تحتل رغبات الانسان و نزعاته للتقدم مكاناً مبكراً منذ نشأته الاولى , فما ان يستنشق هواء الحياة حتى تبدأ غرائزه بالانفتاح نحو المجهول , رغبات طفولة مبكرة لا تعترف بالعراقيل و لا تعبأ بالمحذورات التي صنعها الكبار.يكبر فتكبر معه رغباته و مشاريعه و ميوله و تكبر معه أوهامه و سذاجته و تخلفه و المؤثرات الداخلية لمجتمعه . بالتأكيد ستأخذ هذه العوامل نسبة و حيزاً من شخصية اي فرد، لكي يرحّل معه رغباته البدائية الى ما بعد الاكتمال الجسماني او العقلي.العلم الحديث وضع بعض المحددات العلمية و الدراسات الاجتماعية و النفسية لقياس مدى تفاعل الفرد مع منجزه الداخلي و مدى استطاعة تفعيل هذا المنجز ليكون حقيقة , فبين المخطط الذهني الحبيس و المشروع الحقيقي الواقعي , مسافة زمن فيه حركة وفعل .
المشاريع النامية في عقل العربي او المسلم كبيرة و كثيرة , لكننا في صدد الاشارة الى ظاهرة خطيرة اذا ما درست دراسة علمية مستقلة, وهي إعتقادنا (المسلمون) أننا معنيون بتغيير العالم من دياناتهم الى الدين الاسلامي ! لأننا أصحاب الدين الحق و المنجي و الاخير . ولو كلفنا هذا التغيير قتل الناس او نفيهم من الارض فسنفعل لأننا نريد ان ندخلهم الجنة و نبغي لهم الخير رغماً عنهم !
إنها رغبات طفولية ساذجة حقاً ! يولد الفرد منا فتسكن في ذهنه مهمة تغيير العالم تغيير الامم فينصب إهتمامنا نحو تغيير الاخر البعيد المختلف عنا بتفاصل حياته و عاداته و بيئته و طقوسه ,بينما نهمل أنفسنا و مجتمعنا من التغيير الذي سيسوقنا نحو الخلاص المفترض .
يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي : أخطر ما نعانيه نحن وتعانيه البشرية هو الاختلاف العميق في المعايير الاخلاقية بين المسلمين وغيرهم من الأمم و وجود إحساس ملح لدى الكثير من المسلمين بأنهم أوصياء على العالم .
النزعة الطفولية الضاربة في أعماق المسلم من انه يريد ان يقود الحياة او تغيير الامم , نزعة تاهت بمجتمعنا و أضاعت منه فرص التقدم . نزعة متقدمة بالوهم المسف فبالوقت الذي تطور العالم علمياً من جميع الجهات , يحرن المسلم في تفكيره الطفولي القديم انه يجب ان يغير هذا الكون و استطاع و بسهولة ان يشبع رغباته في التغيير بنصوص دينية داعمه لمشروعه الجبار !
إنكفأ الفرد منا يفكر بما أملته عليه إيماناته الاولية وهي دفع الاخرين للدين و العلم و لكن اصبحنا أكثر الشعوب تخلفاً علمياً و أبعدنا عن مفايهم الدين الحاثة على الصدق و التسامح و الاخلاق و إحترام الاخرين … فالعقلية التي تؤمن انها الحق المطلق لا يمكن ان تركن الى الحوار او تذعن للتغيير , العقلية التي تؤمن أنها تتحدث باسم الله كيف لها ان تصغي لصوت البشر! الامة التي تؤمن بما لا يقبل الشك انها أعطيت خيراً كبيراً لم يعطى لمثلها من قبل أيعقل انها سوف تتغير بحضارة و ثقافة أمم اخرى! إذن نحن ولدنا لكي نغير ولا نتغير, نؤثر ولا نتأثر! إنها مهزلة عقل ميت و أحلام جنينية أودت الى انتكاسة غير معروف نهايتها.
كان المسلم الأعرابي في جيوش الفتح يرى نفسه سيد المتحضرين ومعلمهم و قائدهم واستمرت هذه المعضلة مهيمنة على ثقافتنا منذ ذلك الحين حتى الآن . ففي بداية ظهور الاسلام صار المسلم مرادفاً لمعنى معلم أوداعية أو عالم حتى وهو أمي …. ولكن لم ينتبه المهتمون منا لهذه المعضلة الأساسية المزمنة التي أثرت و نهشت سلوك وعقل المسلم .
ينشغل بعض المتاجرين بالاسلام في الغرب لتغيير العدد الاكبر الى الاسلام من الغربيين و يبذلون أموالاً سخية لمثل هذا المشروع غير المدروس علمياً او دينياً او إجتماعياً. محاولين سحب العدد الاكبر من البسطاء ليكونوا مسلمين بدون معرفة الاسلام الحقيقي.
يقوم بمثل هذه المهمة بعض المتسربلين بوهم المعرفة و بأموال و وجهات إجتماعية , ليس غايتهم الله او الانسان إنما هو الاستكثار و زيادة العدد الرقمي غير المنتج . ملء بعض الذهنيات الفارغة بخصومات التاريخ العربي الاسلامي, التي لا تشكل في عقل الامريكي حيزاً ولو بنسبة بسيطة وهي لا تعنيه , لكنها تعني بعض المرضى الذين يحاولون إفشاء مرض عضال عمره قرون و لازال فعالاً و فتاكاً . مرض التكريه و الالغاء و الفتك و القتل و إستباحة كل ماهو مقدس..
إلتقيت ذات مرة باحد هؤلاء المتغيرين الجدد وهو امريكي اسمر صاحب لحية متمددة و ثوب قصير , سألني هل أنت مسلم قلت نعم ضحك مستبشراً , ثم سألني بلغة الواثق , كيف ترى الحياة مع الكفار؟ قلت له ماذا تقصد بالكفار ! قال الامريكان ! أذهلني جواب هذا المسكين المفخخ و المعبأ بما لا يدرك . سألته من علمك ان الاخر المختلف كافر؟ ثم من أجاز لك وصف الاخرين بالكفار؟ , و بثواني ركب سيارته و اختفى .
علمياً هل سيستفيد العقل الاسلامي من هذا الشخص او أمثاله ؟
دينياً هل سيرفع هذا المُلَقن راية الاسلام ليحاجج الامم ؟
إجتماعياً هل تُعد هذه النبرة في الحوار مقدمة للتسامح وقبول الرأي الاخر ؟ أم هي كما يقول ابن رشد وحدانية التسلط .في كتابه محنة ثقافة مزورة يقول الصادق النيهومرغم ان الاسلام لا يعتبر الوعظ حرفة ولا يجيز الاكتساب منها ولا يعترف اصلا بشرعية رجال الدين فإن التاريخ لم يعرف ديناً ازدحم فيه الوعاظ والفقهاء كما حدث في تراث الاسلام .
أعتقد حان الوقت للمراجعة و التفكير الجاد, بعدما أسرفنا في أحلامنا الصبيانية و نزعاتنا السوريالية لتغيير العالم , العالم الذي غير نفسه بنفسه و بضربات التجارب القاسية , أيها الاخوة و السادة و القراء لا يحتاج العالم الى تغييرنا فهو يملك أدواته و مشاريعه المستقبلية بل نحن نحتاج الى التغيير لأننا لا نملك الادوات و ليس عندنا خطط استشرافية للقادم . فلابد من المبادرة لتطمين العالم بتوحد الدول الإسلامية ضد التفكير التكفيري وإتباع القول بالفعل لتحرير عقل المسلم من هذا الوباء.
أننا أكثر الامم تحتاج الى التغيير بعد هذا التأريخ الطويل من نزف الدم , دعونا نترك دعوة الاخرين للاسلام و نلتفت الى المسلمين الذين لا يعرفون عن الاسلام و الحياة الا ما لقنه لهم أهلهم عندما كانوا أطفالاً. لا تثقلوا كاهل الاسلام بدعوة غير المسلم , فرب إرتدادية أقوى من الدافعية .