لم يكن ثيربانتس رائدا في تصدير شخصية دون كيشوت دي لامانشا ذائعة الصيت ، البطل الهمام الذي نازل الابطال وقارع الشجعان في طواحين الرياح وقطعان الاغنام، لدينا الكثير من دون كيشوت وسبقوه بالكثير من السنين، ففي العقد الفريد 6/ 150: كان بالبصرة مجنون يأوي الى دكان خياط، وفي يده قصبة قد جعل في رأسها اكرة، ولف عليها خرقة، لئلا يؤذي بها الناس، فكان اذا احرده الصبيان التفت الى الخياط وقال له: قد حمي الوطيس، وطاب اللقاء، فما ترى؟ فيقول: شأنك بهم، فيشد عليهم وهو يقول:اشدُّ على الكتيبة لا ابالي…. احتفي كان فيها ام سواها
فاذا ادرك منهم صبياً رمى بنفسه على الارض، وابدى له عورته، فيتركه وينصرف وهو يقول: عورة المؤمن حمى، ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين ثم ينادي:انا الرجل الضرب الذي تعرفونه… خشاش كرأس الحية المتوقدِ
ثم يرجع الى دكان الخياط، ويلقي العصا من يده ويقول:
فألقت عصاها واستقر بها النوى….. كما قرّ عينا بالاياب المسافرُ
اما دونكيشوتات الزمن الرديء الذي نمر به ولانحسد عليه سواء كان ديمقراطيا ام ديكتاتوريا، فهؤلاء يحتاجون الى روايات عديدة لسرد سيرهم الرديئة، فالعصابات تملأ الشوارع، ولاتدري متى يعترضك احدهم ليسلب روحك التي بين جنبيك، والصواريخ تأتيك بأية لحظة، من جهة معادية ام من جهة صديقة، هنا انفجار كدس عتاد وهناك صاروخ اخطأ هدفه، وبعيد هناك طائرة ضالة، اما في مؤسسات الدولة فهناك مافيات محترفة تزيح من تشاء عن طريقها، في البداية النقل، ثم النقل، ثم التهديد، وبعدها الاغتيال، والكثيرون ينصاعون للتهديد، وتكون الاجازة بدون مرتب المرحلة الأولى تتبعها معاملة التقاعد حتى وان كانت الخدمة غير مجزية، ا و ان القائمين على مافيات الوزارات يغرون الموظف بالايفاد، فان استجاب هناك لاوامر المافيا فبها، والا فقدح الشاي المسموم الذي تبدأ آثاره بعد اربعة ايام او اقل عند وصوله الى مدينته حاضرا وهو من يقوم بالمهمة على اكمل وجه، حين يكون المقاول صديق وشريك المدير العام فاقرأ على الدنيا السلام، واكبر دون كيشوت هو الرجل الضرب الذي يظن انه سيصفي العراق ويقضي على المارقين، هذا الرجل بحربه للفساد كان دونكيشوتا حقيقيا.فقد اظهر سيفه الخشبي ورمحه الذي صنعه من سدرة حديقته في الكرادة وراح يعدد غزواته في تكريت والفلوجة ويستعد لمقارعة الاعداء في الموصل، وهو يجهل تماما مايكون بعد داعش ولاخطر له خاطر بان المطارد سيكون على اللحى، وستظهر داعش اخرى، الافلام الاميركية في المطاردات كانت واقعا عراقيا بحتا، سيارة حديثة، تطاردها سيارتان، يتركها صاحبها ويلجأ الى صالة للبليارد، تقف السيارتان، يترجل منها اربعة، يأتون بالسائق الى الاسفل، ينصبونه امام الناس هدفا ويكسرون يديه ورجليه، مركز الشرطة لايبعد اكثر من مئة متر، احدهم يقول فلنقتله، الآخر يكتفي بخمس اطلاقات في اماكن غير مميتة، يأخذون السيارة ويغادرون، وتأتي الشرطة بعد الحادث بخمس عشرة دقيقة، تفجير الكرادة في هذا العيد خير منه في العيد السابق، وهو انتصار للقوات الامنية فعدد الضحايا لايتجاوز الاربعين اضحية، في حين كان في العيد السابق قد تجاوز الخمسمئة اضحية، دونكيشوت العراق فرح بهذا التطور الكبير، النفط وصلت عدد براميله المصدرة الى اكثر من اربعة ملايين برميل، لكن التقشف وقصف مرتبات الموظفين مازال كما هو عليه، العيدية التي اعطاها وزير النفط ووزير المالية للموظفين يعترض عليها دون كيشوت ويقول: استقطعوها من مرتبات الموظفين لاننا في حالة تقشف، دون كيشوت غير مقتنع باجوبة وزير المالية هوشيار زيباري، لكنه يخشى من الملفات التي يخفيها زيباري فهي اشد وقعا من رماح الجيش العرمرم الذي يحاربه منذ عامين، وهكذا سيستمر دون كيشوت يحارب طواحين الريح، وسنأكل الريح في يوم ما.