مع استمرار الأحداث التي تعصف في المنطقة عموماً وفي العراق خصوصاً ، ربما يُطرح تساؤل مفاده، من يتقدم في خيارات المواجهة: الفرد، الطائفة أم الوطن ؟! . لعل الجواب يأتي بلا تردد الوطن قبل سواه من الخيارات ، لأن الفرد كغيره من المخلوقات في طريقه الى الزوال رغم دوره البارز في بنية المجتمع، أما الطائفة فمع تعدد أشكالها وألوانها في المجتمع الواحد فهي نتاج عدد من الأفراد ، تجمعهم تقاليد وأعراف موروثة . إذاً الفرد والطائفة يشكلان مجموعة مكونات في بناء المجتمع ، وبقاؤهما مسألة نسبية تُحدد بقدر عطائهما للوطن أو حمايته من الاخطار لا بقدر ما يأخذان منه ، غير أن الاوطان تبقى هي الأهم كما هو معروف .
فبعد أحداث لبنان العاصفة في القرن الماضي وما نتج عنها من تداعيات نظراً لتنوعه الطائفي “تكريس الطائفية السياسية” في نظامه السياسي والذي ما زال شعبه يدفع ثمنها باهظاً أكان على صعيد اقتصاده الهش أم على صعيد التدخلات الخارجية التي تهدد سلمه الاهلي . يواجه العراق هو الآخر منذ احتلاله ، مرحلة بالغة الخطورة سواء عن طريق اقتتاله الطائفي أم عن طريق التدخلات الخارجية التي تريد من خلال صراعها مع الغير البحث عن دور في المتغيرات الجديدة وهذا كله جاء بسبب الإحتلال وما كرسه وفق الخطة التي أعدت مسبقاً ليكون العراق على ما هو عليه الأن .
بطبيعة الحال ، إن تداعيات إحتلال العراق وما يجري على أرضه القى بضلاله على المنطقة وتخطى حدود “اللعبة” ليضرب عدداً من دول المحيطة ، والشواهد على ذلك كثيرة منها ما يجري في سورية واليمن وليبيا ، أضف الى ذلك ما يجري في لبنان من إحتقان طائفي ومذهبي نتج عنه تعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنتين ، بسبب رفض “حزب الله” الذراع الإيراني في المنطقة ، حتى البحرين لم يوفرها التوتر المذهبي ، حيث باتت ساحات هذه الدول بمعول الطائفية ملعبا لإيران التي لطالما حلمت بذلك ، وما كان ليتحقق لها هذا الحلم الأزلي لو بقي العراق عراقا ، خاصة بوجود السلطة الحالية التي جعلت من العراق تابعا لإيران بكل ما يمتلكه من إرث حضاري ووزن سياسي في المنطقة وبمباركة من العم سام طبعاً ، والمفارقة أن بعض قادة المنطقة تنبهوا الى خطورة تداعيات ما يجري على أرض العراق ، بعد أن باركوا احتلاله وما تلاه من زلزال شعروا بخطورته ، الأمر الذي أضطرهم الى الاعتراف بأن العراق يعاني من إحتلال بغيض ليس حباً به ، أو وجلاً على العراقيين بل خوفهم على عروشهم ، لكن حتى اللحظة هم عاجزون عن طرح مشروع يواجهون به الغول الإيراني وتمددّه في دول محيطهم .
في قراءتي لكتاب ملوك العرب للأديب العربي الراحل “أمين الريحاني” إستوقفني قول السلطان عبد العزيز بن سعود للأديب، مفاده “رغم صداقتي للانكليز، تراهم يغزلون ويغزلون، ويدسون لي الدسائس، أقاموا دويلات حولي”. رغم أن هذا الكلام يدركه جهّال القوم قبل فقهائه ولا نريد أن نخوض في دلالاته ، ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة حيث مضى على قول السلطان أكثر من ثمانية عقود والحال ذاته لم يتغير ، حيث غياب الرؤية والمشروع الصارم بوجه التهديدات هو سيد الموقف .
إننا أمام مشكلة حقيقية وإن تغيرت موازين القوى لصالح قطب واحد، فنحن لا نجيد اللعب مع مجتمع أوراقه غامضة، في حين أوراقنا مكشوفة له . فأذا أردنا أن نبني وطناً علينا أن ندرك أن التغيير والديموقراطية مطلبان وطنيان قبل أن يكونا واقعا مفروضا، لأنهما يعكسان الطموح من أجل حياة أفضل لتحقق الشعوب بها إنسانيتها وكرامتها . وهذان الاستحقاقان يحتاجان الى قادة مؤمنين بالحوار مع الاخر مبتعدين عن الاستفراد بالسلطة، فطريق بناء الوطن يبدأ بعد توافر المناخ المناسب من قبل زعامات السلطة لأنها المسؤولة عما يحدث من خلال تشخيص جميع الأخطاء والإستفادة منها لتجنب إرتكاب المزيد في المستقبل ، وترجمة الولاء للوطن وليس للفرد أو الطائفة يكون عبر برامج تنفيذية تشمل جميع مرافق الدولة.