إنَّ نجاحَ العراق فِي سعيه لحملِ مُنَظَّمة الأُمَمِ المُتّحِدَة للتَّرْبِيَةِ والثَّقَافَة وَالعُلُومِ ( اليونسْكو ) عَلَى إدراجِ أربعة مِنِ الأهوارِ العراقيّة، بالإضافةِ إلى ثلاثِ مدنٍ ثقافيَّة قديمة ضمن سجل لائحة التراث العالمي، يفرض عَلَى القياداتِ الإداريّة توجيه أذرعها التنفيذية المتمثلة بوزارةِ الثَّقَافَة والسِّياحَة والآثار والجهات الساندة حَوْلَ أَهمِّيَّة تعزيز قيمة هذا الإنجازِ التاريخي عبر التحرك العاجل لتأهيلِ البنية التحتية لهذه المناطقِ والبدء بوضعِ سياسات تطويرها مِنْ خلالِ التركيز عَلَى آلياتِ البحثِ والتطوير فِي مهمةِ تأمين متطلبات البيْئَة الجاذبة للاسْتِثْمار، بالإضافةِ إلى الشروعِ بتوسيعِ دائرة الاهتمام بتنميةِ الموارد البَشَريَّة؛ بالنظرِ لأَهمِّيَّةِ مخرجاتها فِي عمليةِ بناء قدرات معاصرة تقوم مرتكزاتها عَلَى المَعْرِفةِ والإِبْداع. إذ أنَّ مواكبةَ التقدم العالمي المضطرد في مجالِ التَّنْمِيَةُ الاقْتِصَادِية يلزم إدارة الثَّقَافَة وَالسِّياحَة والآثار إعداد الخطط العِلْميَّة الَّتِي بمقدورِها المساهمة الفاعلة فِي تَنْمِيَةِ مهارات القيادات الإداريّة والتنفيذية لقطاعِ السِّياحَة، والَذي يُعَد فِي عالمِ اليوم أحد أهم القطاعات الاقْتِصَادِية وَالاجْتِمَاعِية الَّتِي مِنْ شأنِها تعزيز مرتكزات تقدم البلدان وتدعيم محركات تَنْمِيَتها المستدامة.
إنَّ الفرحةَ بقرارِ اليونسْكو موافقته ضمّ مدن أور وأريدو والوَرْكاءُ، فضلاً عَنْ أربعةِ أهوارٍ إلى لائحةِ التراث العالمي ينبغي أَنْ لا تنسينا أَهمِّيَّة موجبات المرحلة القادمة، والَّتِي تتطلب مِنِ الإداراتِ الحُكُومية المعنية جهداً استثنائياً لأجلِ ضمان حماية أفراح التتويج مِنْ مخاطرِ تقويضها المرتبطة باشتراطاتِ منظمة اليونسْكو الخاصة بتنفيذِ العراق لمجموعةِ المعايير القياسية الَّتِي تعتمدها إدارتها فِي تقويمِ واقع المناطق المشمولة بهذا القرار، والَذي يلزم العراق حُكُومة وشعباً التمسك بديمومتِه. إذ أمهلت المنظمة الأممية للتَّرْبِيَةِ والثَّقَافَة وَالعُلُومِ الحُكُومة العراقيّة عاماً واحداً بالاستنادِ إلى لوائحِ عملِها لغرضِ إكمال كافة الالتزامات المترتبة عَلَى موجباتِ سريان هذا القرارِ التاريخي. إذ ستجري مراجعة للملفِ الخاصّ بدرجِ الأهوار وبعض المعالم الأثرية العراقيّة إلى لائحةِ التراث العالمي فِي العامِ المقبل بقصدِ التأكد مِن مدى التزام العراق بالمتطلباتِ المطلوبة.
ولعلَّ مِن المهمِّ جدّاً أَنْ تبدأ الأجهزة المعنية والجهات الساندة مِنِ الآن بتحشيدِ جميع الطَّاقَاتِ عَلَى جميعِ المستويات الرسمية والشعبية لأجلِ المساهمة بمراجعةٍ نقدية لأخطاءِ السنوات الماضية الَّتِي شهدت تعثراً فِي مهمةِ إنعاشِ الأهوار وتأهيل المناطق الأثرية، تمهيداً للمباشرةِ بإقامةِ البِنْيَة التَّحْتِيَّة لهذه المناطقِ الَّتِي تستدعي تكثيف ما متاح مِنِ الجهودِ لغرضِ منح الإدارات المعنية القدرة عَلَى إزالةِ ما يحتمل أَنْ يظهرَ مِنْ عقباتٍ أمام تنفيذ برامج تطويرها.
لا رَيبَ أَنَّ فِي مُقدِّمةِ إجراءات تطوير المناطق مَوْضُوع البحث هو الإسراع بتشريعِ القوانين الخاصة بحمايةِ الأهوار وإنعاشها، إلى جانبِ بذل مساعٍ حثيثة بقصدِ تأمين بيئة جاذبة للمستثمرين، بالإضافةِ إلى متابعةِ الحُكُومة العراقيّة التزام تركيا بإطلاقاتِ المياه فِي أنهارِنا ضمن الحجوم الملائمة لتأهيلِ الأهوار بوصفِها محميات عالمية، فضلاً عَنْ التثقيفِ بصددِ رفع مستوى الوعي البيْئَي بمخاطرِ تَلَوَّث أهوارنا ومناطقنا الأثرية والتاريخية بعد أَنْ بلغَ التَلَوَّث معدلات خطيره بحسبِ المتخصصين.
إنَّ إهمالَ هَذَا الملفِ بعد إقراره، يشكل لا قدر الله انتكاسة كبيرة لمسيرةِ البناء والتَّنْمِيَةُ المفترضة فِي البلاد، إذا ما أدركنا أنَّ قرارَ اليونسْكو بإدراج الأهوار وبعض المناطق الأثرية ضمن لائحة التراث الإنساني يُعَد قراراً مشروطاً، الأمر الَذي يجعله مهدداً بالإلغاء إذا لم ينفذ العراق تعهداته، والَّتِي فِي القلبِ منها برنامج إدارةِ هذه المناطقِ عَلَى وفقِ المعاييرِ الدولية.
فِي أمانِ الله.