رغم كوني لا أثق بأي سياسي ، الا أن الذي أعرفه ، أن لكل سياسي تاريخ وأرث يتفاخر به ، يبهر به ناخبيه للفوز بالسباقات الأنتخابية ، للسياسي أفكار ونظريات ومؤلفات يتداولها الناس ، لديه قراءة واعية وعلمية وموضوعية للمشاكل والحلول والأقتراحات ، لديه رؤية وواقعية للقضاء على الفقر ، وتقليل البطالة وتسهيل حياة المواطن بأتجاه الرفاهية ، تلك المفردة السحرية التي هي مطلب الجميع ، أن يعد بالمستطاع ، وفق دراسة وافية واضحة وعلمية شاملة اقتصاديا وأجتماعيا وأخلاقيا ، السياسي الناجح هو من ينزل للشارع دون حواجز ، يقف عند المشاكل الحقيقية التي يعانيها أنسان الشارع البسيط ، دون حواجز ، دون (أمّعات) يكنسونه من أمامه ! ، للسياسي الحقيقي رغبة حقيقية للتغيير نحو الأفضل ونكران للذات ، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ، لديه رغبة صادقة في احداث الفرق ، كي يذكره التاريخ ، يقلل التمايز بينه وبين الأنسان البسيط ، فهو الهوية الحقيقية للدولة.علي ابن ابي طالب ، مثال لا يتكرر في التاريخ ، فهو ليس كالسياسي النمطي الحديث ، لقد أعطى كل شيء ، ولم يحصل على أي شيء ، بل كان ينتزع اللقمة من فمه ، ليدخلها في فم جائع ، فقضى حياته أخمص البطن ، رث الثياب ، يخصف نعله (التي هي أحب اليه من امرتنا) بيده ! ، فأي تبرم كان يعيشه هذا الرجل العظيم من امرتنا ؟!.ينام على حصيرة غليظة ، فتترك عيدانها الآثارعلى وجنتيه ، يظلله سعف النخيل اليابس ، لباسه الرسمي سمل قطيفة استحى من راقعها ، ترك قصر الأمارة ليعيش في كوخ اشبه بالأجمة ، لا يصد عنه الغبار الذي طالما كلله وكأنه ملتصق بالأرض وترابها ، فاستحق اسمه (ابو تراب) ! ، كل ذلك ، وحتى الموت كان يتهيب منه !. رجل كعلي ، عاش بين ظهرانينا سنينا ، امتلأت مكتباتنا بمآثره وأدبياته وسيرته وأفكاره الراقية بمنتهى الثراء ، بشكل يحسدنا العالم عليها ، درسناها ، وعلمناها أبنائنا ، تلاقفتها كل أمم الأرض ، عملوا بها ، صارت مضربا للأمثال ، موئلا لكل من يبحث عن الحقيقة في مشارق الأرض ومغاربها ، الرجل الوحيد الذي لم تكن أفكاره مجرد فرضيات ونظريات ، انها أكبر من ذلك ، فكل نظرية قابلة للقرع بحجة أو لدحض ، لكن أفكار هذا الرجل كانت بديهيات تأخذ بالأعناق ، كان رجل واقع ، وواقع فقط ، العقل السحري الذي لديه حلول كل مشاكل الأرض !.كل السياسيين لديهم شطحات التملق للعامة حتى لو كان كذبا أو مجاملة جوفاء ، لا لشيء الا ليربو رصيده في صناديق الأقتراعات ، الا علي ، فقد طلّق الدنيا ومجاملاتها ، القائد الوحيد الذي كان يهجو حتى العامة ان لمس منهم حيودا عن جادة الحق ، كيف لا ، فالرجل لا يحتاج أحدا ، لكن كل ابن آدم بحاجة اليه !.هل تعرفون كم كان عدد الخلّص من أصحابه ؟ انهم لا يتجاوزون اصابع اليد الواحدة ! ، فلماذا ؟ سؤال وجيه ، اليس كذلك ؟! ، الآن عرفت لماذا عاش الرجل بيننا متبرما من الحياة ساخطا على الدنيا الى درجة تمني الموت ! ، لأن افكاره اوسع بكثير من قدرة استيعابنا اياها ، فكانت أرضا سبخة لتراث هذا المصلح العظيم ، الى درجة اعتقَدَ اننا لسنا أهلا له !، على عكس ما ذكره كاتبنا الكبير (جورج جورداق) عندما قال (لم يكن عليا متبرما من الحياة) ، والدليل قوله :
ألا أيّها الموت الذي ليس بتاركي …….. أرحني ، فقد أفنيت كل خليلِ
أراك بصيرا بالذين أحبهم …………كأنك تسعى نحوهم بدليلي
استشهد الرجل في محرابه ، وهو الوحيد (مرة أخرى) مَن هلل ورحّب بالموت بنفس لحظة غوص السيف المسموم عميقا في غرّته ! بسبب ضيقه والمه بل وخيبة أمله ! ، فحياته واسفاره وحكمِه لم تترك أثرها على طبيعتنا ، ربما كانت ستكون بصمة عميقة خالدة يتلاقفها أي شعب ، الا نحن ! ، كل الآثار التي ورثناها ، هو البكاء وانشاد الرثائيات ، والتغني بحب أهل البيت ، معتقدين أن حب علي هو كل شيء ، الحب فقط ، حتى لو لم تترتب عليه أي آثار ! ، ولا شيء آخر ، لم تصقل اسفار هذا الرجل العظيم نفسياتنا وعاداتنا وطريقتنا في الحياة ، فقد كان الرجل يعرف كل هذا ، لقد قرأ نفسياتنا مليا ، وهو الفيلسوف الحصيف الثاقب النظر والخبير بالانسان .فالعجب كل العجب ، من قادتنا وسياسيينا الذين يدعون انهم من مريديه ، وقد كنزوا الذهب والفضة حتى أفقروا شعبا بأكمله ، ولا يتذكرون قوله (ما جاع فقير ، الا وبما مُتّع به غني) ! ، اتعجب من هؤلاء الذين سكنوا القصور ، وأحاطوا انفسهم بالأسوار ، أي مكسب حققه هؤلاء ليتبجحوا به ، على أسوأ جواز سفر في العالم ؟ على أسوأ معيشة في العالم في العاصمة ؟ ، على دولتهم التي احتلت المركز الأول من بين الدول الفاشلة ؟ على المستوى القياسي للفقر ؟ على شعب نصفه من المعدمين ومن بحاجة الى أغاثة ، على جيوش اللاجئين والنازحين ، على بلد صاغ أول قانون على وجه الأرض وأمسى بلا قانون ، على بلد تعبث بنصفه داعش ، ونصفه الآخر تتناحر فيه العشائر ؟! ، يبدو ان هنالك ارادة لأبقائنا في القعر حيث الرواسب والقاذورات والفشل ، فبأي شيء يفخر هؤلاء ، وسط كل هذا العار ، والجواب ان تعريف السياسي لا ينطبق عليهم ، انهم ببساطة ، عصابات !.
Majid Al-Khafaji / Electrical & Electronic Engineer
Iraq-Baghdad