17 نوفمبر، 2024 10:44 م
Search
Close this search box.

السقف المحفوظ في القرآن ، جولة ملحمية علمية بين الأرض والشمس

السقف المحفوظ في القرآن ، جولة ملحمية علمية بين الأرض والشمس

الأرض ،وأنت على ظهرها ، تراها مستوية وأنت ماضٍ في شأنك الى حيث مقر عملك ، أو أنت ذاهب للتسوق أو لزيارة صديق ، وآخر ما يخطر ببالك ، أن تحت قدمك حيث لُبّ الأرض الساخن ومجالها المغناطيسي ، و فوق رأسك حيث السماء بكويكباتها واشعتها الكونية المدمرة  ، قوتان جبارتان لا يمكنك تخيلهما ، تتصارعان منذ الأزل ، وأنت لا تعلم ان هذا الصراع لصالحك ، بل لو لم يكن ، ما كنت ! وما كانت هنالك حياة أصلا ! ، انت غير مدرك لفضل جاذبيتها عليك فقد أعتدتها منذ أن أبصرت عيناك النور ، الأرض ، ذلك الكوكب الأزرق الوحيد النابض بالحياة من بين كواكب المجموعة الشمسية التسعة رغم استبعاد الجرم التاسع (بلوتو) ، لكونه لا تنطبق عليه معايير الكواكب السيارة عند الفلكيين ، الأرض التي تبلغ فيها نسبة المسطحات المائية 73% ، والباقي يابسة ، هي الوحيدة ذات الألوان الزاهية بين الكواكب القواحل ، ذلك الجرم القريب من الشكل الكروي ، لكونه منبعج قليلا من القطبين ، بمتوسط نصف قطر يبلغ 6300 كم ، يقطنه المليارات من البشر ، بآمالهم والامهم وطموحاتهم وأفراحهم وأحزانهم ، الكوكب الذي يعج بالفلاسفة والعلماء والطيبين والبسطاء والمجرمين على حد سواء ، هذا الكوكب الذي طالما شهد حضارات سادت وبادت وكأنها جزء من دورات الفلك الذي يسبح به هذا الكوكب ، ولطالما كان مسرحا للحروب والدماء ، وخطب العظماء والحكماء وبناة الحضارة ، وجشع الأنسان باستهلاك موارده بافراط مع ضجيج التنقيب والتكنولوجيا !.

السر الكامن وراء ايقاع الحياة النابض في هذا الكوكب ، هو الشمس ، اصل الطاقة  وبداية السلسلة الغذائية الخضراء عليه ، ولولاها ، لكانت الحياة على هذا الكوكب مستحيلة ، لكن المفارقة الكبيرة ، أن هذه الشمس نفسها ، يمكن أن تكون ايضا السبب في فناء هذا الكوكب فناءً عنيفا ، لولا تدخّل قوة خارقة مثيرة للعجب ، حولت الطاقة التدميرية للشمس ، الى بردا وسلاما أخضرا وحياةً وأن كانت هشة جدا ، لكنها برعاية هذه القوة الخارقة ، وكأنها ميزان ببيضة أرفع من الشعرة !.
الأرض هو الكوكب الثالث من حيث بعده عن الشمس البالغ 150 مليون كم ، يمتلك (لُبّا) ساخنا في مركزه ، وقد حيّر العلماء ، فقد كان من المفترض ان يبرد منذ زمن بعيد ، لهذا يعتقد العلماء ان ثمة اندماج نووي في هذا المركز ، أو ان حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس بفعل جاذبيتها في مدار بيضوي ، يسبب فعلا ميكانيكيا بين طبقاتها ، بشكل يشبه حركة الكفين ببعضهما في يوم بارد لتوليد الحرارة ، لكن بمقياس أوسع بكثير ، مركز الأرض هذا يتألف من الحديد الصلب ، تعلوه وتغلفه طبقة أخرى من الحديد المنصهر ، ثم قشرة الأرض الصخرية ، ولولا سخونة باطن الأرض ، لتحول الى كوكب جليدي تستحيل الحياة عليه ، فحرارة الشمس لا تكفي لأنعاش الحياة فيه !.
كرة الحديد المنصهر المحيطة بالحديد المتصلب في المركز قابلة للحركة نظرا لسيولتها ، ولكون الحديد موصل جيد للكهرباء ويتحرك كتحصيل حاصل لدوران الأرض حول نفسها فانه يولد كهرباء ضعيفة ، تولد بدورها خطوطا للفيض المغناطيسي حسب التأثير المعروف (بتأثير فاراداي) ، وهو العلاقة ما بين الكهرباء والمغناطيسية ، والتي على اساسها بُنيت المولدات الكهربائية ، ثم يزداد تأثير هذا المغناطيس وينمو حسب ظاهرة (النمو Build Up) المعروفة لدى مهندسي الكهرباء مع استمرار حركة الحديد السائل ، هكذا تتحول الأرض الى مغناطيس عملاق ذو قطبين شمالي وجنوبي معروف للجميع ، لكن ما فائدته ؟!.

الجميع يعتقد ، ان قطبي الأرض استخدما قديما وحديثا في الملاحة لأنه يُحرك ابرة البوصلة ، كي لا تضيع وجهة الملّاح ، لكن فضل هذا المغناطيس العملاق ، أكبر بكثير ، انه الفيصل بين الحياة والفناء !.

اعتقد علماء الفيزياء القدامى ، ان الشمس عبارة عن جرم سماوي هائل من الفحم المتوهج الذي يحيط به الأوكسجين ، لكن بحسابات بسيطة ، استنتجوا ان ذلك مستحيل ، فلو كانت الشمس تُنتج الطاقة بهذه الطريقة ، كان عمرها بضع مئات من السنين ! ، وبقي السؤال محيّرا للعلماء لقرون ، حتى ظهرت اشهر معادلة في تاريخ البشر على يد (اينشتاين) ، الفيزيائي العظيم ، وهي (E=mc²) ، اي ان الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء ، وهو يتحدث عن تحول المادة (كليا) الى طاقة هائلة من الصعب استيعابها ذهنيا ! ، من مجرد بضعة غرامات من المادة عند توفر ظروف خاصة متوفرة في جو الشمس ، وهذا هو أساس القنبلة الذرية ، وهي تختلف جذريا عن مجرد (حرق) مادة لتتحول الى رماد وغازات ، لأنه لا يصحبها فناء لكتلة المادة .

هكذا أماط هذا العالم العظيم اللثام عن سر سرمدية الشمس ، وهي رغم ذلك تفقد ملايين الأطنان من كتلتها بتحويلها الى طاقة صرفة كل ثانية ! ، على شكل حرارة عالية (ملايين الدرجات المئوية) ، ونشاط شمسي على هيئة (بلازما) وأشعة (غاما) القاتلة ، والرياح الشمسية (Solar Wind) ذات الطاقة العالية .لو تأملت سطح الشمس من أحد المراصد الفلكية ، فستُصاب بالرعب ، من فرط وحشية وعنف وضخامة نشاط سطحها ، وأنت ترى (نافورات) تشبه ألسنة اللهب من البلازما تتحرك صعودا بسرعة آلاف الكيلومترات بالثانية ، وبأرتفاعات تبلغ مئات أضعاف قطر الأرض ! ، لكن جاذبية الشمس القوية تُعيد هذه الألسنة الى سطح الشمس مكونة أقواسا مرعبة هائلة الحجم ، لكن النزر اليسير جدا من هذه الرياح الشمسية الذي يتفلت من جاذبية الشمس ، والذي هو عبارة عن جسيمات عالية الطاقة ، يجد طريقهُ طليقا الى حيث الفضاء الشاسع ، ولو كُتب لجزء منه الوصول الى جو الأرض ، كان بأمكانه غلي وتبخير مسطح مائي كالبحر المتوسط بأكمله بعشرة دقائق فقط ! ، (واذا البحارُ سُجّرت ، سورة التكوير –الآية 6) ، فكيف بقيت الأرض حية وآمنة ، ونحن نبدو وكأننا نعيش بالصدفة ! ، خصوصا وأن النشاط الشمسي هذا أمر شبه يومي !.
هنا يتدخل المجال المغناطيسي للأرض ، فلحسن الحظ ، أو بالأحرى ، لحسن تدبير الخالق عزّ وجل ، ان جسيمات الرياح الشمسية تلك والتي تحمل بين طياتها كل مقومات الفناء ، تمتلك خاصية التتنافر مع المجال المغناطيسي للأرض ، الذي يبدأ تأثيره على بُعد 65000 كم من سطحها ، اي تقريبا بعشرة أضعاف نصف قطر الأرض ، فيعمل على حرفها بعيدا عن الأرض الى حيث الفضاء الشاسع ، وكأنه درع صُنع بتدبير متقن وبتسخير مُتعمّد الى درجة الغرابة !، لكن هنالك جرعة ضئيلة غير مؤثرة من هذه الرياح الشمسية ، قد تجد لها ثغرة عند القطبين ، فتتفاعل مع جو الأرض الذي يعمل على اضعافها ايضا ، مكونا ما يسمى (الشفق القطبي Polar Aurora) ، على هيئة سحابة خضراء هائلة في منطقة القطبين ، هكذا يتحول الدمار الهائل الى سمفونية مرئية رائعة الجمال تتراقص في السماء !.

كوكب (المريخ) أبعد عن الأرض وبالتالي عن الشمس ، ومن المفترض انه بمأمن من تأثير الشمس التدميري أكثر من الأرض ، لكنه قاحل تماما بشكل حير العلماء أيضا ، ففي فترة ما ، كانت به مياه ، فأين أختفت ؟ ، حتى توصل العلماء ، ان السبب هو خلوه من المجال المغناطيسي ، مع علمنا ان الجاذبية موجودة في كل مكان وزمان لأنه أمر يتعلق بالكتلة ، وهي تختلف جذريا عن المجال المغناطيسي الذي يتفرد به كوكب الأرض ، فتبارك الله احسن الخالقين .

هذا الدرع المغناطيسي ندين له بحياتنا الى درجة أن الله سبحانه اقسم به في القرآن الكريم قائلا (والسقف المرفوع ، سورة الطور –الآية 5) ، وقال عزّ من قال (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتنا معرضون ، سورة الأنبياء –الآية 32).
ولا يقف خطر فناء الأرض كونيا عند هذا الحد ، بل هنالك ما هم أعنف ، انها الكويكبات التي يُقال عنها انها كانت السبب في طي عصر الديناصورات بأكمله ، بل ان الأحصاآت العلمية تقول ، ان احتمالية اصطدام أحد هذه الكويكبات بالأرض عالية جدا بشكل يسبب انقراض الحياة فيها ، وأنها مسألة وقت فقط ، ولكن هذا الوقت طال ، فكيف ؟.
الجميع شاهد سطح القمر ، التابع الوحيد للأرض ، وكيف ان سطحه يشبه قطعة الجبن السويسري كما يقولون من كثرة قصفه المستمر من قبل كويكبات لا تُعد ولا تُحصى ، فلا يكاد يخلو كيلومتر مربع من سطحه ، من خسف أو فوهة أو ثقب ، ولكون القمر قريبا من الأرض نسبيا ، فأن المستهدف من هذه الكويكبات ، هو بالأصل كوكب الأرض ، لكن القمر تولّى أمر اصطيادها ! .
بين منطقتي المريخ والمشتري ، الكوكب الغازي-الغباري العملاق ، يوجد ما يسمى (حزام Kepler’s Belt) ، يحتوي على المليارات من الكويكبات التي يتراوح حجمها بين حجم سيارة الى كويكبات بحجم عدة كيلومترات مكعبة ! ، تتهددنا بأستمرار ، لكن المشتري بجاذبيته القوية ، والذي يفوق حجم الأرض بأكثر من 1300 مرة ، يتولى اصطياد ما يفلت منها من مداره في هذا الحزام ، ففي العام 1994 ، تساقطت اجزاء من كويكب ضخم بقطر 4 كم ، وقد تفتت الى 21 قطعة تتراوح اقطارها من 50 الى 1000 م سقطت على الجزء الجنوبي من المشتري بسرعة 60 كم/ثانية ! ، وشاهد العلماء تأثيراتها على شكل غازات ساخنة جدا وبلازما متوهجة من فرط شدة التصادم على سطحه ، مخلفة بقعا غامقة بقطر 12000 كم ، اي بقدر قطر الأرض ! ، ولكم أن تتصوروا لو وجدت أجزاء الكويكب هذا طريقها الى الأرض ! ، وكأن كوكب المشتري حارسا أمينا للأرض سخره جبار السموات ، فلطالما قام (مع القمر والكواكب الأخرى) ، بكنس هذه المخلفات الضارة !.

هكذا اطلق الله على هذه الحراس المُسَخّرة المرافقة للأرض والمجاورة لها عبارة (الجوار الكُنس ، سورة التكوير –الآية 16) .

هل وُضع هذا الميزان الدقيق بشكل يثير الدهشة الى درجة الخوف واستصغار النفس ، والشعور بضآلتنا ازاء أحداث الكون ليأتي من يقول انها كلها محض صدفة ؟ ، أية صدفة هذه التي تجعل العقول تحتار وتُصدم ازاء هذا العمل الدقيق المذهل والمتقن لا لشي الا لأبقائنا أحياء ؟!، أي نكران للجميل أفظع من هذا ؟ ،  لماذا لا نكون منطقيين وعقلانيين ، ونحن نربط العلم بالأيمان ، فلو تفكرت بشيء من أمور الكون ، فسيقودك للجنون ، ولكن هنالك حاجزا بين العقل والجنون ، أنه الأيمان ،  وهذا لعمري عين الحرية ، بدلا من أن نكون اسارى لأفكار الألحاد الذي بدأت موجاته تنتشر ،  لأنه اسهل بكثير من التفكير بأيمان وتدبّر ، فما أسهل أن تُقيّد جريمة ما ضد مجهول ، وما أصعب العمل على حلّها لأن (حرية) المحقق فيها تملي عليه ان لا يعرف الكلل واليأس ، فالأشراك بالله هو أعظم الظلم ، كما قال (لقمان الحكيم) وهو يعظ ابنه (يا بُني لا تشرك بالله ، ان الشركَ لظلم عظيم) ، قالها رجل حكيم ، قادته بديهيته لذلك ، وليس نبيا ! ، قال تعالى (ربّنا ما خلقت هذا باطلا سُبحانك فقِنا عذابَ النار) ..وكل عام وأنتم بخير

أحدث المقالات