نذ ان اجتاحت ارض الوطن العربي ( الثورات البوعزيزيه ) انبرت الأوساط السياسية إلى إطلاق الأوصاف لهذه الحركة النهضوية لأمة أراد الجميع أن يظل بحر سكونها هادئا نائما فوق ركامات الأخطاء والخطايا فالرابضون وراء بحر الظلمات رؤها ( على مضض ) ربيعا تشبها بربيع براغ علهم يداروا بهذه التسمية سؤتهم تجاه العرب وما أكثرها أما الحالمون فلن تفوتهم هذه اللحظة التاريخية ليصنفوها كالعادة بمؤامرة غادرة أخرى من تلك التي تواتر تكالبها على الأمة على مدى أكثر من ثمانية قرون في حين الواقعيون على إنها حتمية تاريخية لجملة من التراكمات والترهلات التي أصابت جسد النظام العربي الذي ظل كما أريد له ساكنا فوق جبل الجليد وعلى أية حال فان كل هذه التصنيفات خضعت لنوع غريب من التقييم المبني على الكيل بمكيالين الذي يبدو أن ليس العم سام وحده الذي يمارسه مع شعوب المنطقة على انه كيل مخزي ومفضوح لكيانات تبدو مهددة جميعا باللفظ خارجا من فم التاريخ !
فالمتجمهرون في ميدان التحرير بالقاهرة في نظر البعض ثوار لكن عندما تصل الرياح العاتية لاولئ البعض يصبح الأمر مؤامرة دبرها متسللون من خارج الحدود التي لايلجها سم الخياط لولا نزول هؤلاء من المريخ !!
وعلى هذا الأساس يأتي موقف العراق من الثورة السورية متقاطعا بمائة وثمانين درجة مع موقفه من الثورة البحرينية ففي الوقت الذي انتفض احد ابرز الساسة العراقيين غاضبا ضاربا قبضته منصة الخطاب منددا لسقوط العشرات من البحرينيين في ميدان اللؤلؤة وفي حين حشد آخر مريديه ليملؤا الجو عويلا ولطما تحفظ العراق على قرارات الجامعة العربية المناهضة لبطش النظام السوري بإخوتنا في ميادين وساحات المدن السورية واستخدامه القوة المفرطة تجاههم زاعما إن الأمر لزم ان نبيع ( الدم السوري ) في مزاد الدواعي الإستراتيجية والأمنية للعراق وسورية علما وللتاريخ أننا أدرنا ظهرنا لتلك الدواعي منذ عشرات السنين أن لم تقل منذ دخول المحتل الأمريكي للعراق . ولا ادري إذا كان بعد الآن من يلقي علينا من أشباه هؤلاء دروسا في الوطنية ونبذ الطائفية بعد أن تبين لنا إن ما يجري في عروق الشيعي البحريني دم وان ما يعمل في عروق السني السوري محض مياه !! وإلا لماذا لاتقتضي دواعي إخراج العراق من الفصل السابع أن يلتزم سياسة عدم التدخل في شؤون دولة خليجية عانت مع الأخريات من دول الخليج العربي من غزو العراق للكويت وما يتطلب الأمر من إصدار شهادة حسن سلوك له منها لإخراج العراق من وطأة ذلك الفصل كما يقتضي بذلك القانون الدولي كما اقتضت دواعي دعم سورية من قبل العراق ؟؟
وخلاصة القول ان تقييم ما يحصل في وطننا العربي هذا اليوم هو من اختصاص التاريخ ومن يدخلون أبوابه من شوارع الحرية وميادين التحرير حاملين جراح الكرامة المضمخة بعبق الشهادة وليس برؤى المصابون بعقد التفسيرات الواهنة والميتافيزيقية للتاريخ وكفا جماهير الوطن من المحيط الى الخليج بذلك حسيبا .