يقول الشهيد محمد باقر الصدر(قدس): (من يحمل بيده المصباح، ويجد هناك أناساً يعيشون في الظلام؛ يجد نفسه مسؤولاً عن إنارة الطريق لهم، ولا يجوز أن يتّخذ منهم موقفاً سلبياً؛ فيقول ما بالي وبالهم، أنا في نور وهم في ظلام).
أردت أن ابتدأ هذا المقال، بكلام الشهيد محمد باقر الصدر، لتبيان مسؤولية ودور الطبقة المثقفة، فكل من يملك رأياً أو فكراً، عليه أن يوظف هذه الثقافة والأفكار والآراء، في رفع مستوى البسطاء من المجتمع، وتثقيفهم، وليس التهجم عليهم، فقد يكون مستوى تعلمهم، واطلاعهم وبيئتهم، هي من حددت مواقفهم، وهي بنظرهم صحيحة وموفقة، لذلك لابد من توضيح الرؤية لديهم وعدم تركهم.
للأسف المثقفين العراقيين أنفسهم، غلب عليهم التعصب والغلو، فبعض منهم دائم التهجم على هذه الفئات، وبعض آخر تَرفع عن مخاطبتهم، مثلا هذه الأيام حدثت مشكلات أمنية، في بعض من محافظات جنوب البلاد، سببها خلافات عشائرية، شاهدنا هتافات بعض الصبية والشباب، بالضد من بعض القوات الأمنية، -وهذا العمل مرفوض جملاً وتفصيلا- لكن بعض الناشطين والمثقفين، نعتوا هؤلاء “المتظاهرين” بالإرهابيين، لأنهم هتفوا ضد هذه القوات حسب وصفهم.
رداً على هذا الوصف كان هنالك تعليق لي مفاده: “يجب التوقف عند بعض المصطلحات، وألا ننعت كل مخالفة بالإرهاب” فكانت الردود من بعض الشباب، وهي:” لمَ تصفون مظاهرات الغربية بالإرهاب؛ ولا ترضون بوصف هؤلاء” فالجواب هو: عندما نرفض أطلاق هذه المصطلحات، فإننا نرفضها في العراق ككل، لافرق بين الجنوب أو الغرب أو الشمال، كما رفضنا تعامل الحكومة، مع بداية المظاهرات بالعنف، في العام 2014.
إضافة لذلك، إن المظاهرات التي وصفناها بالإرهاب، كان أصحابها يفتخرون بذلك “والاعتراف سيد الأدلة” فقد هتف المتظاهرون أنفسهم، وبمكبرات الصوت، باسم القاعدة، وافتخروا بقطع الرؤوس بهتافهم:”احنا تنظيم اسمنا القاعدة، نكطع الراس ونقيم الحدود” فكيف لمنصف أن يساوي بين هذه المظاهرات وتلك؟
هذا المثال يوضح حجم المأساة العراقية، فمسؤولية المثقف، هي أن يبادر لتنوير عقول هؤلاء الشباب، وليس التهجم عليهم؛ بوصفهم بأبشع الأوصاف، خاصة إذا علمنا إن أغلب أبناء الحشد الشعبي والمتطوعين، هم من هؤلاء الشباب، ومن هذه العشائر، فلا أحد ينافسهم في وطنيتهم، هم يحتاجون من المثقف أن يمد يده لهم.
لانريد أن يكون شباب العراق، ضحية التطرف العشائري، ولا الديني، وأيضاً لانريد الانحلال الأخلاقي، وغياب الحس الوطني، لو عدنا إلى الوراء قليلاً، وقبل سنتين وعند دخول “داعش” للعراق نجد نوعين من الشباب العراقي، نوع ترك أهله وذهب يقاتل ضد الإرهاب، وهذا النوع أغلبه من أبناء العشائر وأبناء الفقراء، والنوع الثاني هو من ترك وطنه للإرهاب وهاجر، وهذا النوع أغلبه من أبناء الأثرياء ومراكز المدن.
النتيجة إن أبناء القرى والعشائر، تربوا على عدة عادات وتقاليد، منذ نعومة أظفارهم، فليس من السهل الطلب منهم أن يتركوها، بليلة وضحاها، فهذا يحتاج لوقت ليس بالقليل، فهم بحاجة لاحتوائهم وتنويرهم، وهذه المسؤولية تقع على عاتق المثقفين جميعاً، فهؤلاء الشباب، لو ولدوا وتربوا في بيئة المدينة، لكانوا أكثر مدنية من غيرهم، ومع هذا لابد للدولة أن تفرض هيبتها، على جميع أراضيها، ومدنها وقراها، فضعف الدولة، هو ما يساعد على بروز هذه الظواهر السلبية.