التصحيح والتعديل.. إجراءان مهمان في مراحل حياة كل منا، صغيرا كان أم كبيرا.. مثقفا أم جاهلا.. عاقلا أم (نص ستاو)..! فهذان الإجراءان يقوّمان الخطأ -وكلنا خطاؤون- ويعالجان الخطل -وجلّنا ساهون-. أما من كان منا (ستاو كامل) فلا ينفع معه التصحيح والتعديل، إذ هو بعيد عن التقويم والمعالجة بعد زحل عن ساحة عقبة بن نافع.
منذ سقوط رأس النظام البعثي في العراق، يستقتل أحفاده ويستميتون بكل مااستطاعوا للرجوع الى سابق عهدهم بشكل أو بآخر، وقصدي بالشكل هو ما يفعله البعثيون القابعون خارج الحدود بشكل علني، وأما قصدي بالآخر فهو ما يفعله البعثيون -وإن لم ينتموا- في الداخل، وهم متبوئون مراكز عليا في سدة الحكم في الدولة العراقية الديمقرطية الفيدرالية التعددية، تلك التصرفات التي تحاكي أسلوب الحرباء في الخديعة والتمويه، وقد أشار إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام الى هؤلاء في قوله:
لاخير في ود امرئ متلون
إذا الريح مالت مال حيث تميل
على أن تلونهم هذا مع متطلبات ظرفهم، وميلهم حيث تميل كفة مصالحهم الآنية، لايعني تخليهم عن ماضيهم الأسود، ولايدل على اندماجهم مع حاضر الأمر وواقعه، بل هو تكتيك وسياسة ينتهجونها مع إبقائهم على حقدهم الدفين، ويتحينون أثناءها الفرصة للرجوع الى ماكانوا عليه، وهم الذين قال فيهم عليه السلام:
إن الحقود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصدور مغيب
مابدأت به مقالي في مقامي هذا أشير فيه الى قانون المساءلة والعدالة، الذي مافتئ بعض ساستنا يتلاعبون بفقراته، تارة بالتعديل وأخرى بالتحوير وثالثة بالحذف ورابعة بالإضافة وخامسة بمحدودية المشمولين به، وماكل هذا إلا قربان للغاية الكبرى وهي إلغاؤه.
كلنا يذكر الدعوات المتكررة والمحاولات الدؤوبة التي قام بها المتلونون ممن يشغلون مناصب رفيعة في البلد، لتبرئة البعثيين الذين تمادوا بالأذى والظلم بحق عراقيين أبرياء، وإعفائهم من هذا القانون، وقد فاحت رائحة النيات المبطنة من دعواتهم تلك بمقترح السماح لمن هم بدرجة أعضاء فرق او أدنى في البعث المنحل، بمشاركة شرائح المجتمع العاملين في مؤسسات الدولة، وإعادتهم الى وظائفهم في دوائرها، الأمر الذي أثار حفيظة كثير من العراقيين الشرفاء، لاسيما الذين عايشوا أحداث الربع الأخير من القرن المنصرم، وجايلوا قياديي البعث آنذاك، من هم بدرجات عليا وأذيالهم من الدرجات الوسطى في تنظيماته، ورأوا بأم أعينهم حقيقة مايجري في مقر الـ (فرقة) و الـ (شعبة) والـ (فرع) من إصدار قرارات مجحفة ظالمة لاإنسانية، وتنفيذ أخرى تستهدف المواطن العراقي بشتى المضايقات. وقد كان نشر تلكم المقرات في بنايات تتوسط أزقة بغداد والمحافظات العراقية مقصودا، فلم يكن وضعها بين بيوت العراقيين الآمنين عفويا، بل كان واحدة من الخطط لتعزيز سيطرة النظام البعثي على كل شبر من أرض العراق وكل لحظة من حياة العراقيين.
برأيي إن منظمة البعث الدموية الفاشية لم تسقط مع سقوط صنمها عام 2003، بل سجلت سقوطها وأثبتت انحلالها منذ ستينيات القرن الماضي، حين كشر قياديوها عن أنيابهم، وتبينت النيات التي يكنونها للبلد في مقارعتهم جمهورية العراق الأولى التي أقامها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم. وتكشفت تلك النيات بشكل جلي حين تفردوا في الساحة العراقية عام 1968 والأعوام التالية التي تصاعد فيها عداء الـ (رفاق) للفرد العراقي بشكل طردي مع تمركزهم في الحكم، حتى باتوا يتفننون بإظهار أشكال التنكيل والعذابات وتطبيقها عليه، فضلا عن نهب أموال البلد العامة ومصادرة أموال المواطن الخاصة، المنقولة وغير المنقولة على حد سواء بلا وازع من ضمير ولا خوف من رقيب. وبذا يكون الأمر معيبا إن حاول البعض إعادة النظر في موضوع تجريم البعث او الاجتثاث، إذ يكون الأمر حينها مكافأة لمن أساء، وإعادة لماضٍ مظلم.
[email protected]