شمسنا واحدة وأرضنا واحدة والشعوب كثيرة والأديان مختلفة وأُختير الإنسان ليكون أرقى مخلوق على الأرض ليبني ويُعمر فيها وليعيش ويتعايش مع بقية نسل آدم. ولكن هل أجاد الإنسان في المهمة المناطة به؟
بالرغم من الأعمار والإكتشافات التي قام بها الإنسان على مر التاريخ والأوطان التي بناها, إلا أن الغريزة الحيوانية للبقاء وفرض السيطرة على عدد أكبر من الأراضي وبالتالي فرض عادات هذه القبيلة أو تلك العشيرة, أنتج عنها الحروب والوفوضى والقتل والدمار.
بإسم الدين أقيمت الحروب منذ القدم لنشر الدين الجديد فقاموا بتهجير وأسر وقتل من كان على الدين القديم.أما اليوم فبإسم المصالح مُتخذين غطاء الدين في مسعاهم, تم قتل وتهجير المئات من المسيحيين والإيزيديين من العراق وقد لحقوا بركب اخوانهم العراقيين من اليهود في اربعينيات القرن الماضي في واقعة الفرهود.
لنسلم بالأمر بأنه لم تكن هنالك وحدة بين العراقيين أو لربما كانت موجودة ولكنها نادرة وعلى فترات مُتباعدة من التاريخ, وهوالسبب الرئيسي لظهور الثغرات في المجتمع العراقي وتزعزع صفوفه ومن ثم ظهور النزاعات بين أبناء شعبه.
منذ أكثر من خمسين سنة والعراقيون لم يرضوا بملك ولا برئيس جمهورية ولم يتفقوا على نظام دولة واحدة ولاعلى دستور واحد! بل وأثبتت التجارب الحياتية, إنهم لم يعرفوا الديمقراطية ولم يتقنوها, وكل كلمة حُرة مُعبرة سيعترض طريقها أكثر من واشي وعميل. إذن السبب ليس بهذا الملك أو ذاك الرئيس, وإنما في خيارات الشعب وقراراته ومايدعو للحزن والأسف أن العراقيين لم يتمكنوا بالإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية أو الغير العادلة التي حكمت البلاد بأنفسهم, بل كانت هنالك تدخلات خارج الوطن بهذا الخصوص. فقد كان العراقييون في أغلب الأحيان مُسيرين وليسوا مُخيرين.
لنتذكر معاً الأيام المبهجة التي كنا نعيش تحت أفيائها في العراق, ذلك الخليط المتنوع من البشر الذي كان يزور بيوتنا ونذهب معاً للسفرات والأندية, هم أصدقائنا من الصابئة والمسيحيين والمسلمين حيث كنا نجلس جميعاً على مائدة واحدة نتقاسم وإياهم المناسبات السعيدة, نرقص معاً, نغني ونضحك, نتبادل الزيارات والمؤانسات و الأحاديث الودية والثقافية فتزداد بيننا المحبة والأخوة والألفة.وفي هذا إثراء فكري وعقلي للإنسان.
أتذكر تلك الأيام بكل حنين وبألم أقرأ عن ثقافة عريقة أضمحلت من العراق وهي ثقافة اليهود العراقيين وعن شخصيات تركت بصماتها الطيبة وأغنت دولة العراق طبياً, فكرياً وثقافياً وعلمياً وفي كافة المجالات الحياتية. تلك الشخصيات خدمت العراق بإخلاص ومع هذا أسقطت عنهم الجنسية العراقية. أود ان اذكر بعض من يهود العراق المتميزين, قسم منهم تعرض للإجحاف واُسقطت منه الجنسية.فقد إعتمدت في عرض الأسماء على ما قرأته
من كتب بخصوص يهود العراق والتي إقتنيتها من معرض بغداد الدولي للكتاب وعلى بعض المقالات التي قرأتها في الإنترنت.
جاك عبود شابي الذي كان يتفرغ ثلاثة ايام في الإسبوع لمعاينة ومعالجة الفقراء من دون مقابل ولهذا سُمي بطبيب الفقراء إلا إنه وعلى غرار بقية اليهود أسقطت عنه الجنسية العراقية عام 1972م لسبب واحد فقط لأنه يهودي الديانة وسافر إلى بريطانيا, حيث عمل طبيباً هناك وكان يُردد حتى الرمق الأخير ” أنا عراقي حتى أموت”.
كلنا سمعنا أو قرأنا عن مجموعة الأطباء اليهود اللذين عالجوا أطفال العراق بعد احداث 2003م في الأردن وإسرائيل, فقد أنطبع نُبل موقفهم في بالي. أذكر ايضاً طبيب إسرائيلي, عراقي الأصل من جهة حيث نقل الأب حنينه وحبه لبلده لإبنه, وهكذا شاب الإبن على خطى أبيه ومنح محبته لأطفال العراق بعلاجهم ورعايتهم.
لايفوتني أن اذكر مضايف مناحيم دانييال حيث فتح ابواب بيته لكل معارفه ولكل من له حاجة, فقد احسن ضيافتهم وإستقبالهم ومساعدتهم.
وعلى العراق بأن يفتخر بأول وزير للمالية في العصر الحديث والذي عُرف بنزاهته في العمل هو ساسون حسقيل اليهودي الأصل, مُنظم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق كما وأُشتهر بضلوعه في علم الإقتصاد والشؤون المالية.
كما وأتذكر بحزن حادثة فرهود التي أودت بأرواح العديد من الناس الأبرياء.
أما في الوقت الحاضر فقد فتك تنظيم داعش بنساء وأطفال ورجال يزيديين , صادرأراضيهم,وأخرجهم من بيوتهم إضافة إلى الإنتهاكات الجنسية والإغتصاب الذي مُرس على النساء والبنات. وعمل الإرهابيون على تهجير وقتل العديد من المسيحيين وإجبارهم على الدخول في الدين الإسلامي.
قبل فترة قريبة شاهدتُ إفتتاحية أولمبياد برازيل التي اثارت إعجاب كل من شاهدها, ومما يدعو للذكر ان الأولمبياد قد أفتُتحت بفعالية تتحدث عن تاريخ نشوئها, حيث إنها نشأت من خليط متنوع من الأعراق البشرية من الهنود والعرب( اللبنانين والسوريين), الأفارقة واليابانيين, وكانت دهشتي كبيرة عندما علمتُ أن أكبر جالية يابانية بعد اليابان موجودة في البرازيل. والبرازيل تفتخر بذلك. هذا التنويع ليس فقط في أعراق البشر وإنما في الديانات أيضاً.
فلماذا بعد ان كنا نعيش بصفاء ووئام كلٌ في بيته, يجاورنا المسلم والصابئي والمسيحي واليهودي واليزيدي نتبادل تحايا الصباح والسلام, نفرح بالجيرة الطيبة وكنا قنوعين بالحياة البسيطة . قد اصبح الجار لايُطيق جاره والأخ يُعادي أخاه , وكل من كان على غير الدين الإسلامي ليس له الحق في الإرث والمطالبة بأبسط حقوق والديه, بل أن هنالك مشاكل واجهت العديد من العراقيين في الإستحصال على الجنسية العراقية بعد فقدان جنسياتهم !
بل هنالك حالات عديدة تم فيها سحب الجنسية العراقية من بعض العراقيين في الوقت الحاضرولأسباب غير منطقية.نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين ودول تُخطط لإجراء رحلات سياحية للقمر والحكومة العراقية مُترددة في إرجاع حقوق المواطنين !
أطالب ومن خلال مقالتي هذه بإعادة الجنسية العراقية لكل مواطن له الحق في ذلك ومن أسقطت الجنسية عنه سابقاً أو حالياً لأسباب دينية وغير منطقية والمطالبة بالحقوق التي يمتلكها داخل العراق وإعادة الممتلكات إليه, فلاأقسى ان يُعامل الإنسان داخل بلده كغريب أو منبوذ, لمجرد إنه يهودي أو يزيدي او مسيحي.
فلو أراد الله ان يجعل البشر متشابهين في كل شيء لجعلهم يتكلمون لغة واحدة في جميع الدول!! فعندما خلق الله البشر مختلفين في الشكل واللغة والدين كان له حكمة في ذلك.
ولاأحكم من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجه سارة وهي إبنة مدينة أور العراقية, عندما خرج للأرض التي وعده الله بها, تاركاً أرض أور في العراق والحران في سوريا, فهل بعد ان ترك نبي الله حقه وحق زوجه سارة في العراق وسوريا قد إستقامت أمور البلدين؟!! هل هنأ الشعبان بأرضيهما؟
لاتستقيم امور بلدٍ ما إلا إذا سُنت قوانين مدنية عادلة بموجبها يتمتع الشخص بحق المواطنة تمكنه من أخذ حقوقه كاملة من بلده أو البلد الذي عاش فيه ابويه وأجداده.
لنعتمد على الأصالة العراقية والبذور الطيبة التي لازالت موجودة في نفوس الكثير من الناس لتجاوز هذه المحنة العصيبة.
ففي التنويع البشري وإختلاف أديانهم إثراء لثقافة البلد وإرتقاء لنفس الإنسان.ويكفي فخراً للعراقيين ان سارة زوجة النبي إبراهيم هي إبنة أور, إبنة العراق.