18 ديسمبر، 2024 9:17 م

العراق… ومشروع وثيقة العقد الوطني

العراق… ومشروع وثيقة العقد الوطني

انتزعت الشعوب الأوربية حقوقها المدنية من السلطات الإمبراطورية بقوة العقول المفكرة,التي استطاعت إن تبني فلسفاتها الاجتماعية والمادية المقاومة للاستبداد الطبقي الحكومي-الديني (في القرون الثلاث السابع والثامن والتاسع عشر) في البيئات الطبيعية,بين الناس البسطاء والطبقات المتوسطة الثقافة والتعليم,
وقد كانت روح المدنية الأوربية تتجسد في الاطروحات الفلسفية السياسية,المعتمدة على نظريات البحث والتحليل والتصور المنطقي لتفكيك السلطات الإمبراطورية المهيمنة على تلك المجتمعات,فظهر جيل من الفلاسفة المنظرين للدولة المدنية المتعددة السلطات (التنفيذية-التشريعية-القضائية إضافة إلى الهيئات المستقلة),فكان منهم منظر فصل السلطات الثلاث الفيلسوف الفرنسي  مونتيسكيو(1689-1755م) المتمثلة بكتابه روح القوانين,وكذلك أفكار الفلاسفة أمثال جون لوك (الحكومة المدنية) وهوبز في كتابه التنين وغيرهم,حتى اكتملت الرؤيا الحضارية المتعلقة بكيفية بناء العلاقة الصحيحة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم من خلال طرح وثيقة العقد الاجتماعي الذي قدمه الفيلسوف الأوربي جان جاك روسو,
والذي اختلف عن سابقيه في تحيد وتوضيح تلك المفاهيم,أراد أن يأخذ بيد العامة من الناس إلى مفهوم التعامل المتكافئ بينهم وبين السلطات الرسمية,
شارحا حدود التوافق بين مفهوم الحرية الاجتماعية والشخصية وبين القوانين والأنظمة التي تخدمهم جميعا,ودحض حجج بعض فلاسفة التفوق العرقي والتمايز ألاثني بين الشعوب,وهي رد على مفهوم صدام الحضارات الملغم بالأجندات السياسية الرأسمالية,الشعب هو مصدر القوانين والتشريعات(التي يمكن إن تنظم عن طريق الاختيار الحر البعيد عن المحسوبية الطبقية)والحريات الخ.
سبق الإسلام الحضارة الغربية في تعريفاته الأخلاقية الشرعية للروابط الاجتماعية بين الحاكم والرعية,وقد وضعت محددات ثابتة تسير تلك العلاقة دون تمييز,ولكن فشل الدولتين الأموية والعباسية في تطبيق شروط تلك الحقوق المسندة بالأدلة الشرعية, أضاعت فرصة تقدم الشعوب الإسلامية وازدهارها,وغيبت تلك الفترات الحقوق الاجتماعية ,وفككت روابط العلاقة بين الخليفة ورعيته كما ذكرنا سابقا
(مع إن مفهوم الفصل بين السلطات كانت قائمة في بعض مراحل تلك الدول حيث أعطي للقضاء شيئا من الحرية والاستقلال في الحكم ولكنها لم تنفصل عن سلطة الخليفة),
فعادت الحضارة الغربية بعد قرون لتستلهم من تجارب الشعوب الأخرى,فرصة ترسيخ مفاهيم جديدة تشرح مثل تلك الأواصر الضرورية الضامنة لوحدة المجتمعات,انطلقت من أزماتها الأخلاقية التي كانت إلى فترات قريبة مشحونة بالعقليات العرقية العنصرية,وأسلوب القوة المتبعة في التعامل مع الشعوب والحضارات الأخرى.
الحضارة الالكترونية استطاعت أن تستوعب كل تلك التجارب والأطروحات الفكرية الفلسفية في أنظمة ديمقراطية حديثة,اتسمت خطوطها العريضة بعقيدة النظام العلماني المتحرر من سلطة القيصر والكنيسة,وهكذا لحقت بها الأمة الأمريكية ,بعد أن اتخذت من قوانين رفع القيود العنصرية عن المواطنين الملونين وسيلة وطنية موحدة لهذا الشعب المتعدد الأعراق والأجناس والألوان,حتى استطاع أول مواطن أمريكي من أصول افريقية إن يدخل البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
تجاوزت المجتمعات الأوربية المتطورة  مسألة الفوضى السياسية التي لازالت مدن الشرق وبلدانها تعيش وتحيى بها,وأصبحت كتب فلاسفة عهد الحداثة والتنوير مركونة على الرفوف بسبب التقدم التكنولوجي والمعرفي الذي اخذ مديات أوسع من تلك الأفكار المؤسسة لتلك النظم المستقرة,وصار صراعهم الجديد صراع التجارة والاقتصاد والأسواق الحرة
(وصراع الأنظمة المالية بين الرأسمالية الحادة والاشتراكية المحدودة),
ولهذا هم بحاجة لفلاسفة اقتصاديين ينتشلون مجتمعاتهم من الانخراط أكثر في النظام الرأسمالي الحاد,مع ازدياد حده المطالب الاجتماعية بتوفير سبل عيش أكثر تنظيما واستقرار وعدالة,فالأزمة المالية الحالية كشفت الغطاء الرئيسي عن علاقة الدولة بالمؤسسات التجارية والمالية والمصرفية المستقلة التي يعاني منها المواطن الأوربي.
ولكن التجارب المفروضة في منطقة الشرق الأوسط يبدوا إنها لا تقدم نموذجا مقبولا ومواكبا للتقدم المدني الحاصل في معظم الديمقراطيات الحقيقية,فقد أثيرت في العراق مشاكل وأزمات أثنية طائفية وعرقية,اعتمدت موادها المقرة في الدستور كخارطة لطريق الفوضى الاجتماعية والسياسية,
ولهذا نعتقد إن المجتمعات الحضارية السائرة في اتجاه تطبيق النظم والتشريعات والقوانين المتوافقة مع روح الدولة الديمقراطية ومضامينها الرسمية المدنية,تحتاج إلى إعادة دراسة وقراءة المفاهيم السيادية الموحدة للمجتمعات المتعايشة سلميا في أوطانها,ومنها تلك المتعلقة بثوابت العقد الوطني ,الذي يمكن له أن يكون خارطة طريق واقعية تنقذ الدول الاثنية(المتعدد الطوائف والقوميات والأديان),
وتكون عقد مقدس لا يمس من قبل أي طرف يريد إن يهدد حياة الناس ووحدة وسلامة الأراضي الوطنية,بحيث يمكن إن تتراجع الأمة العراقية عن قرارها الخطير الذي صوتت به مجتمعة على جميع مواد الدستور العراقي,وتجعلها خطوة من خطوات إعادة بناء القواعد الأساسية ,التي يجب أن تتفق عليها جميع مكونات المجتمع العراقي,واضعة خطا احمرا لا يمكن إن يتجاوزه احد مهما كانت الظروف والخلافات ,
التي يمكن أن تنشب بين الكتل والمكونات والأحزاب الفاعلة في الساحة ,وتتابع بهمة عالية مسألة تعديل مواد الدستور,وطرحها أمام الشعب بطريقة حضارية شفافة,بغية السماح بإعادة التصويت على الفقرات والمواد المتعلقة بتحجيم دور الدولة المركزي في إدارة مواردها وعائداتها المالية وطرق صرفها وتوزيعها,وبحث مسألة التشريعات والقوانين الفيدرالية الاتحادية.
الشراكة الوطنية في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة تعني إن الأصوات العراقية المنتخبة للحكومات متساوية بالحقوق والواجبات,ولا توجد فواصل عرقية أو أثنية تميز طرف على أخر,أو تمارس الكتل البرلمانية الكبيرة نوع من السيادة المطلقة على مجمل العملية السياسية,بل هي مسؤولة عن تطبيق ميثاق العقد الوطني بشكل كامل, وفقا للالتزامات الأخلاقية والشرعية والإنسانية تجاه بقية مكونات المجتمع العراقي,
ما نشهده اليوم في عراق ما بعد الدكتاتورية بلد قائم على رضا وتوافق بعض القيادات السياسية(قيادات ليست بخيارنا وإنما فرضت علينا) والأحزاب والكتل البرلمانية(التي لا يمكن اعتبارها كتل ممثلة لجميع أطياف الشعب العراقي لأنها جاءت وفقا للقوائم الموحدة واليات غير صحيحة),
فمن الصعب أن يبقى الشعب العراق في موقف المتفرج ,وهو يرى كيف تدار العملية السياسية ومؤسسات الدولة ودوائرها الحكومية,المغلقة على بعض تلك الجهات المستغلة لضعف الإرادة الوطنية والإمكانات الجماهيرية التي يمكن لها إن تسرع من وتيرة سير عجلة تدهور الأوضاع الداخلية وإشاعة فوضى التخندقات والاصطفافات الطائفية والقومية, المهددة لوحدة وسلامة واستقرار بلادنا, إن ما نطرحه هنا من مفاهيم وطنية غائبة عن وعي القائمين على إدارة الدولة ,
الذين مارسوا عملية تركيز وتثبيت أسس التقسيم ألاثني بين مكونات المجتمع الواحد,فنحن نراهم يحضرون بقوة الندوات والمؤتمرات واللقاءات الاثنية المعقودة على أسس ومطالب سياسية خاصة,بعيدا عن الأرضية الوطنية الموحدة, تصرفات غريبة لم تستوعب أو تمس شعورهم وإحساسهم الوطني ,تلك التهديدات وحجم تلك المخاوف التي يمكن أن تحصل لهذا الوطن المجزئ والمفتت ,وفقا للعرق والدين والطائفة,
لا يستحي احدهم عندما يتحدث بلغة الأقلية الأثنية,دون  أن يعرفوا حجم هذا الوطن ودوره الحضاري المسجل في تاريخ البشرية جميعا,لو كان بالفعل هناك عقدا وطنيا بين هذه الكتل لما أشيعت نزاعات المناطق المتنازع عليها,وأثيرت خلافات حدود المحافظات المتداخلة المتجاورة,ولما قالت الأقليات نريد المزيد من سلطات الحكومة المركزية الخ.
 من الممكن أن يتم تلخيص مواد وبنود العقد الوطني للأمة الاثنية ,وفقا للاتي:
أولا:يحرم تشريع القوانين والأنظمة الرسمية المصنفة أو المميزة للمكونات والتجمعات والأطياف الاثنية(التي تسن على أسس طائفية أو عرقية), لأنها تعتبر اللبنة الأساس في تفتيت جسد الدولة الموحد,وتقسيم الولاء الوطني للأرض ,وتشتيت الانتماء تبعا للبقع الجغرافية المتواجدة عليها تلك المكونات الخاضعة لمثل تلك التصنيفات,لم يشهد التاريخ إن دولا استمرت موحدة وهي تعيش تناقضا وطنيا ,تحمل فيه بعض المكونات الاجتماعية هموما اثنية طائفية أو قومية تعلو هم الوطن ككل.
ثانيا:لا يمكن اعتبار الحقوق الاجتماعية الثقافية والفكرية الخاصة ببعض المكونات الاثنية جزء من تراث وثقافة منفصلة عن ثقافة الدولة الرسمية,بل هي جزء لايتجزأ من الثقافة الوطنية,يمكن اعتماد مفاهيم اجتماعية مشتركة, وفق مبدأ الشراكة الثقافية والحضارية,واعتبار بلادنا من البلدان المتعددة الثقافات والحضارات والأعراق,تندمج الرؤى والأفكار والبرامج المتقاربة من خلال تشكيل لجان وطنية منوعة تقوم بدراسة مسألة دمج وتوحيد تلك الثقافات ,وتعميم أدبياتها الثقافية وتراثها الإنساني على جميع مؤسسات الدولة التربوية والثقافية,
فمع إنها ثقافات متنوعة ومتعددة يصعب اندماجها بسهولة ,حيث يمكن أن تكون تلك الثقافات متباعدة ومختلفة تمام الاختلاف
(كثقافة اللغة والعادات والتقاليد والأعراف المختلفة كما هو حاصل في العراق وبعض الدول الأوربية الحديثة العهد بثقافة المهجرين),
إلا إنها لا تمثل تهديدا لوحدة وسلامة الدولة وحدودها الكاملة ,إن ابتعدت جذريا عن العمل والتدخل والتأثيرات السياسية,بحيث يمكن الاحتفال بها شعبيا كل عام,ضمن مهرجانات جماهيرية مشتركة لا تحمل أية مفاهيم انفصالية خاصة.
ثالثا:يحرم على المسئولين الحكوميين التطرق إلى مسألة الثقافات والأثنيات والعرقيات وحقوق الأقليات وفق منظار سياسي بحت,على اعتبار إن الدستور المعد وفقا للشروط الديمقراطية الصحيحة, قد تكفل بإنصاف تلك الشرائح الاجتماعية المظلومة,
ولكن تجزئة الحديث وتخصيصه لبحث مسألة تواجد الأقليات ضمن إطار الدولة الديمقراطية الموحدة,يعني انتقاص واضح للنظام الديمقراطي الشامل,حيث يمكن له أن يرسل رسائل وخطابات متشنجة أحادية الأهداف تحمل عدة أوجه,وسوف تعطي انطباعا على فشله في استيعاب تلك المكونات ودمجها في منظومة الدولة الرسمية ومؤسساتها التربوية والثقافية العامة الخ.
لا وجود للأحاديث والاحتفالات السياسية التي تقام على أسس طائفية أو قومية أو أية مسميات أثنية أخرى ضمن إطار الدولة الديمقراطية,ما لذي يعنيه إن تطالب أقلية معينة كبيرة أو صغيرة بحقوقها السياسية أو الاجتماعية أو حتى الثقافية الخاصة,
إن ما تعنيه تلك المطالب لا يخرج عن معنيين الأول فشل الدولة في دمج هذه الأقليات ضمن منظومة دولة المؤسسات الوطنية,أو تبحث وتريد هذه الأقليات بدولة الحكم الذاتي-الفيدرالي-الاتحادي,وخصوصا إننا نعرف إن النظام البعثي البائد لم يفرق بين احد بدكتاتوريته,على الرغم من إعطاءه للمكون السني امتيازات كبيرة بغية الاتكال عليهم في الأزمات,إلا إنهم لم يسلموا جميعا من بطشه وطيشه ودمويته,فكان لهم نصيب بالجرائم المرتكبة ضد الشعب العراقي بأكمله .
رابعا:يعد الاهتمام والاحتفاء المنفرد بالقوميات والطوائف والأقليات ضمن فعاليات ثقافية واجتماعية خاصة أو عامة,منقصة بحق الدولة وضربا للعقد الوطني ,الذي يجب أن يفرض قواعد وأسس أخلاقية وطنية  محترمة ومقدرة من قبل الجميع دون استثناء,ولهذا يجب أن يكون الاهتمام الرسمي والجماهيري بتلك الفعاليات والمهرجانات والاحتفالات الشعبية الدينية أو الفنية والثقافية اهتماما مشتركا,تسخر له الدولة كافة الإمكانات المتاحة لإنجاحها,دون إن تبتعد تلك الفعاليات عن منهج الدولة الواحد,المقصود من هذه الفقرة هو عدم تقسيم وتشتيت اللحمة الوطنية المعتمدة من قبل جميع التيارات والأحزاب والإطراف المختلفة المشاركة في برنامج إدارة الدولة ومؤسساتها الحكومية
(حيث يمكن اعتبار الاحتفالات والمهرجانات الخاصة بقومية أو طائفة معينة هي جزء من الاحتفالات الوطنية التي يجب إن تبتعد عنها المطالب السياسية والانفصالية).
ولهذا نعتبر بعض الاحتفالات ألاثنية التي تقام في عدة دول ديمقراطية متقدمة خطرا على مستقبل الاندماج ألاثني في تلك الدولة,ولهذا نجد إن رفع الإعلام الخاصة
(كما هو حاصل في استرالية وكندا وبعض الدول الاسكندينافية حيث ترفع إعلام دول الأصل بالنسبة للمهاجرين في الاحتفالات الشعبية مع إن الدول غير مكترثة بهذه الحالة) في مثل تلك المناسبات يعد خرقا للوحدة الوطنية,
(كأن يكون علم أو راية لحزب أو إقليم أو محافظة),
ولهذا تعددت الرايات وتلونت في منظومة البيرق الذي ترفعه العشائر والقبائل العراقية,وهو دليل الاختلاف والتنوع المحلي المحدود,ولكنه يبقى مؤثرا ويحد من عزيمة وروح الانتماء الوطني,وهذه الوتيرة لعبت عليها الأنظمة الدكتاتورية طويلا,وقد تستخدمها بعض العقول السياسية المريضة,التي لا تريد إن تفهم حقيقة النظام الديمقراطية وطبيعة مفهوم التداول السلمي للسلطة.
خامسا:اخطأ المشرع الدستوري باعتماده مبدأ ازدواجية الهوية الوطنية والثقافية, بإضافة فقرة التخاطب الرسمي باللغتين العربية والكردية,والإطالة في التعريفات الاثنية وحقوقها, دون ان يسمح للنهج الوطني أن يكون سيد الدستور والعمل السياسي,
فهو جزءَ وقسمَ الولاء الوطني,وحذف أو ألغى حقوق الأغلبية الجماهيرية إرضاء للأقلية الكردية البسيطة (وفقا لمعيار الأقليات المتعارف عليه في بقية الدول الشبيه بحالة العراق),وكان عليه إن يتبع الأساليب الديمقراطية الحديثة المعمول بها في بعض الدول الغربية,
بحيث تترك اللغة الوطنية الموحدة للدولة,ومن ثم يمكن إضافة فقرة يجوز استعمال والتداول والتخاطب الرسمي والعام ببقية اللغات المتداولة محليا(اللغة الكردية والتركمانية والأشورية الخ),
بمعنى أخر إن الكتب الرسمية المرسلة إلى مناطق التواجد ألاثني(القومي), يمكن إن تكون بعدة لغات بضمنها اللغة الوطنية ولغة القوميات المتواجدة في تلك المناطق,وكما هو معمول به في اغلب الدول الغربية ,بحيث تكون المعلومات الثقافية والتعليمية والتوضيحية الخاصة والعامة مكتوبة بعدة لغات من اجل التخفيف على المهاجرين الجدد من التعرف على تلك التعليمات,بل توفر أيضا خدمات الترجمة الشفهية عبر الهاتف أو من خلال تخصيص موظفين لتلك المهمة,يحق للأقليات أن تخاف على مستقبل تواجدها وحقوقها المرهونة ضمن إطار دولة الأغلبية,
ولكن باستطاعتها أن تفرض مواد وطنية تهم وتخص الجميع دون استثناء,يمكن إن تكون ضمانا وطنيا وأخلاقيا يكفل تطبيق ميثاق العقد الوطني, الذي تتفق عليه جميع الإطراف,علما إن التاريخ يشرح لنا إن التغييرات السياسية للأنظمة الحاكمة القادمة عن طريق الانتفاضات وثورات الشعوب لا يمكن أن تعود إلى نقطة البداية (إلى الأنظمة الشمولية المستبدة),
فقط تبقى الانقلابات العسكرية هي من يرسخ مبدأ القوة والقبضة الحديدية في إدارة الدولة
(وهذا ما حصل في اغلب أنظمة الانقلابات العسكرية ونرى ما يحصل في مصر بعد فترة حسني مبارك إن الجيش رغم انه لم يمارس سلطة الانقلاب إلا انه يبحث عن دورا مشابها لدور المؤسسة العسكرية السابقة في إدارة شؤون دولة تركيا).
خامسا:تمتنع الحكومة والبرلمان المنتخب والأجهزة الأمنية والقضائية عن ترديد العبارات الحاملة لعدة أوجه من التفسيرات المشوهة للثقافة الاجتماعية(الخيانة والمؤامرة),وبالتالي يمكن صياغة تلك العبارات بشكل حضاري اخف تأثيرا على مسامع الأجيال والعاملين في بقية الكتل السياسية المعارضة للبرامج الحكومية للكتل السياسية الأخرى,فقد اعتمدت بعض الدول الحضارية المتقدمة وفقا لأنظمتهم السياسية الديمقراطية الشفافة عبارات تشبه عبارات التهديدات الخطيرة للأمن القومي والمجتمع(الإخلال بالأمن-إشاعة الفوضى-تعطيل الحياة العامة-الإضرار بالمؤسسات الحكومية-التخابر أو التجسس مع جهات معادية مع إنها غابت بعد نهاية الحرب الباردة, الخ.)
وهذه المواقف تنطبق وفقا للقانون والتشريعات البرلمانية الخاصة بالجهات والأشخاص الذين يروجون للأفكار الانفصالية
(كتصريحات حق تقرير المصير-إقليم فيدرالي انفصالي-التهديد للحكومة المركزية الاتحادية بالعصيان المدني- التهجم وإشاعة ثقافة الكراهية والحقد والعنصرية على المكونات الاثنية والمؤسسات الحكومية عدى الانتقادات الموضوعي,الخ.)
لهذا تعتبر الدول الاثنية المتعددة الطوائف والأعراق دولة متعددة الثقافات, يجب حمايتها من التدخلات الخارجية والتصريحات الانفصالية المهددة لوحدة الوطن وامن البلاد والعباد ,وتحتم على الجهات التشريعية والقضائية الإعداد لمسودات مشاريع وطنية تعالج ظواهر الخلل ,التي قد تطرأ على الحياة السياسية والاجتماعية في العراق.
سادسا:تعد ثقافة المناطق المتنازع عليها بين المحافظات والأقاليم من الثقافات العنصرية الانفصالية,واعتبار عملية الترويج لها من قبل بعض المسؤولين  خروجا على الدستور والقانون والنظام,وتهدد النسيج الاجتماعي المتداخل ,وتخل بالنظام الإداري الموحد للدولة,
بحيث يمكن أن تتم متابعة الحدود الإدارية بين المحافظات من قبل الجهات الإدارية المختصة دون الحاجة إلى إشاعتها والتحدث والإشارة إليها إعلاميا,
كان يمكن أن تكون جميع الكتل المشاركة في أية عملية سياسية ,تقام على أنقاض التاريخ العنصري للحكومات السابقة, أكثر وعيا وحكمة في اتفاقاتها السياسية, وان تضع في حساباتها إيجاد السبل الكفيلة بتوحيد الجهود الوطنية لمنع حدوث الاهتزازات والانقسامات العرقية والطائفية الهادفة لتمزيق وتقسيم الدولة,وتتعرف أكثر على الخبرات والتجارب الديمقراطية العالمية,وتبتعد عن الأسلوب والنهج السياسي التقليدي الذي اعتمدته في خطاباتها وبرامجها السياسية المعارضة للنظام الدكتاتوري السابق,وتبتعد عن التصورات البدائية في توزيع المناصب الحكومية وخصوصا لبعض الوزارات المهنية على بعض الأشخاص الغير مهنيين(ولا يملكون أية خبرات حتى البسيطة منها في مجال عملهم),مع إننا نرى إن الدول العربية والإقليمية وبقية دول العالم تستخدم طاقات بلادنا في بناء وتطوير تلك البلدان الغريبة,
إن طرح مفهوم العقد الوطني نعتقد انه مختلف تماما عن ما طرح سابقا من قبل فلاسفة الغرب عبر ترسيخ مبدأ العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب,
ألان نحن نرى بوضوح دخول بعض الأجندات الخطيرة القاصدة لتفتيت وتقسيم الدول العربية الغنية والقريبة من دولة الكيان الصهيوني,من خلال إثارة الفتن النائمة بين المكونات المختلفة عرقيا ومذهبيا وثقافيا,وهي من اخطر المراحل التاريخية التي تواجهها المنطقة. الاختلاف العرقي والمذهبي.
الدستور الذي تكتبه الأيادي المتناقضة والمختلفة ثقافيا وعرقيا وطائفيا عليها أن تقف عند حدود العقد الوطني ,لتلزم نفسها وأتباعها ومؤيديها بوثيقة العقد الوطني ,ولا تسمح لنفسها أن تغامر بمستقبل البلاد لحسابات شخصية مؤقتة لن يكتب لها البقاء مطولا,وألا فهي تبني وتؤسس لنا قاعدة للفوضى القادمة للدولة المفككة المقسمة لعدة دويلات أثنية,وهي خطوة لانهيار دولة عرفتها الأمم بحضارتها العريقة (حضارة وادي الرافدين -بلاد مابين النهرين!