18 ديسمبر، 2024 9:10 م

تتوالد العلاقة الابداعية مع تجربة المبدع المثقف، من خلال الاواصر المعمقة لاصالة ثقافته الشمولية، واعني بها المثاقفة بين ما يحمله من وعي ثقافي وعلمي وتجربة خلاقة، وبين الاطر الثقافية التي تتشكل عبر قراءاته المستمرة، وبلا شك فأن موضع الوعي عنده يتشابك مع تلك الثقافات التي تؤسس نقلة نوعية في تجربة المثقف الابداعية.
من هنا، فان جل ثقافتنا تنبع من هذا الكم الهائل من الموروثات الحضارية والانسانية، وتتشكل عبرها، مفردات المثقف ، وعالمه الخاص الذي يتحرك فيه، والمثقف المبدع يستطيع ان ينفذ من خلال هذه الثقافات الى المواضع او المواقع التي تخدم كتاباته ، ليس تأثيرا بها، وانما صهرها في بوتقة تجربته، سواء اكان هذا المبدع شاعرا ام ناقدا ام قاصا ام روائيا، ونستطيع ان نضع اصابعنا على كل التجارب المبدعة ونؤشرها ابداعيا، بالتميز والتجدد ، واللغة التي اداته في تكوين تجربته طالما ان المبدع يسبر غور تلك الثقافات ويحيدها الى عالمه المكثف الخاص.
ان المثقف مشحون دائما بعوالم الغربة وتنتابه الرؤى القلقة، وتتشدد انفعالاته من خلال هذا الضغط اليومي الذي يريد ان يعطيه كل ما يخدم تجربته، لهذا تراه مكونا بعوالم الانتقاء والتشخيص والاختيار الامثل لمواضيعه، ونرى ان هذه الحالة تتجسد اكثر عند الشعراء خاصة لان العالم الذي يتحركون فيه، متشابك ومتبادل المواقع في الحركة واللون والمفردات ، وحري بهذا الشاعر اولا، ان يعبر عن تجربته بكل صدق.
ان التجارب الانسانية الابداعية ، التي قرأناها، هي بلاشك مصدر مهم، لما قدمه المبدعون الى الاجيال اللاحقة ، صحيح ان شخصية المثقف وبيئته وثقافته تنعكس على ابداعه ، لكن في الطرف الاخر، ان المثقف لا يستطيع الركون الى حالة معينة ، يراوح فيها، وانما هو في انطلاق دائم نحو اعطاء تجربته افقا اخر، وتمييزا يراه في صالح تجربته، لان الثقافة التي يتحرك فيها هي مجموعة اسئلة كونية وانسانية ، عليه الاجابة عليها قدر ثقافته وتجربته وابداعه.