خلطت مواقع التواصل الإجتماعي الاوراق كالعادة على صعيد قصة طفل السماوة المحكوم سنة بسرقة علب كلينكس مثلما يتم تداوله. من أجل ذلك وضع القضاء في اكثر الزوايا حراجة لجهة الحكم على طفل اختلفت الروايات بشان عمره (هناك من قال 8 سنوات بينما يرى اخرون ان له من العمر 12 عاما). لنبق في دائرة العمر قبل الانتقال الى حيثيات القضية وملابساتها. السماوة التي سبق لحسين نعمة ان تغنى بنخلها “نخل السماوة يكول طرتني سمرة” لاتبعد عن بغداد باكثر من 250 كم . كما ان حادثة السرقة التي تورط فيها الطفل لم تقع في القرن الثاني او الثالث او الثامن او الحادي عشر الميلادي ولا حتى قبل عقد من الزمن اوحتى سنة او شهر بل الآن. وفوق ذلك فالسماوة لاتخلو من الهواتف النقالة, مما يجعل من التضارب في عمر الطفل ينتمي الى روايات الجرح والتعديل. بينما ليس هناك اسهل لمن يريد الوصول الى الحقيقة من معرفة عمر الطفل الحقيقي لأن ذلك يقطع الباب أمام التاويلات.
فالذين حكموا على قضاة السماوة بغير العدل في قضية علب الكلينكس الاربع استندوا الى واقعة العمر غير الصحيحة مثلما ظهر فيما بعد حيث من الظلم الحكم على طفل (8 سنوات) حتى لو سرق كلينكس أو الالف مليار دولار التي قيل انها ذهبت هباء منثورا من خزينة البلاد طوال الثلاثة عشر سنة الماضية. اما من سعى الى الدفاع عن الحكم فانه انطلق من ان عمر الطفل هو (12) وهو طبقا للقانون يبرر الحكم على ان يودع اصحاب هذا العمر في اصلاحية للتاهيل.
لكن المفارقة اللافتة للنظر إنه حتى بعد التوضيحات ومعرفة حقيقة العمر لهذا الطفل الذي لانريد الدخول في توصيف وضعه اوسلوكه الاجتماعي ونبقى في اطار وضعه القانوني الان بوصفه مدانا بالسرقة, فان مواقع التواصل الاجتماعي لم تكف عن التفريق بين الحكم عليه وبين الحكم على وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني من قبل نفس المحكمة. وهنا بودي ان اشير الى مسالة في غاية الاهمية يعرفها حق المعرفة الكثير ممن يتناولون هذه الامور على صفحاتهم الشخصية في الفيس بوك او تويتر وكل وسائل الاعلام ان القاضي يحكم وفق ادلة امامه. فالقضاء في النهاية محكوم بمادة قانونية لاتفرق بين سرقة باكيت كلينكس او صفقة شراء اطعمة فاسدة بمليار دولار أوأكثر. كلاهما تنطبق عليهما نفس المادة وربما نفس الحكم.
لكن الفرق بين الأمرين والواقعتين وحيثيات كل منهما أن من يسرق اربع علب كلينكس في وضح النهار “غشيم”, بينما من يبرم عقود البيع والشراء بعشرات ملايين الدولارات وربما احيانا ملياراتها “ذكي” ويعرف هو ومن يقف خلفه كيف يخرج من المشكلة مثل الشعرة من العجين. كلاهما امام القاضي متهما حين تثبت عليه الواقعة وبريئا حين لم تثبت. المطلوب منا حين نريد معرفة الكيفية التي يدان بها الفاسدون معرفة مداخل ذكائهم في اخفاء الادلة لا ان نجلد القاضي بصرف النظر ان كان “نخل السماوة يكول ” اولا.