18 نوفمبر، 2024 3:46 ص
Search
Close this search box.

خدعة الطاقة المجانية بين خرافات اليوتيوب وادعاءات الهواة

خدعة الطاقة المجانية بين خرافات اليوتيوب وادعاءات الهواة

خدعة الطاقة المجانية (Free Energy)، بين خرافات (اليوتيوب) وادعاءات الهواة
الطاقة بمختلف أنواعها ، هي السر الكامن وراء تطور حضارة الأنسان ، هي القوة المحركة للتكنولوجيا ، وعصب الحياة المعاصرة ، الى درجة اعتبارها مسألة وجود منذ القدم ، فقد كانت قوة ملاحظة الأنسان وراء قيامه بالتدفئة والطبخ باضرام النيران لأشعال الحطب ، حتى وصل الى عصر التكنولوجيا ، وازدهار الطاقة الكهربائية لتحريك عجلات صناعته .
للطاقة اشكال متعددة ، كالحرارة ، والطاقة الميكانيكية (الحركية) ، والطاقة الكهربائية ، والكيميائية ، والضوئية والنووية وغيرها ، لكن نهم الأنسان لأستهلاك هذه الطاقة ، وما نتج عن ذلك من تغيرات مناخية وبيئية ، وظهور بوادر نفاذ مصادر هذه الطاقة ، جعلته يبحث عن مصادر بديلة ، تكون نظيفة وغير قابلة للنفاذ ، وٳن كانت هذه الخطوة جائت متأخرة جدا في رأيي من ناحية الأبحاث الجدية  للحصول عليها ، لأعتماد الأنسان في الدول الصناعية على الوقود الأحفوري (Fossil fuel) المتمثل بالنفط ، ورخص ثمنه وكلفة استخراجه ، مع ظهور دراسات غير دقيقة في السابق ، من أن هذه المادة غير قابلة للنضوب ، وأعتقد ان عدم دقة تلك الدراسات ، مصدرها شركات النفط العملاقة وهي تمتلك لوبيات جبارة وذات نفوذ هائل في صنع القرارات السياسية العالمية ، علما أن كل مصادر الطاقة على الأرض ، كالوقود الأحفوري والخشب والفحم ، وحتى المساقط المائية مصدرها الشمس ، ولو حرقتَ غصنا يابسا ، فأنه سيعطيك طاقة حرارية هي بالضبط ما أكتسبه من الشمس خلال فترة تكونه !..
بأمكان الأنسان ، تحويل الطاقة من شكل الى آخر ، فالبطاريات تحوّل الطاقة الكيميائية الى تيار كهربائي ، وما يحدث في مولدات الديزل أو البنزين ، هو حرق الوقود وتحويله الى طاقة حرارية ، ثم ميكانيكية ، ثم الى كهربائية ، وعند تحويل طاقة ما من شكل الى شكل آخر ، يجب أن يصحبه ضياع فيقلل الكفاءة ، لكن الأنسان لم يستطع تحويل الطاقة الحرارية الى كهرباء مباشرة ، الا على نطاق ضيق وغير تجاري بسبب قلة الكفاءة ، وهو ما يسمى (تأثير بولتيير Poltier Effect) . وبأمكانه تحويل الضوء (الطاقة الشمسية) الى كهرباء أيضا بواسطة التأثير الضوئي (Photovoltaic)  ، لكن لا تزال بمستوى كفاءة متواضعة رغم تصاعد حمى الأبحاث والتنافس بين الشركات الكبرى المنتجة للخلايا الشمسية ، والتي جاءت متأخرة أيضا !.
ان أكثر طرق انتاج الطاقة الكهربائية واقعية هو بواسطة المحركات التي تعمل على حرق الوقود (كالفحم او الديزل أو البنزين أو النفط الأسود) ، وكلها وقود أحفوري ، تكون هذه المحركات مرتبطة ميكانيكيا برأس التوليد (Alternator) المنتج للكهرباء الى حيث المستهلك ، والمثال البسيط على ذلك هو مولدات الديزل ، و(داينمو السيارة) المرتبط بمحرك السيارة بواسطة النطاق (القايش Belt) ، مع الأخذ بنظر الأعتبار ، ان كفاءة جميع المحركات (على المقياس الصغير) لا تزيد على 22% ، أي اننا سنبدد 78% من هذه الطاقة على شكل احتكاك ، وطرد الجزء الأعظم من هذه الطاقة الى الجو عن طريق نُظم التبريد ، وينطبق ذلك على محركات السيارات أيضا ، وتزيد نسبة الكفاءة بصورة طفيفة في المحطات ذات المقياس الكبير التي تولد المئات من (الميغاواط) ، كالمحطات الحرارية والغازية والبخارية ، لكنها تشترك جميعا ، انها تعمل على حرق الوقود بأنواعه ، وأعتقد أن من حماقة الأنسان ، أن يبذل الكثير بتبديده هذا ليحصل على القليل ، ورغم كثافة الأبحاث في مجال الطاقة البديلة ، الا اني اعتبرها لا زالت متخلفة ! ، فالمرء يفهم ان التقدم يعني التكنولوجيا المتطورة ، لكنها لن تساوي شيئا دون طاقة ، وستتحول الى قطع من الخردة ! .
يعتقد بعض الهواة أن بأمكانهم توليد طاقة مجانية من مولدات ذات كفاءة أكثر من 100% أو ما يسمى (Over Unity) ، بربط محرك كهربائي ميكانيكيا برأس التوليد ، ويُدار المحرك الكهربائي بمصدر خارجي اولا ، ثم اعادة تغذية جزء من الطاقة المتولدة من رأس التوليد الى المحرك وفصل المصدر الخارجي وهكذا ! ، وقنوات (اليوتيوب) تعج بهذه الأدعاءات غير العلمية ، والتي تفتقر لأبسط قوانين الفيزياء وهو ان (الطاقة لا تُفنى ، لكنها لا تُستحدث) ، اي لا يمكنك الحصول على الطاقة من العدم ، فهؤلاء يعتقدون ان رأس التوليد لا يسلط عزما كبحيا (Brake Effect) على المحرك عند تحميل رأس التوليد ، يعتقدون انه سيبقى سلس الدوران ، وهذا غير صحيح مطلقا ، ولك أن تلاحظ كيف ان محرك الديزل سيهتز ويزمجر ويصدر دخانا من عادمه ، عند تسليط حمل كهربائي ثقيل عليه ، هذا هو الثمن الفيزيائي لتحويل الطاقة الميكانيكية الى كهربائية  .
وفي حالة فكرة هؤلاء الهواة ، سيقوم رأس التوليد بتوليد الكهرباء فعلا عند تدويره بمحرك كهربائي ، لكن ما أن يُفصل مصدر الكهرباء الخارجي ، ويُغذى المحرك من رأس التوليد ، حتى يبدأ بالتباطؤ بسرعة ويتوقف ، قبل حصاد (واط واحد) من هذه المنظومة ، والسبب الضياع التدريجي للطاقة بسبب الأحتكاك ، والضياع في مقاومات اسلاك المولد ورأس التوليد ، بحيث تقل الطاقة تدريجيا وبسرعة من المولد ثم رأس التوليد ثم المولد ثانية ، ويتوقف نهائيا !.
فكرة أخرى قد تلقى القبول لأول وهلة ، هي باستخدام مولدة بنزين صغيرة ، تنتج تيار مستمر (DC) بمقدار (24V) ، يعمل على التحليل الكهربائي لحوض محكم مليء بالماء ، فيتحلل الماء الى عنصريه (الهيدروجين والأوكسجين) ، ثم توجيه خليطهما الى (كابريتة Carburetor) المولد ، ويدعون ان ذلك سيجعل المولد يدور بصورة دائبة (Perpetual Motion) ، بل يمكنك الحصول على الطاقة المجانية منه ، لكننا نعلم ، أن الطاقة المبذولة لتحليل الماء كهربائيا أكبر بكثير من الطاقة المحصلة حرق الهيدروجين ، أي من المولد الذي يعمل بمحرك ميكانيكي قليل الكفاءة أصلا ، فضلا عن خطورة انفجار الحوض لوجود الخليط الغازي بداخله ، لكن هنالك فرق ، بين توليد الهيدروجين فقط بتقنية مختلفة ، وخزنه بصورته السائلة لتسيير السيارات العاملة على الهيدروجين اما بأحراقه في محرك تقليدي ، او بواسطة خلايا الوقود الكهربائية (Fuel Cell) ، والتي تقوم بعكس عملية التحليل ، اي توليد الكهرباء من خلال اتحاد الهيدروجين بالهواء الحر ، وهذه تقنيات معمول بها حاليا ، ولا شأن للطاقة المجانية فيها .علم الفيزياء ينفي مطلقا وجود كفاءة لأي منظومة تزيد عن 100% وفي الحالة المثالية فقط التي هي غير موجودة عمليا ، فكيف لنا أن  (ننعم) بطاقة دون مقابل ؟!، ربما غفلت شركات الطاقة العملاقة عن فكرة الهواة هذه ! ، والتي فيها كل التلاعب والأحتيال ، والأجدر أن يحاكموا ، لأنهم سيسببون الكثير من الجهود الضائعة والخطرة لمن يشاهد هذه الفديوات ويحاول تصنيعها أو تقليدها (Replication).
هنالك فرية أخرى طلع بها هؤلاء الهواة ، هو استخدام المغانيط للحصول على دوران مستمر كما يدعون ، مستغلين مبدأ (التنافر الزاوي Angular Propulsion) بواسطة مغانيط مائلة ثابتة ومتحركة ، وهذا غير صحيح اطلاقا ، لأن المجال المغناطيسي ثابت ، والشرح يطول في هذا المجال ، فالتنافر لا بد ان يقابله جذب وعليه ستكون المحصلة صفرا ، أي بضع دورات ويتوقف ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فالبعض يصنع دعاية لبيع جهازه لتلبية حاجات المنزل بهذه الطريقة بمبلغ باهض ، وهذا هو عين الأحتيال .
جميعهم يلجأون الى نظرية المؤامرة فيدّعون ان أجهزتهم وجهودهم ممنوعة من قبل لوبي النفط والطاقة ، ويكررون عبارة  (الحكومة لا تريد لك ان تعلم ذلك) ! ، فلو وُجدت مثل هذه الأجهزة من غير المزيفة ، لأنتشرت انتشار النار في الهشيم  رغم كل شيء ، وصل السخف والأستخفاف بعقول الناس بأحدهم وهو يتكلم الأنكليزية بلكنة أعتقدها روسية ، وهو يدعي توليده للكهرباء بواسطة (سيّار) كهربائي ، فيضع القابس (البلك) لهذا السيار بمأخذ نفس السيار لعمل دائرة مغلقة ، ثم يقرب منه (قداحة) ليعمل شررها على انارة مصباح الدلالة (النيون) الصغير في هذا السيار  بخدعة خبيثة ، ويدعي انه بالأمكان ربط عدة أحمال بهذا السيار للحصول على طاقة مجانية دون مقابل !.
ان خدعة المحرك الدائب الحركة (Perpetual Motion) قديمة تعود لمئات السنين ، وأدعاها المئات من المحتالين ، ولم يثبت وجوده لحد الآن ، لكن علينا التفريق بين الطاقة المجانية (Free Energy) اللاموجودة والتي طالما ادعاها هؤلاء المحتالون ، والطاقة المتجددة (Renewable Energy) ، وهي علمية وواقعية ، كالطاقة الشمسية ، وطاقة الرياح ، والمساقط المائية ، وان شئت عزيزي القارئ الرجوع لمقالتي (ماذا تعرف عن الطاقة المتجددة )، في (كتابات) في 29 كانون الثاني 2014. كل عام وأنتم بخير 

أحدث المقالات