اجتمع فريقنا واحضرنا الساحة بعد ان خططناها بالجص، ونصبنا الاعمدة في ساحة الاورفلي، التي كنا نسميها الدواسر، وربطنا الحبال بين كل عمودين بارتفاع العارضة الاعتيادية، وصرنا نعد الخطة للعبة اليوم فالفريق الذي سنقابله قوي جدا، وعلينا الاستعداد، كان الفتى الاسمر الفنان المقامر، لاعب كرة القدم والراقص والخمار، صفات تجتمع كلها بعبد دوحي، نحن شباب صغار وهو يكبرنا قليلا في العمر، وحين سيلعب معنا سيكون مصدر قوة لنا، سأله رئيس الفريق: ( عبد عندك شورت اسود)، لان الفريق يرتدي الشورت الاسود والفانيله الحمراء، فاقسم عبد ان لديه شورت اسود، وسيفاجىء الجميع به في الملعب لان حاليا هو مغسول على حبل الثياب، التزم عبد بانه سيلعب باخلاق عالية ولن يخل بنظام المباراة، وجاءت ساعة الصفر واجتمعنا في الساحة، وصرنا نستعرض احذيتنا وملابسنا المغسولة النظيفة ( الدريس والشورت)، وجاء دور عبد دوحي، فخلع (الدشداشه) وظهر شورته الاسود وهو مكتوب عليه: ياحسين يامظلوم كربلاء، واتضح ان عبد تناول اول لافتة حسينية موضوعة على الجدران وقام بخياطتها شورتا وحضر الى المباراة.اغلب هؤلاء من الذين حولوا الشعائر الحسينية الى مراسيم للتخلف والجهل يمتلكون روح عبد دوحي، وربما يكون عبد دوحي اسمى منهم، فهو يريد ان يلعب المباراة باية طريقة كانت، ولا اعتقد ان الحسين سيرفض ان تكسو احدى لافتاته عريانا او محتاجا، لكن هؤلاء الذين بدأوا يطورون الشعائر باتجاه تصرفات اكثر تخلفا، فصار يوم التطيين ويوم الترقيع ويوم كذا، وكلها شعائر مرتجلة لا اعتقد انها تنفع الحسين في شيء ولاتسلط الضوء على ثورته الكبيرة في محاربة الظلم والظالمين والفساد والفاسدين، ماذا يعني لي موكب او مأتم يقيمه لص حتى يكتب حسينيا، ويقوم بذر التراب في اعين الناس البسطاء، ليمتلك مشاعرهم وقلوبهم من اجل الفوز باصوات هؤلاء المساكين ومن ثم سرقتهم، ماذا يعني لك منصب وزير؟ وماذا يعني لك منصب محافظ؟ وماذا يعني لك منصب وكيل وزير؟ وماذا يعني لك منصب مدير عام؟ صدقوني كل هذه العناوين تعني اللصوصية والفساد بدون استثناء، فاي حسين تحتفلون به وانتم تقتلونه كل يوم، ترددت كثيرا حين قررت ان اكتب عن الشعائر الحسينية ومافيها من ظلم وجور للحسين اولا قبل غيره من الناس الآخرين، الحسين قبل ان يحتفل به العراقيون ، كان ثورة ضد الظلم والفساد، فصار بعد الاحتفالات عطلة لزيادة الجور والفساد، والحسين كان قرآنا يتلى وكلمات رائعة تخرج من فم قبله رسول الله(ص)، فصار بعد الاحتفال به في العراق، العاب نارية عدوانية تزعج المرضى وتقض مضاجعهم، ومظاهر لضرب الدفوف والضوضاء.
انا انتبهت في صغري على الشعائر الحسينية، لم تكن بهذا التعدد، ولم اشاهد طعاما يرمى في المزابل، ولاشاهدت دماء تجري في الطرقات، ولم الحظ امرأة وضعت الطين على وجهها ورأسها، كنت ارى المجالس تقام في المساجد والحسينيات والبيوت، اتمنى لو ارى سيدا واحدا يضرب هامته بالسيف او يزحف على بطنه كالافعى او يطين وجهه، لم تكن الامور هكذا وهي في تطور سريع نحو مزيد من التجهيل والخديعة، فالحسين كان ثورة ولم يكن مجرد شعائر لكثيرين اثروا بعد سقوط صدام من مال الفقراء الذين ازداد جوعهم، وهم يتصورون ان قدور الرز واللحم هذه التي يضعونها في الطرقات تدفع عنهم سرقات الامس امام الله، لقد كان عبد دوحي الله يرحمه افضل منهم في هذا الميدان وماقصة الشورت سوى حاجة يقبلها الحسين واعطاها لعبد دوحي برحابة صدر.