ورد في كتاب “الخصال”ح١٢١،ص١٢٤، من وصية النبي”صلى الله عليه وآله” للإمام عليه السلام:(أنهاك عن ثلاث خصال عظام:الحسد،والحرص،والكذب).
الحسد من الأمراض النفسية الخطيرة، التي تصيب الإنسان والمجتمع البشري، وهو آفة الدين،وداء خبيث ألقى الناس في شرّ عظيم.
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المعتصم العباسي الى قتل الإمام الجواد عليه السلام،هو وشاية من أبي داود السجستاني،الذي كان من أعلام ذلك العصر،والسبب يعود إلى حسده للإمام الجواد عليه السلام.
تميّز أبو داود غيضاً وغضباً على الإمام عليه السلام،وسعى إلى الوشاية به، وتدبير الحيلة في قتله،حينما اخذ المعتصم برأي الإمام عليه السلام،في مسألة فقهية وترك بقية آراء الفقهاء ،ومنهم أبي داود السجستاني.
ووفق ماذكره بعض المؤرخون،عن زرقان الصديق الحميم لأبي داود قال:(إنّه-أبو داود- رجع من عند المعتصم وهو مغتّم،فقلت له في ذلك. قال:إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيرة بإقامة الحدّ عليه،فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمّد بن عليّ عليه السلام، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟فقلت:من الكرسوع لقول الله في التيمّم:(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم)، وأتفق معي على ذلك قوم. وقال آخرون:بل يجب القطع من المرفق. قال:وما الدليل على ذلك؟قالوا:لأن الله قال:(وأيديكم إلى المرافق).قال:فالتفت إلى محمد بن علي “عليه السلام”فقال:(ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟قال:قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين. قال:دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟قال:اعفني عن هذا يا امير المؤمنين. قال:أقسمت عليك بالله لما أخبرتني بما عندك فيه. فقال:أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إنّي أقول:إنّهم أخطأوا فيه السنّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ.قال:لِمَ؟قال:قول رسول الله”صلى الله عليه وآله”السجود على سبعة أعضاء:الوجه واليدين والركبتين والرجلين،فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها،وقال الله تبارك وتعالى:(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)،يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها(فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)،وما كان لله لم يُقطع.
قال:فأعجب المعتصم ذلك،فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال زرقان:(إنّ أبا داود قال:صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت:إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واحبة،وأنا أكلّمه بما أعلم إنّي أدخل به النار !!قال:ما هو؟قلت:إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين،فسألهم عن الحكم فيه،فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك. وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزرائه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه،ثم يترك أقاويلهم كلّهم،لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه،ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء. قال:فتغير لونه،وأنتبه لما نبّهته له،وقال:جزاك الله عن نصيحتك خيراً))
يقول الشيخ القرشي”طاب ثراه”:(لقد أقترف أبو داود أخطر جريمة في الإسلام،فقد دفع المعتصم الى أغتيال إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام،الذين فرض الله مودتهم على هذه الأمة،والويل لكل من شَرِك في دمائهم).
قدم الطاغية المعتصم العباسي على اقتراف جريمة نكراء،فأوعز الى بعض كتّاب وزرائه،بأن يدعو الإمام عليه السلام،الى منزله ويدسّ السم،وفي بعض الرويات أن المعتصم أغرى بنت أخيه زوجة الإمام،أمّ الفضل بالاموال فدسّت إليه السمّ.على أي حال،فقد سمّ المعتصم الإمام عليه السلام،ولم يرع حرمة النبي”صلى الله عليه وآله”في أبنائه، وكان ذلك بوشاية من أبي داود السجستاني،بدافع من الحسد والحقد على الإمام الجواد عليه السلام.
أثر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً،في جميع بدنه، واخذ يعاني منه آلاماً مرهقة،فتقطعت أمعاؤه من شدة الألم،وهو في ريعان الشباب،فلفظ أنفاسه الأخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى وتوحيده،وكان ذلك في سنة ٢٢٠ من الهجرة. ْ