في مقال سابق كتبته ونُشر في موقع كتابات الموقر بتاريخ 8 آب الجاري ، ذكرت فيه بأن الدولة العميقة لا ولن تسمح لأياً كان أن يكشف فضائح فساد شبكاتها السرية وأدواتها وعناصرها. هذه الدولة التي ترعاها مافيات فساد عميقة متغلغلة في عموم مؤسسات البلد ، وممتدة الجذور الى دول تستفيد منها وبالمقابل تقوم بحمايتها من اجل الاستمرارية والبقاء ، بهدف تبادل المنافع والاستيلاء على ثروات ومقدرات العراق والعراقيين.
العبيدي ، هو أول وزير يظهر في استجواب رسمي في البرلمان منذ 2003 ، يتحدث بكل صراحة موجها الحديث الى رئيس مجلس النواب متهما إياه بالفساد ، لذا لم تتركه الدول التي ترعى الدولة العميقة ، وأولهما الولايات المتحدة وايران .
امريكا غير راضية عن ما قام به العبيدي لأن الجبوري يعتبر احد رجالاتها ، الذي هو من الاخوان المسلمين الذين تحتضنهم لمدة معينة ثم تقتص منهم او تتركهم للذئاب السائبة ، كما فعلت بالرئيس المخلوع مرسي وغيره ممن دعمتهم في مسرحيات الاستيلاء على السلطة في بداية الامر وعندما انتهت اوراقهم تركتهم لمن يبطش بهم دون عونٍ منها.
أما ايران فقد تابع الجميع كيف قام سليم الجبوري بزيارتها قبل يومين ، وما هي الصفقة الجديدة والشروط المطلوب منه الموافقة عليها من أجل دعم عملية إقالة العبيدي ، بعد ان برأته المحكمة الاتحادية برمشة عين وعلى مرأى ومسمع من الجميع بدعم امريكي/ ايراني وكأنها تقول للعراقيين اذهبوا واضربوا رؤوسكم في اقرب حائط ، فنحن لا نحاكم رجالاتنا وإن عاثوا في الارض فساداً.
اقالة العبيدي بالامس هو انتصار العهر على الشرف ، فالرجل نجح في ادارة وزراته منذ توليه مهامها وحقق تقدما عسكريا مع بقية القطعات المتجحفلة معها بطرد الدواعش من مدن عدة كانت قد سقطت في عهد المالكي ووزير دفاعه ،الدليمي ، ولم تقدم يومها (لا رية و لا سكينة) طلبا لاستجوابهما .
ثم ما قيمة هاتين النواحتين في مجلس النواب بألسنتهن الطويلة وصراخهن ومشاجراتهن ، وما هو تاريخهن ليقمن باستجواب وزير دفاع ، ضابط مهني متدرج في السلك العسكري – ليس مدموجا ولا مندمجا – مشهود له بالكفاءة والنزاهة وحسن الخلق ، يقود القطعات العسكرية حاليا وهي تتقدم لتحرير مدينته الموصل مما يعطي رسالة ايجابية الى ابناء هذه المحافظة بأن من يقود القطعات هو رجل من بينهم ، ومن دفع بهاتين النكرتين الى اجراء الاستجواب واحدا تلو الآخر ؟ انها مؤامرات الدولة العميقة التي يخطط لها في الخفاء وينفذها عناصرها في مختلف مؤسسات الدولة الوطنية الضعيفة.
جهات سياسية مختلفة حذرت من تسويف التحقيق وإغلاقه دون نتيجة ضد الجبوري ، وهو ما حدث بأسرع من البرق بل وتم قلب المجّن للسيد العبيدي كما حدث بالامس ، ولن اخوض في تفاصيل كتبتها في المقال السابق يوم 8 آب الجاري، اذ يمكن الرجوع اليه لأنها سوف تغني عن الاعادة والتكرار والاسهاب.
في الختام ، نحن على يقين بأن هذه المعركة إن آلت لصالح الفاسدين من أبناء وأنصار الدولة العميقة ، فلن ينتصروا في الحرب الطويلة ذات المعارك المتعددة القادمة ، إذ لن تكون لصالحهم فالشعب سوف يتدخل يوماً ما لانهاء المهازل التي تجري منذ سنوات دون توقف.
وما يحضرني في إقالة السيد العبيدي ، صدق ما قاله الشاعر :
بينما المرء رخيّ باله قلب له الدّهر ظهر