17 نوفمبر، 2024 10:31 م
Search
Close this search box.

ما غرته صفراء ولا بيضاء!

ما غرته صفراء ولا بيضاء!

العراق عاش عقوداً فرعونية مظلمة، أتت أُكلها حتى بعد سقوط النظام السابق في (2003)، فالعراقيون عاشوا بين قهر وقمع، وخوف وموت، وبين حرية وديمقراطية، ومدنية مفاجئة، وبين فراعنة جدد يغرفون من المال الحرام، فهيأ لهم الشعب مقاييس جديدة، ليكونوا طواغيت العصر وقادة ضرورة.أصحاب المبادئ واجهوا التحديات الماضية والحاضرة، وحملوا صمتهم وصبرهم لأيام أخرى، فلم تغرهم الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة) أينما حلوا، فمبادئهم دستور لا يمكن التجاوز عليه. التاسع من نيسان كانت أبواب البنوك مفتوحة أمامه، ومخازن الأسلحة مشرعة، لكنه أبى وتوجه الى شيء، طالما أراد النظر إليه سابقاً، هي تلك البناية الهرمة، التي أتعبها شعار أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وأهداف البعث الهدامة، وحدة، حرية، إشتراكية، نعم لقد توجه الشاب الثائر، الى الفرقة الحزبية في منطقة الحسينية، هناك عندما فجروها، ووقف أمام بوابتها التي إقتلعها شباب الحي الجدد.مرت السنين مسرعةً منذ غادرها الشاب الغاضب، لكنه تذكر الوقفة المشهودة لأصدقائه الذين وقفوا معه، وخبأوه من جلاوزة البعث الكافر، حيث كانوا يبحثون عنه مراراً وتكراراً، ودسوا في المنطقة زبالين جدد ليتمكنوا من مراقبته وإصطياده، لكنهم لم يدركوه، حتى حانت ساعة الرحيل عن العراق، متوجهاً الى سوريا المهجر، ليعيش بين سجونها ومعتقلاتها، كونه لا يحمل جواز سفر رسمي، ورغم هذا البؤس لم يغتر بصفراء أو بيضاء أو خضراء.سنة من الفراق والغربة، والوطن غريب بداخل إنسان، يرفض الخنوع، والخضوع، والظلم، وبين دهاليز منطقة السيدة زينب، يسير الشاب الثائر، وفجأة تمسك به الشرطة السورية، وعبثاً حاول الهروب، وفي الطريق بانت قبة الحوراء وعقيلة الطالبين، مناجياً خدرها الطاهر: أنقذيني يا فخر الهاشميات، فانا سائر مع مبادئ أخيك الحسين (عليه السلام) بولائي وتشيعي. 

شاب عاش حياته رافضاً للظلم، والعبودية، والقمع، وعاشقاً للحرية والكرامة، فإستجابت لندائه، وما هي إلا لحظات حتى تركته الشرطة، بطريقة غيبية عجيبة لم يعرف سرها الى الآن، فقد بدا وكأنهم كانوا يتحدثون عن شخص آخر، فورد لهم اتصال يأمرهم بترك هذا الشاب، نعم إنها إبنة حامي الجار علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي لم يغتر بصفراء أو بيضاء، حتى قال: فزتُ ورب الكعبة.لقد عاد الشاب العراقي مع بداية الإحتلال الأمريكي، وبين فرحة سقوط الدكتاتور، ولذة الحرية الوافدة إلينا، تبادر الى ذهنه سؤال يدور ويدور، هل سينصفني بلدي؟! بعد أن كنت قد يئست من يوم خلاصه؟ وهل سيعود الحق الى نصابه؟ لكن الظلم والألم مازال يرافقه مصراً على ألا يتركه، حتى مع التغيير الجديد البائس، فلم يشمل بقانون مؤسسة السجناء السياسيين، ولم ينتمِ لأي حزب لا يؤمن بمبادئه أصلا، لأنه شعر بأنها مجرد شعارات زائفة، توزع على عقول السذج.ختاماً: بقيت أوراق الحزن تتقلب بين يدي الشاب، حتى مع مجيء الديمقراطية الواهمة الكاذبة، وأعلنت عن عراق جديد، بزي جديد، وقادة جدد، لكنه لم يجد شيئاً جديداً، فالعراق كما هو يعاني، وأبناؤه تُذبح من دون رحمة، وأمواله تُسرق، وأراضيه تُغتصب، ولم تتبدل غير المسميات وطريقة الموت. 

أحدث المقالات