كنت كمن نزل من المريخ الى الارض , كان هذا شعوري في اول ايامي في الجامعة , استكشف الوجوه الجديده كاستكشاف الرضيع لما حوله , شاعرا بان كل من في المكان يراقبني , اعلم ان هذا غير حقيقي ولكن هذا لايعني انني كغيري من الوافدين الجدد : لم اكن موضوعا لدعابات من هم اكبر منا سنا فقد كنا بالنسبة لهم كتاكيت تائهه.
كان هذا انطباعي في اول هبوط لي على هذا الكوكب , وكن سرعان ما بدأت الصورة تتضح , كان هذا هو روتين الكليات, الكبار يسخرون ممن هم اصغر والصغار يستعظمون اكثر من اللازم من هم اكبر , الشباب يبحثون عمن يلائمهم من الرفقاء والبنات كذلك , ثم تبدأ المرحلة الثانية بمحاولة لفت الانتباه بين الشباب والبنات وهذه المرحلة هي اللتي تخلق الشعراء والمعقدين والمنزوين والحبجيه وغيرها من التصنيفات بالنسبة لي انا القادم من بيئة محافظة والمسلح بارشادات وتوصيات لم اتبع اياً منها, فلم يأخذ مني ايجاد الرفقة الذكورية وقتا طويلا فقد وجدت من يشابهونني في الاهتمامات والصفات العامة وصرت اقضي معهم اغلب اوقاتي داخل الكلية وخارجها.لم اكن حديا في عدم مخالطة من لا يروقون لي ,فالمنطق يقول خالط الجميع وصاحب من تشاء .
كان هناك نوع واحد من الناس الذين لم اطق معاشرتهم ولكن مقاعد الدراسة فرضت بعضهم علي ومن هؤلاء .. سلمان .
سلمان هو من الشباب الذين خلعوا ثيابهم الاصلية منذ دخولهم الكلية ولبسوا ثياباً لا تلائمهم بحثا عن الرقي ورغبة في الصعود على سلم الطبقات الزائفة.
سلمان القادم من (سيد دخيل) في الناصرية عمل جاهدا على رفع الكسره المحببه في لكنة الجنوب الى اعلى حروف كلماته مما حولها الى ضمة خجوله تضل طريقها في احيان كثيرة .
حاول ان يتعامل باستعلاء مع ابناء جلدته حتى نبذوه وتعامل بهوان مع من يظن انهم من علية القوم حتى استهانوه .. جالسته في بعض الاحيان فوجدته يلبس رداءاً يكاد ينفر من جسمه ,وجدته فاقداً للهويه مقنعا بقناع ما لبث ان اعتاد عليه حتى ظن انه وجهه الحقيقي. انا خجول وقليل الكلام ولكني حين اتحدث لا يردعني خجلي عن قول الحقيقة وقد سألت سلمان مرة .. لماذا يحرص مشتري السيارة ان يكون صبغها اصلياً مع ان هناك الوانا جذابه ممكن ان يصبغ أي منا سيارته بها .. فقال لي لان الصيغ الاساسي دليل على سلامة هيكل السيارة .. ثم نظر الي نظرة عرفت من خلالها ان الفكرة وصلت , لكن هذا لم يغير شيئا .. لم اكن اثق به لان امثالهه يفعلون أي شيء للمحافظة على تواجدهم في محيطهم الراقي, حل ذلك الشيء أو حرم .. ووضعت ثقة كامله باصدقاء لم يغيروا اثوابهم بل علو باخلاقهم وحسن فطرتهم الى ارقى المراتب وكانو محل احترام الجميع ..وهنا اذكر طيب البصاروة وحس فكاهة اهل الناصرية وكرم اهل السماوة وغيرهم وغيرهم
حتى من لم يكونو من ذوي الاخلاق اظن انهم كانو يعيشون بتصالح مع انفسهم فهم لم يحاولوا ان يعطوا للاخرين صورة معاكسة لما هم عليه وهذا شأنهم ..
مضت السنوات وغادرنا جميعا بغثنا وسميننا مقاعد الدراسة ودخلنا معترك الحياة ومسؤولياتها .. فتغير منا من تغير وبقي على حاله من بقي وتفارقت الوجوه وانتشرت في شتى ارجاء المعموره .. ولم يزل سلمان يزور ذاكرتي كل حين خصوصا عندما ارى اشباهه في التلفاز او الاسواق او العمل وهنا اقصد اشباهه في الصفة ..
حتى شاءت الصدف ان اراه في احدى المؤتمرات في بلاد الغربة .. ولم استطع الا ان ادعوه للعشاء في تلك الليلة وقد اجاب دعوتي .. جلسنا وتحدثنا طويلا عن ما مضى وايام الدراسه, حدثني كثيراً عن رحلاته وعن هواياته (الراقية) اللتي لا يستطيع العيش بدونها مثل لعبة البولو !! ولم اكلمه هذه المرة بلسان الناقد فهو مهما كان رجل ناضج الان وقد تكون في من السيئات اكثر مما فيه .. ولكني كنت احمد الله كل دقيقة اني لست هو …
لقد كان ضيفي لذلك كان من حسن الخلق ان جاملته بكلمة مسمومه قائلا ” لولا انني اعرفك لقلت انك انكليزي” فتورد وجهه فرحا بهذه الكذبة وهذا ما جعلني اشفق عليه من لساني
والذي اثار شفقتي اكثر, اني وجدته هذه المره ليس فاقداً لصبغته المزيفه وحسب بل فاقداً لصبغه الاساسي حتى .. أي انه كما يقال (طايح صبغه) ..