطعةٌ من الجبنِ لفئران هذه القصور /قُبل طاعنة بالجسد ،رخيصة ومأهولة /مأسورات بنادق شابة /ثلمات أحشاء/ نافورة دم تحت المطر الفولاذيّ الجميل،ثم أنا أو لعلها الروح البربرية تعطس على الأرصفة.
النخيلُ الملثمُ،الصامتُ المحسود مازال يطهو تمراته المنهوبة.
الجمال المكدس في غُرف التشريح ،حين يئن الإسفلت المصبوب على مسطبات حجرية مشغولة منذ أيام (عبد الكريم قاسم) تحت عربات الموتى الجافة الصدئة ونواسها يفزع الملائكة المقيمين هناك ليل نهار.
التابوت من خشب عاديّ /والوجوه مُخربةٌ مثل لوحةِ يخطُها المطر على قفا بركان خامد يلقي عضاتُه في غرفة الدرس.
تخربش الأبدية صدورنا الصبيانية ويأتي النحس مباركاً مثل إله مُنتظر
وحينها يصيح بي طائرُ الرمادِ
أيها الرجل المصنوع من ذهب القصيدة
أنت …يا قبطان …يا إنسان يا….خريان
ولم أك بعد،
 ذلك أن الموج يفور، ودجلة ما زالت تغوصُ في عُمقٍِِ سحيقٍ
قنطاراً من القمح واللحم المفتت
الثمر الطالع من جلد بشري رخيصٌ أو بلا ثمن؟
فيصيح بي دربٌ قديمٌ : أسمع الموت لتراه، لتقلبه على مهل وتتعرف على معناه المُنزه من الصدفية والقدرية والحادثة العابرة واللوحُ المحفوظ
الموتُ المتناهي هنا ،المُتكثر المُتكدس، المحسوب ….
الموت في مادية الجسد وكميته أكبر من  شهيق، الموت الحيّ ، المحلىّ، الكامل ،المُتجبر، القويم، أها الصديق المندس في أشلائي منذ الآن
أيها ………………..؟
والموت أكثر من الموت وأكبر
وأنت يا حنينة ،يا حلم يُصفح، يا فنارة في بحر من الحلوى، يا منديلٌ من حرير طرفه الآخر في السماء وجذورهُ في العسلِ والحناء
كيف أرادكِ الموتُ أن تكوني مشيئتهُ الحارقة وتلوث أسنانه يريد أكثر من الثمرة المسروقة واللحم الطريّ، تريد أكثر من الولوج الأعمى بفم خال من الأسنان ، من الاختراق والتخوزق والابتذال( ألجيفي) تريد ما معناه أبعد من مدينة ،الموتى بها أحياء؟ دائما،أو بأقل من الشعر أحيانا!
الكمال السرمدي يبتسم بينما الليل يتكدس  ….ولا يرى طريقه

**********

(2)

“الموتُ نصفهُ نومٌ والآخرُ حلمٌ يحتلم”الأطيافُ وحدها تتآمر على أحلامنا”
الموتُ العراقي، يهطُل من الأسفل إلى الأعلى يهطُل من أعلى الكائن،من داخل أقفاصه الحديدية ومشارب هواه
تتراجع أقدام المارة، تتكسر الذكريات الفارة من كوات الجسد
من لونهِ المتفحم البهيّ
من أسنانه الشائكة
لونه المائي ،لونه الذي كان دموياً قبل أن ينطفئ جماله
وعشبة الخلود كذلك لا لون لها ،الآن تطير على بطة من حديد ،الآن لا تبالي إلهيا كل العظمية بالذاهبين، رأيتهم يتنابون حراسة العالم السفلي يتركون نبالهم السومرية الحارقة ثم يتسمعون إلى القيثارة الذهبية الضاحكة
أسرى من فرط الروح المطلقة، طيبين بفعل الأساطير ولهم عبث دقيق بالحضارة  يوم كانت الشمس سومرية!
والتنور يفور والطوفان أصعب الأسئلة
***

كان أبي بوذياً بفضل إخلاصه لذاته وتنقية حواسه من نعمة القذارة الضرورية ،الأكل والشراب والراحةُ غداً
علمني القراءة والكتابة داخل مشجبا للسلاح الآمن الرعديد
داخل رأسي تنام قبيلة من الإبل
وسادوم وعامورية
ولقلقِِ  مطروق جيداً يلمع خلف( الصواني) النُحاسية المعروضة في كوميديين غُرفة الضيوف هل رأيت خارطةِ من الزنوج يدقون وتدَ الخيمة /المضيف العشائري المُتعسكر ربما
الذاتُ المستعارة بقميصِ نوم لإمرة من غرب هذا العالم المبذول الراكض في أعصابي
الدلال الذي شيعته وصرتُ مجر جرا فوقه،أنزعُ العقال أيها القضيب
إلى الوراء ….كُن!
وتأخذنني أُكذوبةٌ من ورقٍِِ مُقوى
تنانيرٌ من أفخاذٍ مُطعمةٌ بالأخلاقِ النفيسة
نساءٌ بأثداءٍ سائبة ولا مُبالية هي مُؤخراتهن المضبوطة
وحلب قديم لعادة سرية غير مسرورة/الفتاة من ثقب الباب المُوصد على جروحه/ المذاق التناسلي يتملص،في ظهيرة غير محسوبة ،يتأفف من خربشة العانة الناّضجة
والموزةُ الممدودةُ المعقوفةِ قليلاً تُخبئُ في مناشفِ الحمّامِ المنزليّ
والرجلُ المجلوبُ لحلمٍ كآخر/الرجل المخدوع بحرمةُ الشقِ المحروس غالباً بفخذينِ رخوين وشهوة مسعورة، أجلها الله كثيراً/ تكيل له العشاء العائلي، تولول من شدة الفقر المُحلل المقرر القمئ/ كركرت التلفاز وأحلام الألوان الشبقية /السوتيان يتهرأ وهرة مابين الفخذين لا تريد أن تنام/ هو لا يعرف البذل الجسدي لا يملئ ثقبي جيدا، فهو على باب الله يقف كل صباح،يقف بمعنى: يهرول في أوصاف ظلمهُ المُتجبر، المعتّق ،المشغول ما بعد ظهيرة،مع منكوبين آخرين من فصائل متشابهة،معي أو من دوني فهو يزدرد الثوم ويأكل الفجل والكراث تحت شرفة القمر المرسوم لبني هاشم ويمسك بي أخيراً ،من ذيل فستاني ألمرتق الشريف،أثدائي مصطفة جيداً وإبطي معر وقتان وفمي مبللٌ بالشاي والكعك المُتخشب،الذات المصلوبة بأمر إلهي،الدودُ المستمر،الرغبةُ المتناومة من أصل لحمي شنيع،من باقات جلدية  محزوزة بالقماش المتورط ،المكشوف في ظهيرة الساقين،حين مائي اللزج يعتصر الصلب في خصيتيه ..آه؟الآمرتين؟ آه ،المرتجفتين …آخ..آ ,,ربما،ولكن مامن مدن أخرى لمعنى الموت ..سوانا.
ما من شجنٍ موسيقيّ لمسافاتِ هذا التبدد،ما من ذاتٍ أخرى تسوي المعنى من أجل عطالة السبب وسوء تصريف المحال
هو أيضا مثلنا في معناهُ الأخير في بقايا كأسهِ وعرشهِ المُهدد بالسؤال الأصطبلي المتيبس القديم: من ينجب البيضة أولا الديكُ أم الفلسفة؟أم…. الأنثى؟
الذاتُ أم اللغة؟
الصمتُ أم الكلام الذي ما زال يتكلم؟
امنحيني شمعتك، دُقي وتدي فيك،وصيري مثلي درباً ،وحُلماً ،وزعنفةً
ولكنني أعرفُ من الأخطاءِ ما تُناسبُ  كلَ حريقٍ  لفكرةٍ صوفيةٍ تُصلى!
لفكرة صوفية ثكلى
 لفكرة صوفية فحسب
وكان هذا شيئاً حسناً….ولو بعد حنين

*****************
(3)
الجمال من رث اللغة،وأصلها انتقال، عبثٌ شجيّ ، قنطارٌ من العبثِ الكريمِ ،المناسب لي أنا المتكلم البعيد
الجمال عدمٌ،ناضجٌ،شريفاً جداً وله عادة تعهرات أسطورية
الجمال رؤيةٌ لغويةٌ تتسامى وتطلي كلامها بالزيت والزعتر
ما من جمال ممكن في صالة المرقص ،إلا بدفع أكثر، دفع مؤكد لسيولة أعضائنا المتناهية،إنتعاض جديد لأصل الكتابة الأدبية،نسيانُ الشكلِ دائماً من أجلِ أعجوبةُ الكلامِ النائمِ فينا ليل نهار وما دونهما ،يهضم جلودنا التي يقرأها الزمان الأُميّ ،الجاهل‘
من هو الذي كان بلا كينونة..؟ السؤال ليلاً أم الإجابة داخل إسفين النهار؟
كانوا يدفعون الموت إلينا (كلهم)معاً،يستميتون بغزارة ،والجثث طافية على الرؤوس
عبقرياتٌ من القتلى!
طائفياتٌ تمتصُ العطش الحُسينيّ المُؤبد في مغارةِ الإمامِ المتكرر ،نظيف الملابس وأنفه مزكوم هو الإمام المستكفي
المؤازر شبقا للعفة المسفوحة جبنا وسمناً حراً وتمراً معجوناً بالعسل المقويّ
لا يهدأ لنا بال..
لا… تأخذنا سنة من النوم
لا يبرد رأسنا المصلوعُ بالبصلِ المشوي بإكزوز الطائرات الحربية أو القرادية المتشابهة
لا ننام حقاً إلا بمقابرَ جماعية
أو بمحفاتٍ مُطرزة بشظايا الفقراء العابرين أمام الله،وبعض ميتاتنا مسحاً من أية بقايا لرؤية الشهداء المثالين أو التقاط خيالاتهم من فوق فرن الشارع ،رأيت أنفاً يُمسحُ بمنديلٍ/فمٌ يعاتبُ صاحبهُ/ رجلٌ يبيعُ باقلاءه الساخنة المهضومة/إمراءةٌ شمطاء تتكئ على صبيِ ما زال يتجشأُ طعامهُ/رأيت بلبلاً لا يستحقُ غيرَ إصغاءِ مواساةٍ لسجنهِِ المظفورُ من خوصِ النخيل /رأيتُ ذِئباً يرتدي قميصٌ من اللحمِ المُجّصص / فتاةٌ تذهب إلى طبيبتها في الباب الشرقيّ  ،تشكو دورتها الشهرية التي فات أوانها/رأيت ماءً مقدساً يُراق /دماً يتطايرُ مثلَ طابوقٍ أحمر/رؤوسٌ مُغيَّبَة عن أكتافها ثلمات قلب وشعيراتٌ مُفحمة لأعصابٍ تفرُ من متسولين كبارُ السن، وبقايا عِراكٌ لأمعاءٍ لقيطة
رأيتُ كلَ رُؤيا خارجَ العبارة أو بعدها أو قبلها أو فوقها أو تحتها…..
رأيت ثم رأيت
فضاقت رؤيتي وجف ضرعُها وصار لونها عِراقياً أكثرُ مما رأيت!
أو ما قد أرى

***
موتانا

(الوطنُ الذي لا روحَ فيه  يأكلُ أبناءه)

موتانا،
إياكِ أن تُزعجي موتانا
فهم لونُ عينيك
 وغطاءُ السرير الحزين الساخط المتكرر
لعابُ طفلِكِ الصغير ،حافظةُ يدك الصغيرة
 وكل ما هو صغير ونفيس ومُغفل
موتانا
إياكِ أن تذكريهم بسوءٍ
ودعي لهم وقتا إضافياً للحُب والمُغازلة،
على ظهورهم كتبت الريح لتقول:
(أُحملك الله مسؤوليتي
فأنا العدم
وأنت الوجود خلفي
فمن أي عدمٍ أتيت ؟
لكي تراني؟!)
لكي نرى ما تبقى من الحياة المُلوِحة لنا مثل كفٌ غريقٌ،مثلَ بالونة طفل ترتقي الشجرة الكبيرة المستحيلة،مثل قُبلةٌ خائنةٌ لا نُصدق شفاهها أم لعلها مثلَ ذكرى أول خطأ في حضرةِ الأخلاق يوم يكون الحزنُ بكاملِ ملابسهِ السوداء الداكنة
وأنا الآن بلا سواد يذكر، بلا كأس مترعة بالثُمالة، بلا دموعٍ تقريباً، أمسحُ نظارتي الطبية جالسا على برجوازّيتي أستطيب نكاحها،وأحصى ثرواتها من الخسائر الجسورة ورحيقها بقايا وطن لم أكن فيه، ولا ممسك بذيله بعد، منسحباً خلف الزجاج الأملس خلف الهروب الدائم، وقاب قوسين من انعدامي.
موتانا
موتانا
موتانا
عزف بالطبنجة السومرية
عزف بالأرغن الحزين
عزف بالصنبور والسولاج وعزف بالبيانو الوحيد الذي ينتفخُ خشبهُ البلوطيّ في الصالاتِ الفارعة الفارغة ،أستميحكِ عُذراً أيتُها الموسيقى فإنني لا أُجيدُ العزفَ إلا على مفاتيحِ الهياكلِ العظمية ودُودُ الأرضِ هي أنغامي .
موتانا
رقيعٌ من الشحاذات كنا
ألوانٌ شاحبةٌ ووجوهٌ مُستعارة،
 نعملُ بعد الظهيرة مصيدةٌ للفئران البشرية ، منتفعين (فواتح) واشين كبار بالمصائر المنهوبة
ماسحي آثارنا من أرض سومر،
يتطلعُ إلينا قمرٌ من التمرِ، قمرٌ آخر من عواهرِ الغجر، قمرٌ أقلُ شأنا من بني هاشم أراه يدخلُ غارَ (الرحمّن) ليدرب الملائكة على إطاعة إله متجبر لا حول لنا فيه ولا جولة
موتانا
موتانا
من قمر مخضوضٍ جيداً قبل تماسكه،كأنه القرنبيط المفصص،من شحوب سيد ما فاقداً لصوابهِ حينَ تتنزلُ اللعناتُ على أطفالِ الخطيئة هؤلاء الذين طبعهم طبعي، هُم دائماً عصيراً مغشوشاً لهذه المدن العتيقة،
المدن الصديقة،
حماماتُ أحلامُنا
ولكنه الموت أولاً،مُوزعاً في ذواتِ الأحياء،متساوٍ هو في الزمان الرياضيّ
الموتُ المُنزه عن الخطأ،
هو كمٌ من الموتِ الظاهرِ للعيان،الموتُ المُستقل عند كل واحد منا،ومع ذلك فإننا نركبُ سفينةِ الوجود ونراها مشدودةً إلينا بلا سبب
هكذا يعتاش المريضُ على مرضهِ المُؤبد
الموتى هم مجموعُ الموتِ…وأكثر
على أصابعِ الموتِ يلتفُ المغزِل الملتاث بالدورانِ اللولبيّ،الموت الزئبقيّ ،اللالحمي،عديمُ التفهُم ورائحتهُ فوقَ كلِ احتمال
ولكنني أُجيدُ العزفََ على موتانا
أرنو إلى تعدد الموت وتجمهر أشلائه الوطنية المغدورة،في شارع الرشيد يقتسم عدماً رغيفه
عند منارة (الكيلاني)يشُدُني سوقٌ من الحاجاتِ الصغيرة الرائعة،المسابح
المسابح
التفويض القدسي
الملعب ألطفلي
المنارة المتهادية المندسة في البعيد،العابدون يثرثرون مع الأبواب والجدران المفضضة المشبعة بحناء الفقراء ،لعلهم تيقظوا من موتهم لعلهم تشوقوا إلى جنتهم في الصلاة
لعلهم
هم موتانا
موتانا
موتانا
إياكِ أن تدفني موتانا
فيحل ظلامٌ لن نراه

أحدث المقالات

أحدث المقالات