25 نوفمبر، 2024 5:41 م
Search
Close this search box.

قرار مجلس محافظة صلاح الدين كارثة قانونية وانتهاك خطير للدستور

قرار مجلس محافظة صلاح الدين كارثة قانونية وانتهاك خطير للدستور

أرسلت لي من احد نبلاء محامي الموصل، رابط حلقة لبرنامج يناقش فيه، مصير ذوي داعش، ساخرا بشدة من ما تم طرحه من رجال قانون، طالبا مني الكتابة بالموضوع، وفعلا ما شاهدته ليس بالصحيح اطلاقا، وكان ضمن برنامج (فكر مرتين) عرض مؤخرا على قناة(NRT)، لذا قررت الكتابة، ودونت منه ما يلي:الف- الحلقة كان عنوانها ما مصير ذوي داعش ومناقشة قرار مجلس محافظة صلاح الدين بعدم قبول أي عائلة لذوي شخص منتمي لداعش بالعودة للمحافظة، وان عدد العوائل التي يشملها هذا القرار (25) الف عائلة.باء- كان الشيخ من الانبار يتحدث بلغة عشائرية لكن فحواها لغة قانونية تشير الى ان العقوبة شخصية وان القضاء هو الذي يفصل بذلك، وكلامها كان صائبا، وكان من المفترض ان يتحدث به المحامي المشارك بالحلقة التي مداها(40) دقيقة، والتي لم اسمع منه خلالها ومع الأسف الشديد؛ عبارة تعبر عن مبدأ دستوري بان(العقوبة شخصية).
جيم- وفى مقام استعراض ما قاله المحامي المشارك بالحلقة والاخوة الاخرين، وبالذات كلام المحامي؛ والتي كانت تمحلات يأبها الانصاف واخذت عنوان(منكر بصورة معروف ومعصية في زي طاعة)،  وملاحظاتي:الف-مسالة ذوي داعش، لا يحتاج الى تشريع، والدستور والقانون عالج تلك الحالات، بنص دستوري أولا (العقوبة شخصية) ولا علاقة لقانون مكافحة الإرهاب او جرائم الاخلال بالأمن الداخلي بموضوع الحلقة، وكيف يمكن تطبيق هذه القوانين على أناس متهمين من جهات إدارية ليس لها سلطة اتهام، وكنت أتمنى ان يقول زميلي رجل القانون، بصدد قانون مجلس محافظة صلاح الدين بانه مخالف للدستور والقانون ويعد استخفافا بهما، ولا يجوز حتى مناقشته؛ لا ان يؤيده ويربط بينه وبين قوانين لا تنطبق وذوي داعش، ويتطرق لأحكام غيابية وحضورية وما شابه ذلك.  
باء- كان الأفضل من المحامي المشارك، ان يؤكد للحاضرين والمستمعين باعتباره رجل قانون:
ان العقوبة في جوهرها هي عبارة عن نوع من القصاص من الجاني، أي أنه لا يجوز أن تمتد العقوبة إلى غير الشخص المسئول عن الفعل الإجرامي، والدستور النافذ(م19/ثامنا) والقانون ينص على قواعد امرة بان العقوبة شخصية؛ وهذا معناه لا يجوز ان يأخذ الاب او الابن او الزوجة والأطفال بجريرة ذويهم، فاذا كان احد افراد العائلة من داعش أو يؤمن بفكرهم ولم يترجمها لأعمال إجرامية؛ ما ذنب بقية افراد عائلته في هذه الممارسة (ان صحت) لا سيما ان العرف العشائري يجعل من الاب والابن والرجل ذو سطوة ونفوذ على عائلته يجعل من الممكن الخروج عن حدود رغباته وآرائه، وبالتالي البقية لا حول لهم ولا قوة؛ وما علاقة طفلا وامرأة بان تحرم من العودة الى بيتها ومحيطها ومقرها، ان في ذلك تجاوز على القانون الدولي الإنساني وقبله الوطني العراقي لان العقوبة ليست جماعية، وليس هناك مفردة(حاضنة عائلية او اتهامات عائلية) في القوانين المختصة، ومسالة اثبات ان هذه العائلة او تلك متهمة باحتضان داعش، بات يخضع للاتهامات العشوائية والمزاجية وتأويلات ليس لها ادنى ما يزكيها من الوجهة القانونية وامر التحقق من ذلك موكل للقضاء وحده، والعقوبة لا توقع إلا من خلال سلطة قضائية مختصة نصت عليها القوانين ذات العلاقة، ومن خلال حكم او قرار قضائي.
جيم- اما بصدد قول المحامي، حول الفكر وتأثيمه؛ فتلك والله فرية وقول لا اساس دستوري يؤيده ولا قاعدة قانونية تعاضده، لان حرية الرأي والفكر حق من الحقوق المدنية والدستورية؛ ولا يمكن ان يتحول إلى جريمة مؤثمة ويصبغ عليها وصف جنائي؛ لمجرد اعتناق هذا الفكر أو ذلك الرأي، وهما أول حقوق المواطن؛ فلا ينبغي تأثيمها مهما كان ولا الحجر عليها بأي سبيل؛ مادام انه لم يقترن باستعمال القوة أو اللجوء إلى العنف.
دال- اما موضوع محاسبة الام على تسترها وعلمها بانتماء احد افراد عائلتها لداعش؛ فكلام المحامي؛ كان ازورار عن الحق والتفاف على طبيعته، فالتستر على الجاني: هو نشاط جرمي يقوم به صاحبه بعد ان تكون الجريمة قد ارتكبت ودون ان يكون هناك اتفاق مع الفاعلين او المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة فالمتستر لا يساهم في الجريمة اسهاما مباشرا لان نشاطه يأتي بعد اتمام الجريمة، اما الايواء فهو تقريبا نفس معنى التستر؛ لكنه غالبا، يأتي من شخص فار وقد التجئ للمخبئ، وغالبا يكون الشخص ليس من افراد عائلة المخبئ.
وقد قرر المشرع بالمادة( 273/3) من قانون العقوبات المرقم 111لعام 1969 النافذ، الاعفاء من العقاب لأصول الجناة المخبئين، فأعفى الذين يخبئون الجاني إذا كان من اصوله او فروعه او زوجاته( والقانون اللبناني أضاف حتى الطالقات) او اشقائه او شقيقاته او اصهاره، والسبب في تقرير هذا الاعفاء، ان تصرف المخبئ في هذه الحالات يكون استجابة لشعور طبيعي تحتمله صلة القرابة مع قريبه الفار، وتوثيقا لرابطة القرابة والدم، محافظة على كيان العائلة، فواضع القانون، عندما اخذ بهذا الاخفاء، لاحظ الروابط العائلية والعاطفية التي تشد هؤلاء الأشخاص الى بعضهم بعضا وما يترتب عليها من مؤازرة طبيعية لبعضهم البعض وما يمكن ان يحدث عنها من عواقب اجتماعية وعائلية فيما اذا فرض عليهم التبليغ عنهم.  هاء- ان المتستر هو مساهم تبعي وليس أصلي وينتفي القصد الجنائي لديه فهو غير مسؤول عن الجريمة ولو كانت افعاله قد ساهمت من الناحية المادية في الجريمة بحيث كان ارتكابها دون هذه المساهمة غير متصور، والقصد الجنائي لا يتوفر بالعلم وحده؛ اذ العلم وحده حالة ذهنية ساكنة لا تنطوي على معنى الخطيئة التي هي جوهر القصد الجنائي؛ بل يتطلب إرادة متجهة الى العقل ونتيجته، ويعني ذلك ان المساهم التبعي لا يتوافر القصد الجنائي لديه؛ الا إذا ثبت اتجاه ارادته الى الفعل الذي تقوم وسيلة المساهمة الى نتيجته المتمثلة في الجريمة التي يرتكبها المساهم الأصلي، ويقتضي القصد كذلك، انصراف إرادة المخبئ الى إخفاء المجرم، ويتعين ان يريد المخبئ هذا الاخفاء باختياره؛ فان اكره عليه او على المساعدة، انتفى القصد.واو- ان كلام المحامي، بتمنياته تطبيق قانون مجلس المحافظة بعدم قبول رجوع العوائل المتهمة بانها من ذوي داعش، كان نأي عن الحق وبعدا عن الصواب، وفاته ان يذكر، انه قانون محلي لا يجوز ان يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية، وليس هناك أي نص قانوني او دستوري يغطي مضامين ما استندت عليه تلك المحافظة في قرارها واجراءاتها؛ لا سيما ان حق الحياة والأمن والحرية حقوق دستورية، ربط دستور (5002) بينها منفردًاً عن باقي الدساتير التي صدرت قبله، في المادة 15((لكـل فـرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذا الحقـوق أو تقييدها إلا وفقًاً للقانون، وبناءًاً على قرار صادر من جهة قضائية))، لذا لا يجوز حرمان هذه العوائل من العودة لمساكنها والدولة معنية بتوفير سكن لكل مواطن فكيف بها، تمنع رجوعه لمسكنه؟ وعدد هذه العوائل(25 ألف) يشير الى انهم شعب لمدينة كاملة.
زاء- ان قانون المحافظة وما استندت عليه من إجراءات كانت استدلالية، غير متناسين، هناك تجربة مريرة مع ما تقوم به هذه الأجهزة التنفيذية بالمحافظات؛ بإعداد ركام من الأكاذيب والضلالات، بسبب وجود رغبة جامحة لدى البعض لتلقي الرشاوى من خلال المساومات، وللاستحواذ على المنازل تحت مسمى حواضن وجماعات داعش وبعيدا عن نصوص القانون وسوح القضاء، ولأجل إعطاء شرعية لعمليات انتقامية خارج القانون، فالأحكام أنما تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة أو براءة؛ بنفسه لا يشاركه فيها غيره، والتحريات وحدها لا تصلح دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة؛ لأن ما تورده التحريات دون بيان مصدرها لا يعدو أن يكون مجرد رأى لصالحها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب، إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه، ويتحقق القاضي منه بنفسه حتى يبسط رقابته ويقدر قيمته من حيث صحته او فساده.
حاء- نقول لمحامينا: أن داعش دخلت من باب المظالم السنية لتبني قصر الموت الجماعي للعراقيين، كما أنها ولدت من الدم إلى الدم ومن فوق التخلف إلى قعره ومن حضيض الكتب المتطرفة، وفاتك؛ ان تذكر من باب توضيح الحقائق والمسلمات القانونية والبديهية؛ بان قانون العقوبات النافذ، أوجد نصوص بالمواد:
1-    المادة 62 (لا يسال جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية او معنوية لم يستطع دفعها) وأكثر هذه العوائل مكرهة على البقاء في اماكنها لما سمعت من أقارب لها ما عاناه النازحون في المخيمات.
2-    المادة 64 (لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد اتم السابعة من عمره) فهل يحق لنا ان نسقط هذه النصوص بقانون لمجلس محلي يريد معاقبة الأطفال والنساء بالساقط من الاتهامات.
3-    المادة 63 (لا يسال جزائيا من ارتكب جريمة الجأته اليها ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة اخرى وبشرط ان يكون الفعل المكون للجريمة متناسبا والخطر المراد اتقاؤه ولا يعتبر في حال ضرورة من اوجب القانون عليه مواجهة ذلك الخطر)، وذلك باب من أبواب الضرورة، ولا اعتقد هناك خطر محدق مثل الذي مرت به هذه العوائل.
طاء- ان كلامك قد تعيب بالقصور الموجب وقلبت الظلم عدلاً والزور صحة، ونسيت ما قاله رسولنا الاعظم (ص)”لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه”، وكان تجسيدا لقوله تعالى:﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾، فما هو ذنب هذه العوائل؛ إذا كان أحد افراد عائلتهم منتمي لداعش؟ هل يجوز ان نأخذ العائلة نساءا واطفالا بجريرة رب العائلة؟ لماذا يزال الضرر بأقبح منه والشريعة الإسلامية أكدت؛ لايزال الضرر بمثله.
في النهاية على المحامي عندما يانس من نفسه القدرة على الظهور الإعلامي ان يقوم بترتيب دفوعه وتجهيز حججه وتنسيق مستنداته خدمة للحق وإظهاره، كما وانه في جلسة محاكمة لدعوى مهمة، وان لا يستحي من السؤال لان السؤال يضعك في جادة الصواب، ويجعل خروجك الإعلامي موفقا وكلامك وتصورك الذي تطرحه باللقاء مستقى من ينابيع قانونية صافية، وتصبح القضية معلومة الإبعاد في جميع نواحيها وزواياه القانونية.
وفي النهاية، يجب أعادة جميع العوائل الى مساكنها خصوصا النساء والأطفال والشيوخ، وبعيدا عن اجتهادات وقوانين اللجان الأمنية للمحافظات او مزاجيات وتأويلات إدارية للمحافظة؛ لان في ذلك مغادرة لحقوق دستورية وردت في قواعد امرة لا ينبغي انتهاكها، وان نضع ما فعله رئيس جنوب افريقيا (نليسون مانديلا) مع القاضي الذي أصدر عليه احكام السجن امامنا.
وعذرا لأخي العزيز؛ لكنه النقد المباح وإبداء الرأي في أمور أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر واجب.
ونختم مقالنا بما أوصى محمد الباقر(رض) ولده جعفر الصادق(عليه السلام) بوصية؛ حين قال له:
  “يا بني ما دخل أمرئ شيء من الكبر الا نقص من عقله مثلما دخله” 

أحدث المقالات

أحدث المقالات