المعروف عن ان الشعب يعني عبارة عن مجموعة من الناس يعيشون في ارض ومكان محدد وفي اطار واحد وثقافات وعادات قد تكون متنوعة، لا يشترط أن يكونوا من أصلٍ واحدٍ، ولا من دين واحدٍ، ولا يتكلمون لغةً واحدة، بل تجمعهم جنسية ذلك البلد .
الارض تعدّ عنصراً مهماً لبناء الشخصية الاعتبارية لهذه المجموعة، وتمكينهم من تطوير أنظمتهم الخاصة. تحت نظام يسهل الحياة لهم وينظم شؤون الأفراد بقوانين شفافة وتشريعات تخدم مصالح شعبها لتوفير الأمن وانسيابية المجتمع في التعامل مع البعض لبقاء ثوابت الدولة المسماة بالوطن ايضاً، وكذلك الدفاع عنه عند الضرورة، وحمايته من الأعداء في استلهام الخطط الممكنة من اجل بناء جيش قادر على حماية ارضه وهي من الواجبات الاساسية لبناء الدولة الحديثة للمحافظة على البقعة الجغرافية والانسان فيها والدفاع عنها عند المخاطرالخارجية المحدقة التي تهدد بقائيهما .
اما اليوم في حالة البحث الإنساني عن مأمن أكثر ثباتا كي يعوض عن غياب الدولة مع الاسف يذهب الفاسدون الى القبيلة التي نعتز بها كجزء مهم من المجتمع وليس من باب التقليل من شئنها واعتزازاً بتقاليدها حتى لا تقع فريسة المصالح الشحصية كما نشاهدها الان ،عليهم ان لايقبلوا مثل هذه النماذج إذا ما استغلوا بيت المال او أي قلاقل واضطرابات للهروب من مسؤولية الشبهة او الجناية المرتكبة بدل الوقوف مع الدولة لبيان الحقيقة وحل تلك الازمات بالطرق القانونية التي سنها المشرعون ووضع الحلول المناسبة لازالتها وهذا مايفعله ساسة العراق بعد كل الازمات التي تحدث في مجلس النواب والذي يعتبر بيت كل العراقيين واخرها ما اطلقها وزير الدفاع خالد العبيدي في جلسة الاستجواب من شبهات التي نسبت للبعض من اعضاءه .
المقززفي الامرمن ان المؤتمرات العشائرية التي تعقد لدعم شخص معين متهم بالفساد بدل انتظار انتهاء التحقيق من القضايا المطروحة هو اسلوب معيب في النظم التي تبحث عن قيم العدالة والمساواة. والسلوك الهمجي والبعيد عن التحضر الذي قوبل به صحفيون حضروا إلى المؤتمر في العاصمة بغداد من قبل عناصر عشائرية. ولربما الأداة نفسها التي عادة ما تستخدمها النخب السياسية لإرضاخ الشعوب لتكون الوسيلة الانسب للوصول الى السلطة والمال والجاه، ولترسيخ مكانتهم وسيادتهم بين القبائل حين تشعل فتيل التناحر والتفرقة بينها .عالم ما بعد الحداثة يعيد للعالم روح الهوية والانتماء، سواء تلك التقليدية أو المستحدثة. مع الحفاظ على روح الهويات التقليدية للمجتمع ، والتي تعتبر نوعا من الانتكاسة إلى الماضي اذا ماعادت اليها في الحقيقة ، لان البعض يعتبر القبيلة هي الأصل وهي المفر والقاعدة البديل و يعد بمثابة ردّة فعل على غياب البديل الاوسع والاعمق، الذي يمكن أن يحل مكان الهوية التقليدية للدولة، كتعويض، وهو الموقع الجغرافي المسمى الوطن بمكوناته الحديثة على ذلك قد يرى البعض من متلازمات ذلك أن يكون تأسيس الدولة الحديثة في بعض دول العالم العربي خاصة ، في ان يتمترس تحت غطاء القبيلة والعشيرة .
المجتمع العراقي ظل يستند في الكثير من سلوكياته إلى قيم العشيرة وهذا ما دفع سلطات الاحتلال البريطاني اوائل القرن الماضي إلى إصدار قانون (دعاوى العشائر) في سنة 1916م أي قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921م، و كانت الدولة العراقية تحكم بقانونين، هما قانون الدولة العام، وقانون “دعاوى العشائر” الذي أصدرته سلطات الاحتلال البريطاني عام 1916م ، وظل سارياً طوال العهد الملكي، رديفاً للقانون العام، فكان الحق للحاكم السياسي أو القاضي أن يحيل المتهم إلى مجلس عشائري يتألف من شيوخ للنظر في قضيته، و الدولة العراقية هي الوحيدة التي كانت تسير وفق القانونين حتى جاءت ثورة 14 تموز سنة 1958 فالغت القانون الاول (دعاوى العشائر ) وتحديد سلطة العشيرة وتم القضاء على الاقطاع الذي بدأ الحياة يدب فيه من جديد في السنوات الاخيرة . ومن هنا نرى إنّ الاهتمام بالعشيرة من قبل حكّام العراق الحاليين أتاح لهم التسلّح بحريّة وبناء نفوذهم السياسيّ في السلطة والأحزاب السياسيّة. والتي اضعفت مؤسسات الحكومة والدولة العراقيّة ووظفت العشيرة لدعمهم في الانتخابات و اشتركت في صفقات الفساد أيضاً ،والاستيلاء على الاراضي و الممتلكات العائدة للدولة بسبل منحرفة وطرق ملتوية وتدخل البعض منها في فضّ النزاعات السياسيّة وحماية المسؤولين المتّهمين بنشاطات خارجة عن العرف والقانون، وساهمت في وقف الإجراءات القانونيّة ضدّهم عبر التسويات العشائريّة بدفع الديّة والتّعويض والتي شجعت انتشار الجريمة المنظمة منها في الكثير من الاوقات .
وثمنه ما نعيشه اليوم من تناقضات سلوكية وانتهاكات إنسانية هي نتيجة تكسر نظام المدنية وتراجع الرقي الحضاري في عموم مجتمعنا العراقي ، وللعلم ان النوعية السيئة من العادات إذا ما امتزجت بالتحول الثقافي المفاجئ وبالتقليد الأعمى للحضارة الغريبة ستؤدي حتماَ إلى تربية سقيمة ولو رويداً رويداً، ولهذا فإنه من واجب كل فرد ينتمي إلى المجتمع، مكافحة العادات الضارة والفاسدة التي تهدد صرح الأخلاق بالانهيار والسقوط . لكن وباختصاراقول ان العادات والتقاليد الحكيمة المبنية على الدين ” تعد مبدأً للعدالة أساساً يجب تحقيقه في جميع مظاهر النشاط الانساني، إذ يؤكد القرآن الكريم كثيراً على إقامة العدل بوصفه هدفاً في كل مجتمع إسلامي، وقد وصف العدل بثلاث كلمات هي (العدل) و (القسط) و(الميزان)، كما تكررت مادة العدل بمشتقاتها ما يقرب من ثلاثين مرة فيه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (سورة النحل: آية90″.) وقد بنت شعوب و حضارات تلك العادات المرتبطة بالأخلاق القيمة الإنسانية الأصيلة للمجتمع كالصدق والشجاعة والكرم والشهامة لترسيخ تماسكها .
واليوم واذا كانت المشاكل العشائرية مرتبطة بالسياسة والموقف من الدولة، فالأحرى بجميع السياسيّين والنوّاب والمسؤولين في الدولة وضع إنتماءاتهم العشائريّة والطائفيّة خلف ظهورهم وتقوية الوعي الإجتماعيّ ميزة الشعب الفاهم الراشد ، وهو ضرورة لتجاوز الازمات للنهوض والتقدّم ، ولذا فهو في نظر الكثير مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية الناضجة والدفع به باتجاه الهويّة الوطنيّة لتصبح بديلاً عن الهويّات الفرعيّة مثل العشائريّة و الطائفيّة والإلتزام بالقانون لثبات كيانات الامة ، لان الوطنية والقانون هما الاساس في الحفاظ على هيبة الدولة ويمثلان الكابح لأيّ نزاع يقع في المجتمع .