في سابقة هي الأولى من نوعها في تأريخ العراق ما بعد احتلاله، أقال مجلس النواب بأغلبية الحضور وزير الدفاع خالد العبيدي، وذلك بعد أربعين دقيقة على التصويت على عدم قناعته على أجوبته أثناء جلسة الاستجواب، على خلفية الاتهامات المتبادلة بينه وبين رئيس المجلس سليم الجبوري وحلفائه حول شبهات فساد.
ورغم ما يشهده العراق من أزمات في اتجاهات عدة سياسية وأمنية واقتصادية وفساد متعاظم، رؤوسه زعماء الكتل السياسية، فإن عملية سحب الثقة هذه شابتها علامات استفهام عديدة، فبحسب النظام الداخلي لمجلس النواب فإن الإقالة يجب أن تتم بأغلبية مطلقة من خلال تصويت نصف أعضاء المجلس زائد واحد، بينما تمت العملية بأغلبية الحضور حيث صوت مئة واثنان وأربعون نائبا، بالاقتراع السري، وهذه أيضا مخالفة دستورية حيث كان يفترض التصويت على سريتها بحسب بعض القانونيين، فضلا عن أن هناك دعاوى بين المستجوِب والمستجوَب معروضة في القضاء، من هنا يتضح أن عملية سحب الثقة عن وزير الدفاع هو استهداف سياسي، و بهذا وجه زعماء الفساد في مجلس النواب “رسالة ردع” لكل من يحاول كشف ملفات الفساد من جهة، وتفتيت المكون “السني” وإضعاف رئيس الوزراء حيدر العبادي، من جهة أخرى .
بالتالي فالذي وقف وراء ذلك أراد أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد، سياسيا نجد أن جبهة الإصلاح تحت قيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في مجلس النواب، كانت القوة التي دفعت بالتصويت على إقالة العبيدي، مستغلاً -أي المالكي- الصراعات بين القوى السنية لتفتيت ما تبقى من لحمتها المهترئة، وإضعاف العبادي من خلال استهداف حليفه وزير الدفاع في مسعى لترتيب وضعه الداخلي والعودة بقوة لتحقيق طموحه بالعودة إلى رئاسة الوزراء.
عسكريا سيكون لعملية إقالة العبيدي تداعيات خاصة على معركة الموصل التي مازال اللغط مثارا حول عدم التحقيق في تسليمها لتنظيم داعش، ومن الواضح، أن هناك جهات سياسية لا تريد المضي بعملية التحرير، لأنها ستفتح ملفات أسباب تسليمها، وبالتالي ربما تطيح بشخصيات سياسية جلها محسوبة على إيران المتهمة بالتواطئ مع المالكي بتسليم المدينة للتنظيم، كما أن سحب الثقة عن العبيدي سيلقي بضلالها على المكون “السني” السياسي من خلال زيادة شرذمته وتفتيته بسبب الصراعات الداخلية التي تعتريه.
من هنا تتضح المقاربة في سرعة تبرئة الجبوري من قبل القضاء، إثر تحقيق لم تتجاوز مدته ساعة من الزمن، وأعلن براءته من جميع التهم التي وجهها إليه العبيدي، وطريقة إقالة الأخير. هذا المشهد الدراماتيكي برمته، لم تغب عنه إيران كما في كل مرة، التي تريد الإبقاء على الحلقة الأضعف في التمثيل “السني” كواجهة كرتونية، وإقصاء الرجل “الأقوى” عن ساحته في آن معا، وبذك تواصل إيران تحقيق أهدافها في العراق من خلال تقوية طرف موال لها على حساب طرف آخر.
في المحصلة، فإن إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي، كشفت بأن العملية السياسية في العراق عبارة عن مسرحية أُسدل ستارها من خلال أبطالها، رؤساء الكتل السياسية، وأعضاء مجلس النواب، الذين جسدوا أدوار السمسرة وعقد الصفقات وإبرام العقود بامتياز قل نظيره، حتى أزكمت فضائحهم أنوف الشعب الذي على ما يبدو استكان من شدة انبهاره لتجسيد تلك الأدوار، كما أنهم كشفوا دون خوف أو وجل لكل من يتجرأ على محاولة كشف عمليات الفساد بأن مصيره سيكون كمصير خالد العبيدي.