لسنوات خلت وأنا أعاني من مشاكل جمة في أنفي الكبير؟ ولطالما تحملت تلك العاهات والمعاناة المستمرة معه , حتى نفذ صبري ولم أعد احتمل ألالام وقررت أخيرا أن اذهب للطبيب مرغما , دخلت غرفة الفحص وبعد أن شرحت كل شئ عن حالة أنفي المسكين للطبيب , قال لي : كيف تحملت كل هذا الآلم وأنفك فيه انحراف جهة اليمين , ولحمتين زائدة جهة اليسار , وكسر قديم اعلى عظمة الانف , ناهيك عن حجمه المبالغ فيه , حتى أنني تخيلت أنفي خرطوم فيل ؟ .
ثم أردف قائلا : يجب أن احولك ألى طبيب تجميل ,فأنا وحدي لن اتمكن من انجاز كل مشاكل انفك , وفعلا حولني الرجل الى مركز تجميل مشهور في بغداد , وتفاجأت بالأعداد الهائلة من العراقيين الذين يقفون في طوابير في انتظار دورهم في الفحص كعادة العراقيين الذين تعودوا على الوقوف في طوابير للحصول على أبسط حقوقهم ؟ . المهم ومن باب الفضول رحت أسأل الناس عن أسباب مراجعتهم للمركز , فمنهم من يجمل أنفه , وتلك تنفخ شفاهها , وأخرى ترفع خدودها , وأخريات يكبرن أو يصغرن أجزاء اخرى ! , وغيرهن يقصدن المركز لشفط وسحب الشحوم , وشاهدت فتيات لا تتجاوز أعمارهن سنوات بسيطة وهن يغيرن لون عدسات عيونهن ولون بشرتهن , ويغيرن كل تضاريس ومعالم أجسادهن من الالف الى الياء, فمنهن من تدخل المركز وهي تشبه (السعلوة) لتخرج بعد كم عملية وهي تشبه الاخت المصون اليسا, ثم رحت الوم نفسي لأنني أهملت أنفي طوال عمري ولم أمنحه العناية التي يستحقها رغم ألالام المبرحة, ثم جاء في بالي كيف يتسنى لأي شاب أن يختار فتاة أحلامه وهي غيرت كل معالم شكلها وصارت نسخة محدثة من هيفاء ونانسي وسيرين ؟ وجاء في خاطري أن أنصح كل من يروم الزواج ويضحي بحياته أن يشترط على أهل البنت التي سيرتبط بها وقبل ان يذهب الى المحكمة ليعقد عليها ,أن يذهب بها الى طبيب تجميل ويجري لها جميع الفحوصات اللازمة التي تكشف كل عمليات التجميل التي قد تكون أجرتها شريكة حياته, للكشف عن كل التزوير والتدليس في معالم جسمها ؟ فتكون صدمته كبيرة حينما يتزوج وحدة شكلها شكل الموناليزا وينجبان بنت تشبه التمساح ؟؟ . في النهاية جاء دوري للدخول على طبيب التجميل, مباشرة سألني الطبيب حتى لا يضيع وقته لكثرة المراجعين والمراجعات : سليكون , لو شفط لو نفخ ؟؟ اجبته : عفوا دكتور ماذا اشفط وماذا انفخ ؟ أنا فقط أعاني من مشاكل في انفي , فأنفي لو قسم بين عشرة أشخاص لكفاهم ؟ أعتذر الرجل وقال انه متخصص فقط في السليكون والنفخ والشفط ؟ ولكون طبيب الانف لسوء حظي غير موجود في هذا اليوم
, عرض علي أن يملأ اخاديد وجهي بمادة ( الفلر أو البوتكس ) لأعادة ترميم بشرة وجهي المتعبة , أعتذرت منه وأكدت له أني أعاني من مشكلة مرضية فقط في الانف ولم احضر لأغراض التجميل لأن الحفر والخنادق التي في وجهي تحتاج ( سطلة مليئة بالبوتكس ) وأنا لا أملك ثمن كل هذه الكمية , ولست الا مواطنا عاديا فلا أنا عضوا في البرلمان ولا مسؤولا حكوميا ؟؟ . ثم غادرت المركز دون ان احقق هدفي واحس أن انفي يضحك بصوت عال لآنه باق دون تغيير ويتمدد على حساب بقية اجزاء وجهي ورحت أتساءل مع نفسي : ماذا لو كان هناك تجميل لداخل الانسان ومضمونه كما هو الحال في تجميل شكله ؟ ماذا لو كانت هناك موادا ترمم ضمير الانسان المريض والمصاب بمختلف أمراض المجتمع كما ترمم جلده ؟ ماذا
لو تمكنا أن نزرع روحا طيبة بدل الروح الخبيثة كما نزرع الكلى السليمة مكان الكلى المصابة ؟
متى سيفهم اولئك الذين يتصدرون المشهد في بلادنا أنهم يحتاجون لتجميل ضمائرهم ان لم نقل تبديلها بالكامل ؟
متى ستفهم الحكومات وبعض رجالاتها ان ( سليكون ) البرازيل كله لن يستطيع تجميل افعالهم القبيحة والمزمنة , بعد ما شاهدنا وسمعنا بعض الفضائح النتنة وعلى الملأ دون خجل أو خوف من شرع أو قانون ؟ . كلنا نحتاج أن نراجع ضمائرنا ونسأل أنفسنا : لم صرنا الى ما صرنا اليه اليوم من نفاق وظلم وكذب ونصرتنا الباطل والوقوف بوجه الحق , وصار من المألوف أن نرى اللصوص وقطاع الطرق ونهازي الفرص وعديمي المروءة يتصدرون الصفوف بكل المجالات ؟ . كنت أعاني لسنوات من أنفي ولكنني أحمد الله الف مرة أن انفي لا ضميري هو الذي يحتاج الى تجميل وصرت اتطلع بتفاؤل كبير الى ألاخوة ألاعزاء في دولة الصين العظيمة فهم يستطيعون حل الكثير من مشاكل العالم ولكون منتجاتهم تناسب اسواقنا , فهم المشهورون بصناعة كل شئ من أبرة الخياطة والسيارات الرخيصة الى الصاروخ مرورا باستنساخ الباندا وانتاج الماعز الذي ينتج حليبا بشريا لأمهات مشغولات بوظائفهن عن تربية اولادهن حتى صناعة غشاء البكارة , فليس صعبا عليهم أن يصنعوا لنا وضمن المواصفات المطلوبة ضميرا حيا بمواصفات أخلاقية راقية لكي نستبدل الكثير ممن ماتت ضمائرهم وما زالوا يدعون الشرف والفضيلة ويمثلون علينا الاخلاق والقيم وهم حفنة من اللصوص باعوا كل شئ في سبيل مصالحهم ونزواتهم , ولكن من يضمن ان لا يصيب الفساد ايضا صفقة شراء تلك الضمائر من الصين ؟ فهى لا تكلف شيئا كثيرا ولكن ستتعاقد عليها الحكومة بمليارات الدولارات , فتكون صفقة شراء الضمائر الحية هي نفسها مصدرا للفساد والافساد والتربح البعيد عن كل اخلاق ! فتصوروا صفقة شراء ضمائر حية يبرمها اصحاب ضمائر ميتة ؟؟ هنا العراق يا سادة تفضلوا اهلا وسهلا !