عندما اطلق العبادي هذا التصريح لم يكن من السذاجة او عدم الدراية بان هذه المقولة لن تكون محط الاستيقاف والتحليللات او الردود فحسب (اعلى الاصوات التي تدعي محاربة الفساد هي الاكثر فسادا) وانما اراد ان يستقرأ ردود افعال تلك الاصوات او من يقف ورائها او اين تريد ان تصل بنباحها وهي تصدع رؤوسنا يوميا بمحاربة الفساد وتقديم المفسدين الى القضاء , بهذه العبارة فجر رئيس الوزارء قنبلة صوتية ارتدادها وطنينها ملأ اذان الكثيرين , وكان على يقين انه سيضع الجميع في انه مقصود او المعني لسبب بسيط جدا وهو ان الجميع قد اشترك بطريقة وبأخرى في هدر الاغتناء او الاثراء من المال العام , وانهم يعرفون ان العبادي يعلم جيدا من هذه الكتل الفاسدة او التي تتبنى خطاب محاربة المفسدين ومتى يعلو صوتها ؟ .فالرصاصات اطلقها في الهواء وفوق الرؤوس , التيار الصدري تململ كثيراً من هذا التصريح لكن رد العبادي جاء سريعاً بانه ليس المقصود , اذن لم يتبقى الجهات المتبقية هل جبهة الاصلاح وهذه بحد ذاتها لها موقف من استجوابه ؟ ام حزب الدعوة مثلا الذي ينتمي اليه ؟ ام المجلس الاعلى ام تحاد القوى ام الكتل الكردستانية ؟ وجميع هذه الكتل صوتها عالياً كما نتابع في اظهار رفضها للفساد والمفسدين , اذن من كان يقصد العبادي في هذا الاتهام ؟العبادي يلوح ويلمح من جهة ومن جهة اخرى يعلم جيدا من هي الجهات الضالعة بالفساد , ومن تلك الشخصيات التي تتوارى وتختئ خلف عناوين محاربة الفاسد , ويعرف جيدا كيف توسعت ميزانيات هذه الاحزاب والكتل حتى بدت عليها التخمة المفرطة , لا بل فاقت ميزانيتاها الكثير من ميزايات الوزارات العراقية , هو يعلم لانه جزء من هذه المنظومة الحكومية , هو يعلم لانه يتعامل معهم يومياً , هو يعلم لانه مطلع تماما على حجم الصرفيات التي تنفقها هذه الكتل والاحزاب وكيف تحصل على الاموال سواء من الداخل او الخارج . لكن السؤال لماذ يهدد وهو يعلم ؟ وكيف يتحدث دون ان يفعل ؟ لماذا يشير دون ان يسمي الاشياء بمسمياتها ؟ اسئلة يعلمها جيداً العبادي لانه جزء من المشكلة سواء سابقاً عندما كان وزيراً للاتصالات او نائباً او رئيساً للجنة المالية او حالياً بصفته التنفيذية .الجانب الاخر الذي تغاضى وسكت عنه العبادي هو مشروع من اين لك هذا ؟ الذي اطلقه العام الماضي وهدد ان سيحاسب كل من اغتنى بعد عام 2003 لكنه تركه وراء ظهره دون ان نرى شيئاً .قد يسالأ أحدهم لماذا اقدم رئيس الوزراء العبادي على ابرام اتفاقية تفاهم مع محققين دوليين لمساعدة العراق على كشف ملفات الفاسد الكبيرة ولتدريب المحققين العراقيين ؟ هل لانه عالم ان القضاء او اللجان التحقيقية لا تملك المؤهلات المهنية لمثل هذه المهام الوطنية والكبيرة ؟ ام انه يشكك في حياديتها وتأثرها في الضغوط السياسية ؟ ؟ ام لانه اراد ان يضع المتهمين او من تدور حوله الشبهات في مواجهة اللجان الدولية وكأن لسان حاله يقول اذهبوا انتم وربكم الاعلى ليضرب اكثر من عصفورين بحجر واحد , وبين الاتهامات والتهديدات وبين ان قدرة العبادي على كشف المفسدين بعيدا عن البروباغندا الاعلامية ونبرة المسؤول القادر على ادارة الدولة وبالتالي نحن هنا امام خيط رفيع بين الشجاعة والخوف .