18 ديسمبر، 2024 8:50 م

عن العبيدي …الفاضح والمفضوح !

عن العبيدي …الفاضح والمفضوح !

في أول حكومة شكلت عقب اقرار دستور 2005، التي تولى رئاستها ابراهيم الجعفري، رئيس حزب الدعوة حينها، استوزر عبد القادر جاسم العبيدي لوزارة الدفاع العراقية من جبهة التوافق السنية التي حرصت في ذلك الوقت على الحصول على هذه الوزارة السيادية، لأنها كانت تُعلن تبينها لانصاف الجيش السابق وعناصره الذين شملهم قرار بريمر الحاكم الامريكي للعراق، حين حل جيش صدام عقب اسقاطه.
ولربما كان اعطاء المنصب الأهم في الدولة العراقية للمكون السني جزءاً من الترضية الامريكية لهذا المكون الذي ظل ابنائه من الجنرالات وغيرهم يحتكرون الحكم في البلاد لسنوات طوال، وعزلتهم الاجراءات الامريكية دون سابق انذار، فاشعلوا التمرد!.
ولكن مالذي جرى حينها، لم تمضِ سوى فترة قليلة، حتى ارتفعت الأصوات من بين اعضاء تلك الجبهة “السنية”، وتفضح ما سمي حينها بالصفقة الأكبر، حيثُ اتهم خلف العليان، وهو قيادي سني- بعثي بارز في تلك الجبهة انذاك، ببيع المنصب مقابل عشرة ملايين دولار، مع فوائد شهرية تدفع من قبل الوزير لهذا الشخص وشخصيات نافذة اخرى داخل جبهة التوافق السنية.
احدثت هذه الفضيحة حينها دوياً، وكان الكثيرون يعتقدون أنها ستطيح بكل شيء، خصوصاً وانها من المحرمات الكبرى التي لم يألفها الواقع السياسي العراقي الحديث، لكني اتذكر حينها تعليقاً طريفاً لأحدهم، حين قال “أنها ليست اول جرة تُكسر في الاسلام، ولكن تكون الأخيرة بالتأكيد”، بعد ذلك كان الحديث عن بيع المناصب الحكومية في العراقية، اكثر من اي  حديث أخر، فمن بيع الوزارات انتقلت العدوى الى بيع  الوكالات والادرات العامة والمحافظين والى ادنى المستويات، فضلاً عن بيع المناصب الأمنية في الوزارت، وأستمر الحال كما هو عليه، وكلما تشكلت حكومة، او شغر منصب، بدأت بورصة المناصب بالارتفاع، وما ان ترسو على طرف، حتى يبادر الطرف الأخر بفضح الصفقة التي خسرها، والى هذا الحد كل الأمور تسير دون عقد او مشاكل، فما الذي جرى في حكومة العبادي، وهل كانت استنثناءاً من تلك القاعدة؟
الجواب، لا بالتأكيد، ما دامت هذه الحكومة ولدت من ذات الرحم الذي ولدت منه الحكومات التي سبقتها، وما دامت ذات القوى التي تجرأت يوماً على البيع، او الاسترزاق من الوزارات، هي ذاتها من شكلت هذه الحكومة، ورشحت وزرائها.
المفارقة الأكبر في ملف البيع، هو أن القوى السنية التي تشكو من التهميش والاقصاء، هي من اكثر الكتل السياسية التي تشهد في اروقتها الداخلية صفقات بيع وشراء المناصب التي تمنح للمكون السني، وتجري في داخلها عمليات ابتزاز ومساومات للوزراء الذين يرشحون عنها، فما السبب ؟
السبب ببساطة هو هيمنة رجال اعمال وتجار ومقاولين كبار على اغلب هذه الكتل، حيثُ يتخذ هولاء من العاصمة الاردنية عمان مقراً لهم، ويديرون بعلم الحكومة واجهزتها، وبرلمانها، عمليات البيع والشراء، وما ان يختلف هولاء بينهم، حتى تبدأ وسائل اعلام ( مواقع وقنوات فضائية مرتبطة بهم) بفضح الصفقات السابقة.
في ملف وزير الدفاع خالد العبيدي الذي اتى من ضلع قائمة متحدون بزعامة اسامة النجيفي ( الحليف الأقوى لتركيا اوردغان)، يبدو أنه اريد له ان يخضع لذات المقاييس والضوابط المعتمدة من قبل تحالف القوى السنية، بحسبِ ادعائه المُعلن في الجلسة الشهيرة، وعلى الرغم من ان تحالفه السني لم يبادر في مسائلتهِ، او مهاجمته علناً باستثناء كتلة الحل احدى الكتل السنية، فأنهُ ادرك ان ثمة “طبخة سياسية” تدار من قبل باقي مكونات الجبهة للإطاحة به وتعيين أخر بديلاً عنه، من خلال استغلال سخط حلفاء المالكي في البرلمان، الذين يدفعهم نجاح العبيدي واندماجه مع العبادي في التحالف الامريكي الى محاولة عزله، فاقتنص العبيدي هذه الفرصة للإطاحة بكل هولاء دفعةً واحدة بالتنسيق مع قوى شيعية، تحاول ان تضرب التحالف السني بعصا منه، وهو ما حدث بالفعل .
ولذا فأن ما حدث على الرغم من كل الجلبة التي احدثها، فأن من يمنون انفسهم بأن يحدث هذا الأمر انعطافة كبرى، مخطئون للأسف، فكل الذي سيجري هو ضمن الحدود الدنيا، ولن تسمح العوامل الداخلية، والضواغط الأقليمية في تفكيك بنية الفساد الكبرى التي تعشعش داخل المشهد السياسي، بل سيصار الى اجراءات هامشية لذر العيون في الرماد، وينتهي الملف الى الترضيات والتسويات الداخلية، فيما سيظل الفاضح والمفضوح، جزء اصيل من مكونات المشروع، حتى وان فضح احدهم الأخر!