عجب ان يبدأ إضراب الجائعين ضد المجوعين في العراق بعد ، عصر الجمعة، لينتهي فجر الأحد ، بمعنى ” صيام يوم عرفة طار !!” والأعجب ان يستدرك الأمر متأخرا ليتم إنهاء الأضراب ، مغرب السبت ، بدلا من فجر اليوم التالي ، ما يؤشر الى وجود إضطراب في التخطيط المسبق وعدم أخذ التوقيتات بنظر الإعتبار .
الإضراب السياسي عن الطعام الذي أعرفه هو إضراب مفتوح لحين تحقيق المطالب، لا إضراب عن الطعام فقط ولمدة يومين فحسب ومن ثم تناول – الباجه والباقلاء بالدهن والكاهي والقيمر والتشريب ، صبيحة العيد!! .
والسؤال الملح هو ، ماذا بعد تجويع الجائعين ؟ هل سيتم إحالة المفسدين الى القضاء واستعادة ما نهبوه من المال العام مثلا ؟ تحسين وزيادة مفردات الحصة التموينية ، زيادة ساعات التجهيز بالكهرباء الوطنية ، توفير فرص عمل للعاطلين ، رفع النفايات من الشوارع ،تحسين الواقع الصحي المنهار ، إطلاق سراح المعتقلين ممن لم تثبت ادانتهم ، إعادة النازحين الى مناطق سكناهم الأصلية ، تثبيت أصحاب العقود والأجور اليومية على الملاك الدائم ، الضرب بيد من حديد على يد عصابات الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة المنفلتة ، لا أعلم يقينا من الذي ينظر ويخطط من خلف الكواليس لمثل ذلك ويحاول تقليد تجارب الشعوب ولكن بطريقة تبدو غير مجدية للقاصي والداني محليا ، إضافة الى تسويق الذات إعلاميا أملا بالوصول الى مصاف القادة والمشاهير ولكن هيهات اذ ان للمشاهير تأريخ نضالي طويل صاغته ظروفهم الشخصية وظروف بلادهم السياسية اضافة الى كاريزما مفقودة محليا حتى الان !! .
كل الذي أقوله ” أبشروا أيها الجياع ففيما انتم تضربون عن الطعام فقط – شرابت وعصائر وسجائر ونارجيلة ونومي بصرة وتمر هند وراوخ وداليا وبيسي وكوكا كولا وراني وميزو ولبن مدخن ورائب جائز – سيوقع على منح اكبر قرض ربوي للعراق بـ 13 مليار دولار ، ما سيكبلكم انتم وأحفاد احفادكم بقيود مالية لن ينفع معها كل اضرابات المضربين ولا مضاربات المضاربين ولو لعقدين متتاليتين لا ليومين متتابعين ، وكان الأولى من الأضراب والأعتصام إرجاع الأموال التي سرقها الفاسدون من المقربين ليكونوا قدوة حسنة لسواهم من البعيدين الى خزينة الدولة أو منع المفسدين من السرقة إبتداء لأن من سرقوا ونهبوا وعبثوا لم يكونوا متوارين عن الأنظار ولا بعيدين عن متناول الأخيار ولم يهبطوا علينا من الفضاء بل ان منهم نوابا ووزراء ومدراء ووكلاء وأصهارا وأعوانا وأتباعا وأنسابا وأحسابا ، وكما قال البغادة ” دود الخل منه وبيه ” ، أبعد 26 عاما من التجويع المبرمج والمتواصل – قبلها 13 عاما من الحصارالغاشم – نأتي لنجوع الجائعين اصلا 48 ساعة فحسب أملا بـ” كسر خاطر الجبابرة المجوعين ليعيدوا لنا ماسرقوه من المليارات التي سبقتها الملايين تلو الملايين وفوكاها بوسة ؟!! ” منطق لا أفهمه إلا بالمعكوس . المثقفون العراقيون مختلفون فيما بينهم اليوم بشأن دوافع وحجم المؤامرات المتتابعة التي تحاك ضدهم ونتائجها الكارثية التي تستهدفهم في كل وقت وحين وعلى المستويات كافة ، وهل هي جزء من كل ، أم انها كل x كل = كل !!ما جمعتني جلسة خاصة او عامة بنخبة من المثقفين إلا ودار الحديث حول المؤامرة ، وهل هي نظرية أم حقيقة ، ومن يتأمل في ارهاصاتها – اي المؤامرة – يجد انها ليست قدرا كما يحاول بعضهم تسويقه وبالتالي تعليق جل الخطايا والأخطاء الذاتية المخيفة على شماعتها من دون ادانة ولا محاسبة ولا جلد للذات ولا وقوف على مكامن الخلل والمصاب الجلل ولا تشخيص لتلكم الأخطاء والخطايا المتراكمة التي تزداد إرتفاعا كما الجبال الراسيات بمرور الوقت ، فيما ينفيها آخرون جملة وتفصيلا ، عادينها مجرد وهم عشعش في عقول وقلوب البعض وانعكس سلبا على كتاباتهم مؤلفاتهم لتبرير فشلهم واخفاقاتهم المستمرة من دون الوقوف على أسبابها الحقيقية تمهيدا لعلاجها وتجاوزها مستقبلا ، الأمر الذي أحبط أمة بأسرها وانجب اجيالا تتناقل الفشل والخوف الداهم من مقاومته متأثرة بما كتبه وروجه من سبقهم عمدا او جهلا !.
والذي أراه والله أعلم ان الهجمة على العالمين العربي والإسلامي لأسباب ودوافع متباينة اقتصادية وسياسية وامنية وعسكرية وثقافية وفكرية ودينية واجتماعية ، حقيقة دامغة لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح لأجلها كبشان ، إلا انها ليست قضاء كما يصوره البعض لا يمكن مواجهته البتة ، واذا كانت المؤامرة قدرا فالتصدي لها ومواجهتها وتجاوزها بعد التوكل على الله وصدق النية ومن ثم اصلاح ذات البين واستلهام العبر واعلاء الهمم وتجاوز الإخفاقات السابقة وصياغة برامج اصلاحية واضحة المعالم وتصحيح المسار في هذا السياق ، قدر مضاد أمرنا به وجبلنا عليه ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وبالتالي فيمكنني القول بأن ” المؤامرة جزء من حقيقة ناقصة تتحول الى جريمة كاملة كلما اقتربنا من القاع لنتلقى بعدها كل ما يرمى فيه من نفايات الأمم لكونه قاعا لا لكوننا في هذا المعترك المتهاوي بسرعة الضوء الى المجهول شيئا نفيسا قابعا فيه ، والعكس صحيح ، بمعنى اننا و كلما تجاوزنا القاع والهاوية صعودا الى السفح والقمة ، كلما تيقنا ان الاستهداف من بعضهم في هذه الحالة يختصنا وارضنا وثرواتنا وتأريخنا وقيمنا وديننا وآثارنا واجيالنا تحديدا من دون سوانا ، بهدف إعادتنا الى القاع مجددا لنرمى بكل قمامات الأمم فيختلط علينا الأمر بين من يرمينا عمدا وبين من يستهدفنا سهوا !!
# كلا_لقرض_الحقد_الدولي
اودعناكم اغاتي