ان ما يهز المراقب ان جميع حكومات العالم تتحدث كل يوم عن امور البلد الاقتصادية ولبعض الحكومات برنامج يومي يشير الى حالة البلد اليومية من حيث المنجز من المنهاج الوزاري ومدى تطبيق الخطط الاستثمارية ونسب المنجز من المشاريع المهمة ، وحالة السوق واسعار الصرف للعملة الوطنية ، الا حكوماتنا ومنذ عام 2003 ، حيث لا برنامج حكومي محدد بالارقام ، والمواعيد ، ولا خطط خمسية او عشرية ، ولا حتى التطرق للوضع المالي بدقة ، الامر الذي يثير الريبة والاستغراب ، ورب من يعترض بالقول ان العجز في الميزانية لا يتيح التحرك باتجاه البناء والاستثمار الحكومي في المشاريع وهذا الاعتراض مردود الى صاحبه ذلك ان الدولة ومنذ السقوط لم تضع ولم تك تفكر بالاقتصاد والبناء رغم ان ميزانيات الكثير من الاعوام كانت ميزانيات متخمة بالاموال ، وان هناك العديد من المحافظات كانت ولا زالت بعيدة عن الارهاب والعمليات العسكرية غير ان عدم وجود العقلية الاقتصادية للحكومات المتعاقبة ، وخاصة عدم اهتمام رؤساء الحكومات بهذا الجانب ابعد الدولة عن مهامها الاقتصادية ، كما ان الدولة لم تك ولا زالت لا تحتكم على مستشارين لديهم الخبرة الاقتصادية والفنية التي تدفع بالدولة ووزاراتها للعمل على مواكبة الزيادة السكانية وتبدل الحاجات والتوجهات للمواطن العراقي ، وقد عمل التراخي الحكومي والفساد الاداري وسرقة المال العام على عجز وزارة التربية مثلا في مواكبة الزيادة في عدد الطلاب وظلت المدارس الطينية وظلت المدارس ثلاثية او رباعية الدوام ، كذلك ينطبق الحال على وزارة الصحة مثلا حيث يمر العام تلو العام والمستشفيات الاربع في بغداد غير منجزة ، وكذا مثلا مشروع قناة الجيش وغيرها من مشاريع الدولة الاخرى ، وان اهم الاسباب لكل هذا التلكؤ اضافة الى تاخر العقلية الاقتصادية الحكومية هو عدم وجود هوية اقتصادية واضحة للدولة ، فالدولة العراقية لا هي راسمالية ولا هي اشتراكية ولا هي سائرة على نظام راسمالية الدولة ، وهي حتى لا تؤمن بمبادئ عرابي الاشتراكية الدولية ومنهم الاستاذ جلال الطلباني ، وهذا المجهول انعكس على نشاط القطاع العام ، فبسبب ضياع الهوية ورغبة الدولة للتحول الى سياسة السوق وبسبب عدم قدرتها على تنفيذ ذلك لوجود موانع سلبية تركت القطاع العام يكسل تدريجبا وينام تاركا الانتاج جانبا وعاملا على استهلاك معامله ليتحول هذا القطاع من قطاع منتج لسد الحاجات الاساسية الى قطاع مستهلك يعتاش على الموازنة العامة ،
فوزارة الصناعة ووزارة التجارة ووزارة الاسكان والاعمار بل حتى وزارة الكهرباء وغيرها من الوزارات التي تمتلك شركات عامة كانت اغلبها ترفد الميزانية العامة بالاموال فبصدد اي تخربب للبلد يقف المواطن العراقي ، ولنضرب لكم مثلا ان الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية سددت لوزارة المالية من ارباحها 136 مليون دينار عام 1987 ، وكانت الشركة العامة لتجارة المكائن والسيارات وغيرها من شركات وزارة التجارة ترفد الميزانية من ارباحها السنوية ، علما ان الدينار العراقي في ذلك العام يساوي 3/3 دولار اي ان ما تسدده الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية للدولة ما يعادل 500 مليون دولار سنويا ، اضافة الى دفعها لرواتب اكثر من ثلاثة الاف منتسب ، ولديها رصيد المتاجرة الكبير في مصرف الرافدين ، وهذه الشركة هي ابنة مصلحة المبايعات الحكومية التي اسسها المرحوم عبد الكريم قاسم براسمال بسيط تم تنميته على يد العاملين في هذه الشركة ، واصبحت فيما بعد مدرسة النشاط التجاري الحكومي والتي كانت ترفد دوائر الوزارة بالكوادر المتخصصة بالتسويق والاستيراد والبيع وكانت هي المسؤولة عن توفير الغذاء للمواطن والقوات المسلحة والجمعيات التعاونية والاسواق المركزية والتغذية المدرسية لبرنامج وزارة التربية الغذائي ، وكذلك ينطبق الحال على الشركة العامة لصناعة الزيوت النباتية التابعة لوزارة الصناعة ، حيث كانت هذه الشركة تسد معظم حاجة العراق من الزيوت النباتية المهدرجة والسائلة وكذلك مساحيق الغسيل وصوابين التواليت ومنها صابون الغار المشهور والصابون السائل علامة (الزاهي)المشهور في العراق والدول المجاورة وكذلك تنتج الشركة معجون الاسنان عنبر وغيرها من المنتجات المنافسة للاجنبي من الصناعات المشابهة ، عليه من هو المسؤول عن توقف هذه الشركات ، ولماذا لم تواكب وزارة الصناعة عمل هذه الشركات وتطويره ؟كل هذه الاسئلة من الصعب الاجابة عليها لان هوية العراق الاقتصادية غير معلومة والى اين تسير الدولة بالاقتصاد الصناعي والزراعي والتجاري ، هذا التساؤل مطلوب من البرلمان والوزارة الاجابة عليه…