18 أكتوبر، 2024 11:39 ص
Search
Close this search box.

قراءة في العلاقات التركية الأمريكية ومع دول المنطقة بعد الانقلاب الفاشل

قراءة في العلاقات التركية الأمريكية ومع دول المنطقة بعد الانقلاب الفاشل

شهدت العلاقات التركية الأمريكية ، إثر أحداث محاولة الانقلاب الفاشلة  في تركيا ، في الخامس عشر من تموز 2016 ، حالات توتر واضطراب وتشكك، لم تشهدها تلك العلاقات منذ أكثر من ربع قرن، بعد ان كانت تلك العلاقات في أوجها ، حيث كانت تركيا تعد الولايات المتحدة الحليف الأقوى لها ، وكانت تعتمد عليه ، كأحد الدعامات التي تسندها دوليا وتمدها بعناصر القوة ، في المجالين العسكري والأمني وكذلك في الجوانب الاقتصادية. لقد ألقت محاولة الانقلاب الفاشلة والموقف الأمريكي المتذبذب أزاء أكثر حدث دراماتيكي هز مكانة تركيا وأصاب سمعتها في الصميم ، ألقت بظلالها على تلك العلاقات ، وتركت جراحا لن تندمل بسرعة قبل ان تطمئن أنقرة الى ان الحليف الذي كانت تثق به، لم يكن طرفا (مشاركا) في الانقلاب ،ولدى انقرة (شكوك) ترقى الى (اليقين) بأن الولايات المتحدة كانت على (علم) بمحاولة الانقلاب ، ولم تزود حليفتها بما يكفي من معلومات قبل وقوع المحاولة ليمكن تلافي آثارها قبل أن تظهر الى العلن، ويجعل أمر مواجهتها أكثر صعوبة.
 ونورد أهم الملاحظات التي تعزز من حالات الشكوك والريبة لدى الجانب التركي ازاء مصداقية الموقف الأمريكي عقب أحداث الانقلاب ، وما ستنعكس تلك العلاقات (سلبا)  ووفقا للمحاور التالية :
 1.                 لم تكن مواقف الادارة الامريكية ، بعد حدث هام شهدته تركيا ، الحليف الستراتيجي لها في المنطقة ، وهو (محاولة الإنقلاب) التي قادها جنرالات أتراك كبار في الجيش ، واضحة ، بما يكفي ، وسادت مواقف الادارة الامريكية أجواء من (الضبابية) و(عدم الوضوح)، وقد حاولت عبر مسؤولين لها من (الخط الثاني) ومن خلال وسائل إعلام أمريكية الإشارة الى انها تتابع مجريات الاحداث والتطورات في تركيا عقب وقوع (محاولة الانقلاب) ، وقد أشارت في ساعاتها الأولى انها لاتدري إن كانت (محاولة الانقلاب) قد (نجحت) وسيطر( الانقلابيون) على الوضع في تركيا ، أم ان تلك المحاولة (فشلت)، وان الولايات المتحدة كما حاولت إشاعته في بداية الأمر لم تعرف من  (يسيطر الان على الموقف) في تركيا ، وهي (تتابع) تطورات الاحداث ومجرياتها عن كثب.
 2.                 كانت تلك المواقف الأمريكية التي حاولت إشاعة نوع من (الغموض) في المواقف عن حدث كبير يهم دولة حليفة للولايات المتحدة وعضو في حلف الناتو مثل تركيا ، مثار ( شبهات ) و( قلق ) لدى الرئيس التركي أردوغان والحكومة التركية عموما، وكانت انظار اردوغان تتجه الى رجل الدين التركي (غولن) على انه هو من دعم تلك المحاولة أو ساندها ولديه (ضلع) في قيامها ، ما يعني ان الامريكان هم من حركوا (غولن) ضده أو على الاقل لم يتدخلوا لايقاف المعارض التركي عند حده لكي لايتدخل في الشأن الداخلي لبلاده ،ويكون لديه مثل هذه القدرة على تحريك ( الجنرالات ) ومن هم موالين له داخل القوات المسلحة ليقودوا (محاولة انقلاب) من هذا النوع كانت (خطيرة) على مستقبل تركيا وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة . 
3.                 إن من يتابع ( مجريات ) و ( مضامين ) و ( توجهات ) التصريحات التي صدرت عن الادارة الامريكية في الساعات الأولى لبدء ( الانقلاب ) يظهر ان الولايات المتحدة كانت على ( علم ) بالمحاولة ، وهي تريد تقديم قادة الجيش التركي كـ (قرابين) لأردوغان ليبطش بهم وينهي قوة الجيش التركي والمؤسسة العسكرية القوية وجيشها الاقوى في المنطقة بعد الولايات المتحدة، وتدخل تركيا حالة إضطراب وفوضى وربما تؤدي الى إشعال نار حرب أهلية بين الجيش والأحزاب التركية ومنها الحزب القوي الذي يحكم قبضة السلطة فيها وهو حزب العدالة والتنمية لتقوض دعائم الدولة القوية وتتحول تركيا الى مستنقع للفوضى والتوترات وتنتهي معالم دولتها القوية الى الأبد.

 4.                 لقد سعت الولايات المتحدة كما يبدو الى ان يحكم الجنرالات سيطرتهم على الموقف في بداية الأمر ويفرضوا إرادتهم ، ويقوضوا دعائم الدولة ، لينتهي الحكم في تركيا الى ان يتولى ( العساكر ) قيادة الدولة، أو الأقل احداث (هزة عنيفة) تشعر تركيا ورئيسها الطموح الى إظهار قوة الدولة التركية ان كيانه (متزعزع ) وان ليس لأردوغان القدرة على فرض وجوده كزعيم مؤثر داخل بلاده او على صعيد المنطقة ، وهو يحاول ان يظهر (تمردا) على بعض مواقف واشنطن من أحداث المنطقة والحرب على داعش ، والمواقف ازاء سوريا وايران والتفاهم الامريكي الروسي الذي راح ينشط باتجاه تقييد يد تركيا في ان يكون لها مثل هذا الدور في رسم معالم احداث المنطقة والمشاركة في صنع مستقبلها ، وكان أرودغان غير راض عن مسار العلاقات مع واشنطن ولا المواقف الامريكية المتذبذة والمتناقضة احيانا عن (تحالفات) جديدة تؤثر على أمن تركيا ومستقبلها السياسي ولم تساعد واشنطن أنقرة بما يكفي للحفاظ على الموقع المهم الذي يمكن ان تلعبه تركيا في تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
 5.                 ما إن أدركت الولايات المتحدة ان الرئيس التركي اروغان تحرك بسرعة لوأد ( محاولة الانقلاب ) وان جنرالات الجيش الكبار قد تم اعتقالهم وتم قبر المحاولة الانقلابية في ساعاتها الأولى حتى راح وزير الخارجية الامريكي جون كيري يؤكد ان الولايات المتحدة مع (الشرعية)، وانها لن تسمح لتعريض الديمقراطية في تركيا الى الخطر، معلنا دعمه لمحاولات الحكومة التركية احباط محاولة الانقلاب، ثم جاء تأكيد البيت الأبيض والرئيس أوباما ليعلنا دعمهم الكامل لتركيا ضد محاولة الانقلاب، وليؤكدا ان الامريكان مع (الشرعية والديمقراطية) في تركيا ، وقد أعلنا دعمهما الكامل للرئيس أردوغان وللحكومة التركية في تثبيت دائم الديمقراطية في هذا البلد، ورفضهما اقامة حكم دكتاتوري حسبما حاولت الولايات المتحدة ترديده على اكثر من صعيد.
 6.                 لقد حاول أردوغان إستغلال التأييد الامريكي والاوربي (المعلن) الرافض لمحاولة الانقلاب ولعودة الحكم الدكتاتوري للضغط على الولايات المتحدة لتسليمها المعارض التركي (غولن) والذي يتخذ من بنسلفانيا مركزا لإنطلاقة توجهاته المناهضة لبلاده ، إن أثبتت واشنطن على الأقل (حسن نياتها) تجاه أنقرة ، وقدمت لها ( المساعدة ) في تسليم غولن أو ترحيله الى دولة أخرى، ووجه اردوغان ( إتهامات ) للولايات المتحدة بأنها ستكون محل ( شكوك ) لدى تركيا ان لم تقدم مايكفي من الدلائل على التناغم مع رغبة اردوغان في ان يقدم (غولن) الى المحاكمة، والا يعد أي رفض لخطة التعاون مع انقرة في هذا المجال موقفا (سلبيا) وغير (ودي) أزاء أنقرة، لايساعد على ابقاء علاقات البلدين قوية برغم التوتر الذي ساد علاقات البلدين عقب المحاولة الانقلابية ، وأدت الى أضطراب في تلك العلاقة يحتاج الى سنين لعودة بعض معالم (الانفراج ) الى تلك العلاقة التي أصابها ( التوتر) على أكثر من صعيد.
 7.                 لقد طالبت الولايات المتحدة تركيا تقديم مالديها من (دلائل) و(وثائق)على ان “غولن” (متورط) او (ضالع) في محاولة الانقلاب أو داعم لها ، لكي تنفذ لها رغبتها، لكنها مع هذا وعدت بالتعاون مع تركيا ، لكنها ابقت الباب (ضبابيا) لحين عودة اجواء الحياة الى طبيعتها في تركيا، ولم تعط واشنطن أية (ضمانات) لأنقرة بأنها ستحقق لها (مطالب) من هذا النوع.
 8.                 ان تركيا والرئيس اروغان لديهما (دلائل) على ان (قاعدة انجرليك) العسكرية التركية التي يستخدمها الأمريكان واجهزة استخباراتهم منطلقا لعملياتهم العسكرية والأمنية في المنطقة،كانت محط (لقاءات) و(تبادل معلومات) مع كبار الجنرالات الاتراك قبل فترة لاتقل عن السنتين من بدء محاولة الانقلاب، وأن المخابرات الامريكية لابد وان يكون لديها (علم) بتطورات ماحدث في تركيا، أو ( ضلع ) فيها والدليل انها لم تقدم لتركيا اية معلومات تساعدها على كشف ( المحاولة الانقلابية ) قبل وقوعها وحتى بعد وقوعها بساعات ، ما ابقى حالات من (الشك) لدى أردوغان بأن تلك القاعدة لن تكون بعيدة عن تلك (المحاولة الانقلابية ) بأي حال من ألاحوال.
 9.                 يرى محللون ومتابعون للشأن التركي أنّ التوتر في العلاقات الأميركية التركية هو ليس وليد ماجرى من (محاولة انقلابية) ، بل هو حصيلة سنواتٍ من خلافات حدثت بين الطرفين، أبرزها التعامل مع الملف السوري، ومحاربة تنظيم (داعش)، وتداعيات الملف الكردي والعلاقة مع حزب العمال الكردستاني ، وما زاد من (إستياء) تركيا شعورها بتخلي حليفتها الولايات المتحدة و”الناتو” عنها، في أكثر الأزمات ( سخونة ) وهي المواجهة مع داعش وفي قيام (تحالفات)  وتنسيق أمريكي مع روسيا ودول في المنطقة، ولم يتم إشراك تركيا في القيام بدور يتناسب وحجم مكانتها في المنطقة.
 10.            يرى متابعون للشأن التركي ان ما عزز موقف شكوك بعض الجهات في تركيا بدورٍ محتملٍ للولايات المتحدة في المحاولة الانقلابية هو الاتهامات التركية للموقف الامريكي ،لافتين الى ان وزير العمل التركي كان قد اتهم  الولايات المتحدة  بأنها “دبّرت” محاولة الانقلاب، ومشيرين الى تساؤلات أتراكٌ كثيرين بشأن عدم منع القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة إنجرليك الجوية إقلاع طائرة تزويد وقود في الجو لطائرات أف 16 التي شاركت في المحاولة. وقد نفت الإدارة الأميركية هذه الاتهامات تماماً، معتبرة أنها تضرّ بعلاقات التحالف بين البلدين. كما رفضت إدارة أوباما منح اللجوء السياسي لقائد قاعدة إنجرليك التركي الذي ألقي القبض عليه، لاحقاً، لدوره في التخطيط للانقلاب العسكري.
 11.            لقد وجدت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي في حملة الاعتقالات الواسعة لقادة الجيش وموظفين مدنيين في تركيا عقب محاولة الانقلاب والمطالبة بعودة عقوبة الاعدام لتشن  تلك الدول ( حملة منظمة ) ضد تركيا بعدم قبول انضامها الى الاتحاد الاوربي ان أعادت الممارسات الدكتاتورية وتعميم الاتهامات بالجملة على معارضيها وعدم اتباع الوسائل القضائية والقانونية وحقوق الانسان في كل تلك الحملات الواسعة من الاعتقالات لقادة عسكريين لمجرد اتهامهم بالتورط في المحاولة الانقلابية ولم يثبت إشتراكهم بها حتى الان ، لتقلب تلك الصورة الايجابية عن تركيا الى صورة سلبية لاتشجع دول اوربا ولا الولايات المتحدة في مساعدة تركيا بالتغلب على أزماتها الداخلية، اضافة الى التهديد بعقوبات أخرى ان لم تحافظ تركيا على سمعتها كدولة تلتزم بالاصول الديمقراطية وتحترم حق المعارضين لها، وفقا للقانون، ووجدت تركيا في الحملة الاوربية المناهضة لها موقفا سلبيا ربما ينعكس بآثار ضارة على مستقبل علاقاتها مع دول الاتحاد الأوربي والعالم الغربي عموما لهذا خففت من حالات الاعتقالات ولم تظهر عمليات التعذيب قبل المحاكمة في وسائل الاعلام ، التي تعرضت هي الأخرى لحملات ملاحقة شملت عشرات الصحفيين من مؤسسات اعلامية مختلفة واغلاق مؤسسات تعليم ومجتمع مدني وصحافة ، كانت محط انتقاد واسع لدى دول الغرب. 
12.            ويشير خبراء ومحللون في المنطقة الى انه بسبب حجم تركيا، وموقعها الستراتيجي وحدودها مع سورية والعراق، فإنّ الولايات المتحدة تحتاج إليها في حربها على “داعش”، وفي موازنة التمدّد الإيراني والروسي في المنطقة. وتخشى الولايات المتحدة أن يسفر جهد أردوغان في تطهير الجيش التركي، بما في ذلك فصل عشرات الضباط الكبار، عن حرمان المؤسسة العسكرية الأميركية من نظراء أتراك اعتاد القادة العسكريون الأميركيون على التواصل معهم في القضايا المتعلقة بالأمن القومي، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والتدريبات العسكرية، فضلاً عن محاربة “داعش”. وكانت الحكومة التركية قد وافقت، في صيف 2015، على السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية، بعد سنواتٍ من الرفض، وهو ما أتاح للتحالف الدولي تحقيق إنجازاتٍ مهمة في حربه على هذا التنظيم. كما لا تخفي الإدارة الأميركية قلقها من أنّ الشرخ داخل المؤسسة العسكرية التركية ومحاولات إعادة ترتيب أوضاعها قد يشغلها عن ضبط الحدود الجنوبية مع سورية، ما يسمح “لداعش” بإعادة بناء نفسه، واستقطاب مزيدٍ من المقاتلين الأجانب، ولكن الولايات المتحدة تجد صعوبةً، حالياً، في الموازنة بين حاجتها الستراتيجية إلى تركيا وما“ستجد أميركا نفسها مضطرةً للتعاون مع تركيا، مهما كانت حصيلة الحملة التي تقودها الحكومة ضد خصومها”تعتبر أنه ردُّ فعلٍ مبالغٌ فيه من الحكومة التركية إزاء ملاحقة من تعتبرهم محسوبين على جماعة غولن، في مؤسسات الجيش والأمن والقضاء والتعليم والإعلام، وغيرها من مؤسسات الدولة الأخرى. ومع ذلك، ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرةً إلى التعاون مع تركيا، مهما كانت حصيلة الحملة التي تقودها الحكومة، لتطهير أجهزة الدولة من خصومها، كما أنّ واشنطن وحلفاءها لا يملكون وسائل ضغط فعالةٍ لثني الرئيس أردوغان عن الاستمرار في جهده للقضاء على نفوذ ما يسميه “الكيان الموازي”.
13.            ومن ابرز المخاوف التي يؤشرها متابعون للشأن التركي ان تؤثر حالات التوترات في العلاقات التركية الامريكية  بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، في الجهد الدولي من اجل محاربة “داعش”، وقد  يزيد من تعقيد جهد واشنطن في التوصل إلى اتفاقٍ مع روسيا في سورية، بشأن التنسيق الأمني بينهما، فضلاً عن إيجاد حلٍ للصراع هناك. كما أنّ تركيا المتشككة في نيات الولايات المتحدة تجاهها قد تندفع نحو علاقات أكثر قوةً مع روسيا، خصوصاً بعد أن تجاوز الطرفان مسألة إسقاط الطائرة الحربية الروسية في السنة الماضية. وسوف يمثل هذا الأمر ضربةً قويةً لجهد إدارة الرئيس أوباما التي ما فتئت تخسر مزيدًا من الحلفاء في الشرق الأوسط. ولا يعني ذلك نهاية العلاقة بين الطرفين، فهذه العلاقة قائمة ومستمرة منذ بداية الحرب الباردة، سواء تحت إدارات ديمقراطية أو جمهورية، أو تحت أنظمةٍ مدنيةٍ أو عسكرية في تركيا، وقد تجاوزت توترات كبيرة في السابق. فموقع تركيا الستراتيجي، وأوضاع الشرق الأوسط السياسية والأمنية، تجعل من تركيا شريكاً لا غنى عنه أميركياً. كما أنّ تركيا ليست في وارد التخلي عن تحالفها مع الولايات المتحدة وعضويتها في “الناتو” وهي العلاقة التي تشكل جوهر عقيدتها الدفاعية، فضلًا عن مساهمتها في إعطاء تركيا مكانتها الإقليمية والدولية. ولكن، من المؤكد أيضاً أنّ هذه العلاقة التحالفية قد تضررت، بشكل كبير، ولن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي، على الأقل في عهد حكم حزب العدالة والتنمية، ولهذا فأن تركيا سوف تتجه نحو مزيدٍ من الاستقلال في سياستها الخارجية، وفي إقامة علاقاتٍ مع شركاء قد لا يروقون لـ (الحليف) الأميركي المتخبّط في سياساته.
 14.            ان (محاولة الانقلاب) أعادت تعزيز العلاقات التركية الروسية التي شهدت تدهورا عقب اسقاط تركيا لطائرة روسية  قبل أشهر قيل انها اخترقت الاجواء التركية ، كانت تنوي ضرب مواقع لداعش في سوريا، ما تسبب بازمة حادة بين البلدين ادت الى تقديم تركيا اعتذار لروسيا ، حتى بدت ملامح اكثر تفاؤلا لعودة العلاقات السياسية والتجارية القوية الى طبيعتها بعض الشيء، وقد وجدت تركيا في المحاولة الانقلابية ( فرصة ) ان تعيد تقييم علاقاتها وبخاصة مع روسيا، وتجد في الموقف الامريكي المرتبك أزءها فرصة أخرى لتنمي أجواء العلاقات مع روسيا نحو الأفضل، وهناك ( بوادر انفراج ايجابية ) في العلاقات التركية الروسية يسير بها الى التطور في مجالات كثيرة، ما يسهم بتطوير تلك العلاقات على أكثر من صعيد. 
15.            كما أظهرت تركيا (بوادر) سبقت ( المحاولة الانقلابية) لتحسين علاقاتها مع العراق وسوريا، وبعض دول المنطقة ، وجاءت تلك المحاولة الفاشلة لتعيد تركيا تقييم تلك العلاقات وتطويرها نحو الأفضل، بعد ان شهدت حالات تدهور مع العراق و(قطيعة) مع سوريا، لكن تركيا اعادت تغيير ملامح ( ستراتجيتها ) لتعيد ترتيب علاقاتها مع أغلب دول المنطقة، حفاظا على مصالحها الكبيرة معها، ولكي تستفيد تركيا من درس ( المحاولة الانقلابية ) للسير بعلاقات (إنفتاح) أكثر تطورا مع دول المنطقة، بدل خلق أجواء التوترات التي تعود عليها بأضرار بالغة. 
16.     والخلاصة التي يمكن ان تكون خاتمة المطاف عن تلك المحاولة الانقلابية هي أنها لابد وان تؤدي الى قيام اردوغان بحملة لتنظيف أجهزة أمنه القومي والداخلي وكبار قيادة جهاز مخابراتها الذين أخفقوا في كشف محاولة الانقلاب، ولم يتمكنوا من (استراق معلومات) عن تحركاتها والجهات التي تقف وراءها والمشاركين فيها، إذ ان تركيا ظلت لأيام تجهل المنفذين الكبار ومن شاركوا او كانوا على علم بمحاولة الانقلاب، واضطرت للقيام بحملات اعتقال واسعة لقادة عسكريين كبار وضباط وموظفين في اجهزة الدولة دون وجود اية ( دلائل ) لديها على ان هؤلاء متورطون في تلك المحاولة ، وأبقت كثيرين منهم في دائرة (الاتهام ) دون ان تتوفر لديها إثباتات على الضالعين في المحاولة الانقلابية الفاشلة وكيف خططوا ونسقوا واعلنوا ساعة الصفر، في وقت أظهرت أجهزة الأمن القومي التركي الوهن والضعف امام محاولة كبيرة من هذا النوع كانت تستهدف كيان الدولة التركية ونظامها السياسي بالكامل ، واذا بتلك الدولة وقد أظهرت ضعف أجهزة أمنها المخابراتي والداخلي، لانها لم تتمكن من إستشعار الخطر او إكتشافه قبل وقوعه ، او حتى تمكنها من ملاحقة الانقلابيين والقبض عليهم ، وتركوا الدولة ( تتخبط ) في حملات اعتقال أصابت سمعتها الدولية بخسارة سياسية امام الأوربيين الذين يجدون في محاولات من هذا النوع انتهاكا لحقوق الانسان وإبتعادا عن أسس النظام الديمقراطي الذين ينبغي ان يوفر للمتهمين الاجواء القضائية ووفقا للقوانين الدولية لا ان يشن حملة شرسة تنتهك المتهمين وتعرضهم للضرب المبرح وأمام وسائل الاعلام الدولية ، قبل ان يتم التحقيق معهم ومعرفة الضالعين او من كانت لديهم (شبهات) عمن اشترك في تلك المحاولة الفاشلة، بل يفترض ان تستفيد تركيا من ( فشل محاولة الانقلاب) لتظهر حنكتها وصبرها لأن لديها القدرة على تجاوز الظرف العصيب بالرغم من مرارته، وتداوي جراحات (الخسارة الأمنية والمخابراتية) الباهضة وتعيد اختيار قيادات جديدة لها وتعيد ستراتيجيتها الأمنية بالكامل ، لتظهر أن بمقدور أجهزة أمنها القومي ان تغطي على حالة الوهن داخلها وتقبر المحاولة وتنهي فعلها قبل ان تبلغ مدياتها الخطيرة.

أحدث المقالات