بات الإرهاب ظاهرة عالمية تخطت أخطارها كل الحدود، حتى أن دول العالم أدركت ضرورة تنسيق الجهود للتصدي له والقضاء عليه، ولم يعد مشكلة عراقية تستوجب حلول عراقية بمعزل عن المجتمع الدولي.وفي كل المحاولات العراقية أو الدولية التي سعت لوضع خطط واستراتيجيات لمكافحة الإرهاب كان “الإعلام” حاضراً على الدوام بوصفه أحد أهم الوسائل التي يمكن – إذا ما أحسن توظيفها- أن تكون أدوات فاعلة للتصدي للإرهاب والقضاء عليه رغم الملاحظات الكبيرة على دور الإعلام المحلي والعربي الذي يراه الكثير من العراقية على أنه أصبح إداة بيد التنظيمات الإرهابية بعلم أو بدون علم.
ونتيجة لتلك المشكلة أثيرت جدلية بشأن أهمية دور الإعلام بوصفه محدداً هاماً لتفاقم ظاهرة الإرهاب، وفي الوقت ذاته وسيلة هامة للقضاء عليها، ولطالما اتُّهمت وسائل الإعلام بتوفير بيئة خصبة لإنتاج وصناعة الإرهاب بما تنشره وتروج له من قيم وأفكار متطرفة، كما أنها كثيرا ما تكون منابر يخاطب – من خلالها – الإرهابيون كل شعوب العالم مدافعين عن وجهات نظرهم ومبررين أعمالهم الإرهابية وداعين لمزيد من الدعم والتأييد.
ويبدو أن التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم بثورتي الاتصال وتكنولوجيا المعلومات قد وفرت فرصاً غير مسبوقة للإرهاب كي يبث رسائله وأفكاره المسمومة عبر الحدود بحرية وسهولة ودون قيود.
ويحاول المجتمع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية مكافحة الإرهاب الذي استغل الإعلام ومعالجة هذه المشكلة التي تعقدت نتيجة التطورات الكبيرة في تقنيات الاتصال من خلال أعداد الاستراتيجيات والخطط التي يمكن أن تحجم من هذه المشكلة، حيث يبرز الإعلام كواحد من أهم وأقوى الوسائل التي ترتبط بظاهرة الإرهاب؛ في حين عدها البعض أداة هامة ومؤثرة في مكافحة الإرهاب وفضح أساليبه وحشد الرأي العام ضد التنظيمات الإرهابية، اعتبرها آخرون أحد أهم الوسائل التي يستند اليها التنظيمات الإرهابيين وتبرير أفعالهم الاجرامية، كما اُتهم البعض الإعلام بممارسة الإرهاب الفكري الذي يُعد أخطر من الاعمال الإرهابية.
والاشكالية هنا بشأن الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام فهي القوة الفاعلة والمؤثرة في المواجهة بين الحكومات والتنظيمات الإرهابية, إلا أن هذه القوة قد تستخدم في تعزيز جهود الحكومات في مواجهة الإرهاب، وقد تستخدم في دعم الإرهابيين وتمكينهم.اذا وسائل الإعلام هي القوة المؤثرة في المواجهة بين الحكومات والجماعات الإرهابية, إلا أن هذه القوة قد تستخدم في تعزيز جهود الحكومات في مواجهة الإرهاب، وقد تستخدم في دعم الإرهابيين وتمكينهم.وفي وصف العلاقة بين الإرهاب والإعلام دعت رئيسة الحكومة البريطانية الاسبق مارغريت تاتشر Margaret Thatcher شركات البث إلى حرمان الإرهابيين من “أوكسجين الدعاية” ؛ كما يرى آخرون العمل الإرهابي ليس شيئًا في حد ذاته، بل إن الإعلام عنه هو كل شئ!!.
ويمكننا تفسير تلك الاشكالية بالقول إن الإرهاب والإعلام متلازمان يركض كل منهما وراء الآخر، فمثلاً وسائل الإعلام في العراق تسعى إلى تحقيق السبق الإعلامي باي شكل، وفي سبيل ذلك فإنها تركض ودون اي حساب وراء الأخبار والمعلومات المثيرة والتي تمثل الأعمال الإرهابية ذروتها، كما أن المنظمات والجماعات الإرهابية تسعى للوصول إلى وسائل الإعلام لإيصال رسالتها ونشر أفكارها وبث الرعب والخوف في نفوس خصومها.
وهذه المشكلة ليست في العراق فقط بل أن التغطية الإعلامية لأنشطة الجماعات الإرهابية تقوض جهود الدول والحكومات للقضاء على ظاهرة الإرهاب ، حيث إن التغطية الإعلامية كانت ولا تزال محل خلاف وجدل كبيرين، وتظل الجماعات الإرهابية والحكومات والجمهور هي الأطراف الرئيسية في تفسير العلاقة بين الإرهاب والإعلام، وتظل العلاقة بين الإرهاب والإعلام علاقة شديدة التعقيد بالنظر إلى تعدد أبعادها، وغموض أسبابها ودوافعها.