اثارت الاتهامات التي وجهها وزير الدفاع خالد العبيدي في مجلس النواب في حينه ردود فعل واسعة على الصعيد الرسمي والاعلامي والشعبي … ووصفت بأنها أكبر فضيحة سياسية الى الأن … وبالمقابل كان هناك من يرى في حينه ايضا أنه لا جديد فيما قاله الوزير العبيدي ، ويحتمل النفي والاثبات الى أن يحسمه القضاء ، ويُشبّه قوة ما تحدث به الوزير في حينه بصوت الاطلاقة في لحظة انطلاقها الى أعلى ، ثم تبرد فيما بعد ، لأنها إستنفدت طاقتها في الارتفاع ، وفقدت زخم الانطلاق عند النزول ، فلم يعد لها تأثير لحظة الانطلاق ، وهذا ما حصل في قضايا سابقة .. فالفساد يكاد يكون هو اكثر كلمة تتردد يوميا على المسامع ، ويتنافس مع توأمه الارهاب في تدمير الدولة والمجتمع معا … وقيل في حينه ايضا أنه ظهرت قبل العبيدي حالات كبيرة ، وتصريحات أخطر بكثير ، واذا كان هو قد اتهم مجموعة ، فغيره اتهم الجميع ، ولم يستثن المتحدث حتى نفسه وعلى الهواء ، ولكن ليس تحت قبة البرلمان …. فما الجديد اذن في هذه القضية …؟.. ذلك ما يكشفه التحقيق لاحقا … وهذا ليس موضوعنا الأساس في هذه الاسطر القليلة … ولكن ….
وسط هذه الازمة الكبيرة ، وأصوات القنابل السياسية المنفلقة والدخان المتصاعد منها تسمع تساؤلات مهنية مريرة ، لم يستطع ضجيح تلك الاصوات أن يطغي عليها …. تساؤلات عن الصحافة الاستقصائية ، واسهاماتها في كشف قصص الفساد والمفسدين ، واين هي من هذه القضايا .. ويُفترض أن يظهر في العراق أعلام كبار لهم تراثهم المتميز في هذا اللون الصحفي على غرار الامريكي ( سيمور هيرش ) الذي كشف مذبحة ( ماي لاي ) في فيتنام عام 1969 ، وكذلك فضيحة سجن ابو غريب التي كشفتها الصحافة الامريكية ، و قضية ( بسكويت اطفال العراق الفاسد ) التي حصلت بسببها الصحفية الاردنية حنان الكسواني على أفضل جائزة اممية من الامم المتحدة عن تحقيقها الاستقصائي عام 2014 عن هذا الموضوع … فكان يمكن أن تكون للعراق مدرسة خاصة في الاستقصاء بسبب الكم الكبير من الظواهر الغريبة التي ظهرت فيه ، وخاصة الفساد وتعقبها واكتشافها ، وتكون مادة علمية مهمة تدرس لطلبة الاعلام عامة في هذا الفن الصحفي الخطير الذي قد يسبق احيانا أجهزة الامن والهيئات المتخصصة في كشف الحقائق والفضائح ، وتعقب الجرائم الذي تسقط هيبة الدولة بالفساد ، وقيمة المنصب بالاتهام ، وتنهك المواطن بالفقر والحاجة … فلا يجوز مثلا ان نستسلم لقدرنا في كل شيء فنكون (عالة ) الى الأبد على غيرنا في ما نأكل ونلبس ونستهلك … وتكون ارضنا مطمعا للغازي ينهبها ، ومن ثم يدعي أنه يحميها على طريقة المثل
( حاميها حراميها ) .. وكذلك في الصحافة ايضا يفترض ان نكون نحن الأولى بكشف ما كشفه لنا الأخر البعيد عنا مسافات طويلة جدا من فضائح كانت تعيش معنا ولكن لا تراها العين لمرض فيها ، او تغمض عنها ، أو لا ترى الا ما تحب ، فتراه جميلا ، بينما هو في حقيقته قبيح على طريقة المثل الشائع ، أو لأي سبب أخر.. وبعد أن تُكتشف ( الفضيحة ) وتعلن للعالم .. من هنا يبدأ دورنا ( الألي ) اذا جاز التعبير في النقل… نتابعها بالتحليل ، والتعليق والاخبار والاستضافات ، واحصاء الضحايا والخسائر والاموال والدمار ..ونقيم الدنيا ولا نقعدها ، وكأننا نحن من إكتشفها ، وتخفت الضجة تدريجيا وتنتهي ، وتأتي أخرى ، وهكذا …وصحافتنا تمارس الدور نفسه …. … العراق بحاجة ماسة الى تفعيل وتعزيز الصحافة الاستقصائية لاهميتها الكبيرة ، ودعم وتشجيع الصحفي الذي يُطلق عليه في هذا اللون من الصحافة ( منقب عن الفساد ) … ذلك هو دور الصحافة الاستقصائية ، وخاصة في الظروف الاستثنائية يكون دورها أكبر ، فتكون لها اسهامة متميزة في كشف الفساد والفاسدين والظواهر الغريبة الشاذة ، لكي تكون الحقائق واضحة كما هي للجماهير ، بعيدا عن أغراض السياسة والسياسيين ، التي قد تختلط فيها الحقيقة بالوهم ، اوالصدق بالتسقيط ..