17 نوفمبر، 2024 11:34 م
Search
Close this search box.

العراق .. دولة الحرائق

العراق .. دولة الحرائق

إن ظاهرة حرق المؤسسات الحكومية والتي باتت تؤرق العراقيين هي ظاهرة غريبة عن المجتمع العراقي، ويمكن تقسيمها إلى قسمين أحدهما قبل احتلال العراق والأخر بعده، فقد ظهرت أول مرة بُعيد انتهاء العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991، عندما دخلت مجموعات مرتبطة بأحزاب السلطة الحالية قادمة من إيران، وقامت بحرق عدد من مؤسسات الدولة ومن بينها وزارات معينة التي كانت تعنى ببرنامج النفط مقابل الغذاء والدواء بهدف منع دخولهما إلى العراق وحرمان العراقيين منها، ومحاولة إرباك الدولة العراقية، وكذلك حرق دوائر النفوس والتسجيل العقاري وشمل ذلك نحو 14 محافظة، فيما يعرف بصفحة “الغدر والخيانة”، وكانت تهدف هذه الممارسات في حينها إلى محاولة التغيير الديموغرافي خاصة في المحافظات المجاورة لإيران بحرق دوائر النفوس، كذلك التلاعب في عائدية العقارات وتحويل ملكيتها إلى آخرين بحرق دوائر التسجيل العقاري، لكن هذه المحاولات فشلت بفشل المشروع الإيراني آنذاك وعودة تلك المحافظات الى حضن الوطن.
أما بعد احتلال العراق عام 2003 وتمكين إيران منه، فقد عادت ظاهرة حرق المؤسسات الحكومية والخاصة أيضا، حيث بدأت بعملية حرق مبنى الوثائق والملفات في وزارة النفط عام 2007، والتي تتضمن عمل الوزارة وواردات النفط. وأعقب ذلك، حرق البنك المركزي العراقي وخاصة قسم المفتش العام عام 2008، بهدف إخفاء وإتلاف أكبر قدر ممكن من الوثائق الرسمية التي تدل على تورط جهات داخلية وربما خارجية بجرائم فساد مالي وإداري، كما عبر عن ذلك في حينه رئيس لجنة النزاهة السابق في البرلمان صباح الساعدي.
وفي العام ذاته تم حرق القسم الذي يحوي ملفات العقود الخاصة بالبطاقة التموينية التابع لوزارة التجارة، التي تؤمن المواد الغذائية للمواطن العراقي بشكل شهري رغم عدم صرفها، فضلا عن الحريق الذي نشب عام 2014 في مكتب المفتش العام لوزارة الداخلية، والذي يحوي أهم ملفات الوزارة، فضلا عن حرق غرف العقود في وزارة الصناعة عام 2015 ، بالإضافة إلى حرق عدد من المجمعات التجارية الكبيرة في سوقي الشورجة والعربي.
لكن الحريق الأكثر بشاعة هو الذي التهم 22 طفلا من الأطفال الخدج مؤخرا في مستشفى اليرموك وسط بغداد. وفيما أكد تقرير لجنة التحقيق البرلمانية أن الحريق نشب بفعل فاعل، هناك اتهامات بأن الحريق هو للتغطية على جرائم الاتجار بالأطفال وتبقى هذه مجرد اتهامات لحين الكشف عنها أن كانت هناك نوايا جادة وصادقة.
الملاحظ مما سبق، أن كل هذه الحرائق قد طالت مكاتب يتعلق عملها بعقود شراء ومشاريع في كل الوزارات، ما يعني أن الحراق هي بفعل فاعل، وبالتالي هناك جهات سياسية مستفيدة من ذلك لإتلاف الوثائق والأدلة التي تدينها في قضايا الفساد المالي والإداري في تلك الوزارات، وما يؤكد ذلك الإهمال الحكومي إزاء هذه الظاهرة عدم فتح تحقيق بها، وهذا يعني أن الحرائق في العراق أصبحت منظمة ووسيلة للتغطية على جرائم الفساد والتلاعب المالي داخل المؤسسات الحكومية.
يتضح من خلال ما تقدم، أن عملية الحراق في العراق هي جريمة منظمة وسط غياب حكومي عن الكشف عنها ومحاسبة الفاعلين، الأمر الذي يضعها في خانة الشراكة في هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطرا على مستقبل العراق، وبالتالي يجب العمل على إحالة هذا الملف إلى الأمم المتحدة ووضع العراق تحت الحماية الدولية كونه عضو في هذه المنظمة وبالتي يتوجب عليها توفير كل مستلزمات حمايته، وإلا فليُقرأ على العراق السلام

أحدث المقالات