بعد قرار القضاء العراقي بالإفراج عن رئيس مجلس النوّاب سليم الجبوري وغلق الدعوى المقامة ضدّه بموجب شكوى الحق العام لعدم كفاية الأدلة , وبغض النظر عن سرعة القضاء في إصدار قراره في هذه الدعوى , لكنّ الأكيد والثابت انّ القضاء لم يقف على أدلة ثبوتية تثبت توّرط رئيس مجلس النوّاب بالاتهامات التي وجهها إليه وزير الدفاع خالد العبيدي في جلسة استجوابه الثانية , ولو كان وزير الدفاع يمتلك مثل هذه الأدلة الثبوتية لقام بعرضها أمام مجلس النوّاب خلال جلسة الاستجواب ليثبت صحة ادعاءاته ويقنع السادة النوّاب بهذه الاتهامات , ويذهب الكثير من المراقبين السياسيين والمهتّمين بالشأن العراقي , إلى أنّ القضاء العراقي سيخرج بقرار توفيقي لا إدانة فيه لطرف على حساب الطرف الآخر , كما حدث في أزمة مجلس النوّاب ليفسح المجال لحل الأزمة بالطرق السياسية بين الطرفين وعلى طريقة ( بوس عمك بوس خالك ) , والذين يقفون مع هذا الرأي من المختّصين والمتابعين للشأن العراقي ينطلقون من تجارب الماضي في تعامل القضاء العراقي مع الأحداث السياسية الساخنة , وهذا صحيح إلى حد كبير , فالقضاء العراقي قد صبغ بهذه الصبغة التوفيقية , وربّما يعود ذلك لطبيعة رئيس مجلس القضاء الأعلى التوفيقية الذي ترك بصماته الواضحة على القضاء العراقي , لكنّي أرى أن الوضع مختلف تماما في هذه القضية , وأرى أنّ قرار القضاء العراقي بغلق الدعوى ضد سليم الجبوري ,
ما هو إلا تمهيد لإدانة وزير الدفاع بتهمة التشهير برئيس مجلس النوّاب وتثبيت تهم الفساد التي أثيرت ضده في الاستجوابين الأول والثاني , فمعظم هذه التهم ثابتة وبالدليل القاطع , ومهما كانت توفيقية القضاء العراقي , فإنه لا يستطيع طمطمة هذه التهم المدعومة بالوثائق والأدلة الثبوتية , خصوصا بعد أن تسرّبت وقائع جلسة الاستجواب الأول الذي قامت به النائبة حنان الفتلاوي إلى وسائل الإعلام والرأي العام .
ويبدو من خلال سير الأحداث أنّ السيناريو الذي أراده وزير الدفاع بإثارة الشارع والرأي العام العراقي ضد رئيس مجلس النوّاب وإلصاق تهم الفساد به , قد انقلبت ضدّه أو كما يقال أنّ السحر قد انقلب على الساحر , فعدم امتلاك وزير الدفاع لأي دليل مادي يثبت اتهاماته حتى وإن كانت صحيحة , مع ثبوت أدلة الفساد ضدّه والتي أثيرت في الاستجوابين الأول والثاني , يؤكد أنّ سيناريو طمطمة الموضوع لن ينفع هذه المرّة , ولا بدّ للقضاء العراقي من إدانة فاسد واحد على الأقل مع هذا الكم الهائل من الفساد , ليمتّص غضب الشارع لهذا الفساد والنهب للمال العام , فلن يكون بمقدور المدّعي العام بعد هذه الفضائح وهذا الفساد أن يستمرّ في سباته ويغمض عينيه عن هذا الهدر للمال العام خصوصا بعد اطلاع الرأي العام على الوثائق والأدلة الدامغة التي عرضت في الاستجوابين الأول والثاني , فقضية استجواب وزير الدفاع قد تحوّلت لقضية رأي عام وتسببت في خلق حالة من الهيجان والتذّمر , وشرارة واحدة تكفي لحرق الأخضر واليابس , وحينها كما يقول المثل الشعبي ( ما يلحك على الطاح فزع القرابة ) .