أطفال في أيامهم الأولى، تمنت أمهاتهم ولادتهم معافين سالمين، بيد أن الإهمال والتقصير، جعلهم ينامون ليلتهم الأخيرة في ردهات المستشفى، وسيرحلون في بواكير اليوم القادم، الى قبورهم وليس الى مهدهم، هكذا المنظر في العراق يرسم بريشة سفاح، يعشق الموت ويعشقه الفاسدون.مستشفى الموت والدمار، والحسرة والألم، مقبرة اليرموك التي أدخلت التعاسة والحزن، في قلوب العوائل المنكوبة، بسبب فساد المسؤولين الذين جلبتهم المحاصصة المقيتة، ليشتروا المناصب والكراسي، ويتحكمون بالبلاد والعباد.
نطقت الحكومة بلسان عديلتها، وأول ما صرحت به أنها ستقدم إستقالتها، ثم أعفت مدير مستشفى اليرموك، وتشكيل لجنة تحقيقيه عاجلة، تم تحريكها من قبل المفتش العام، وبعد عدة أيام سيقولون تمت معاقبة المقصرين، وستدفن القضية مع الأطفال المساكين، ويُسفر كل مُذنِب الى الدول الأخرى، ليعيش ملكاً بما حصده من مزرعة الفساد في بلد السواد.
إنها حلقة طبيعية من حلقات الفشل والتخريب، الذي إبتلي به العراقيون، مثال ذلك أن لجنة الصحة النيابية، تطالب بكشف ملابسات حادثة مستشفى اليرموك، في العاشر من آب وفي الصباح الباكر، الذي من المفترض أن يشهد الحياة والتفاؤل، لكنه على العكس تماماً، شهد إحتراق أحد عشر طفلاً بريئاً!
أجمع المراجعون لهذا المستشفى، بأنه يفتقر للكثير من الخدمات بسبب قدمه، وتسنم الفاشلين مسؤولية إدارته، عليه يجب الوقوف كثيرا على الحادثة، ومحاسبة المقصرين وإحالتهم الى القضاء، والدفع باتجاه تغيير الوجوه الفاشلة، التي يصر فيها تيارهم الموقر بقاؤهم في مناصبهم، رغم الفشل الذريع وسوء إدارتهم لأي منصب يتسنمونه، فلماذا هذا الإصرار؟ إن لم تكن هذه المناصب مستغلة، من قبل بعض ضعاف النفوس لتدر عليهم أموالاً طائلة!
وزارة الصحة طالها الفساد والإفساد، أكثر من أي وزارة أخرى، لما شاب ملفاتها من غموض وتدليس، والسبب عدم وجود أشخاص كفوءين، لإدارة هذه الوزارة التي تتعلق خدماتها بحياة الناس مباشرة، فكيف إذا كان الثمن طيور عراقية أبصرت النور منذ أيام قلائل، لتنتظر خروجها للحياة وسط فرحة الأهل، ولكن ما المنظر الذي خرج به هولاء الملائكة الصغار جثث محترقة؟ فهل سيتم محاسبة الأوغاد، الذين تشبثوا بالكراسي الفارغة؟ وتركوا الكهرباء، وقناني الأوكسجين، تقتل البراءة في لحظاتها الأولى؟ وان كانوا قد صرخوا، فتلك هي والله صرخة الفراق وألم الإحتراق!
ختاماً: الكمال غير الإنساني عند مدير مستشفى اليرموك المبجل، الذي تم إعفاؤه من منصبه مؤخراً، مع إصرار محافظ بغداد على بقائه، ولأسباب حزبية معروفة، حتى أوصل هذا الدكتور مستشفاه الى أدنى مستوى من الخدمات، وخاصة في قسم النسائية والتوليد والأطفال، فأهداهم الموت، بطريقة ليس لها صلة بمهنته الإنسانية.