((هذه المعركة، معركة مقدسة، دفاع عن الوطن، دفاع عن المقدسات، دفاع عن الحرمات، دفاع عن كل شيء حَبَبَ الله الدفاع عنه، العدو واضح وجلي، وهو متبني لمدرسة العداء للإنسانية، متوهم! متوهم! من يقول إنهم يحاربون الشيعة فقط)).
بهذه الكلمات، صدحت حنجرة السيد الشهيد صالح البخاتي، معبرة عن عمق إيمانه بإنسانيته ووطنيته، وعقيدته الراسخة بقداسة المعركة، ضد عصابات “داعش” التي يعتبرها عدو للإنسانية، وثبت ذلك فيما جرى للإيزيديين في جبل سنجار، وما حصل لعشائر البو نمر في الرمادي، وما جرى لشهداء معسكر سبايكر في صلاح الدين، وغيرها من الجرائم الإرهابية، فكل هذه الأعمال إنما هي جرائم ضد الإنسانية جمعاء، دون تفريق بين معتقد وآخر، أو طائفة وأخرى.
انظم الشهيد البخاتي للعمل الجهادي، ضد النظام الصدامي منذ صغر سنه، حيث كان عمره آنذاك قرابة الخمسة عشر عام، جاهد في الأهوار، وهاجر لإيران، ثم عاد وتم اعتقاله وسجنه، ومن ثم خرج من السجن، شارك في الانتفاضة الشعبانية، واستمر على ما هو عليه حتى سقوط الصنم، كل عمله الجهادي هذا، كان تحت مظلة شهيد المحراب الخالد محمد باقر الحكيم(قدس)، فهو أحد تلامذته منذ الصغر.
بعد التغيير الذي حصل في العام 2003، وعلى العكس من اغلب المجاهدين، فهو لم يدخل العملية السياسية، بل ظل بعيدنا عن الأنظار، وعندما برزت المجاميع الإرهابية للعلن، خلال أحداث سوريا، وتهديد مرقد السيدة زينب(عليها السلام)، فما كان منه إلا أن أسرع للدفاع عن حرمها الطاهر، وعند صدور فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية، كان من أوائل الملبين لها، فشارك الشهيد البخاتي في تحرير العديد من المدن العراقية، من قبضة عصابات ” داعش”، كان آخرها المشاركة في تحرير الفلوجة.
ندب الشهيد حظه مرة، حين أصابت رصاصة العدو السيارة التي تَقِله، فقال: (بيني وبين الشهادة جزء تبقى من هذه الزجاجة، وأنا في صراع وجداني إذ أقول: هل إنني غير مستحق لهذه الكرامة، أم لعل الذي أبطأ عني خير لي، لعلم ربي بعاقبة الأمور؟) لكن الباري (عز وجل) لم يحرمه من مناه، حين منحه ما كان يتمناه ويطلبه طيلة حياته، ألا وهي الشهادة في سبيل الدفاع عن الكرامة والوطن، ضد عصابات “داعش” الإرهابية.
يُعد الشهيد صالح البخاتي، أحد أهم المجاهدين في تيار شهيد المحراب، ومن قادة سرايا الجهاد، التي أسست استجابة لفتوى الجهاد، مثل الشهيد في جهاده وصبره وشجاعته، قيم وثوابت تيار شهيد المحراب، في الطاعة للمرجعية، والدفاع عن المقدسات والوطن، فعندما استنهضه العراق؛ ما كان منه إلا أن حمل روحه بكفه، ليقدمها فداء لوطنه، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
أربعون يوماً لبداية حياة الشهيد البخاتي الأبدية، فيحق للعراق أن يفخر بهذا البطل، الذي أفنى عمره في سبيل الدفاع عنه، على العراقيين أن لا ينسوا شهدائهم؛ لأن الأمة التي لا تستذكر شهدائها أمة ميتة، فالأرواح التي بذلها أصحابها بحق وطنهم، إنما هي في سبيل حفظهم ودوام كيانهم، فكل شهيد له حق على أبناء وطنه، في أن يخلدوا ذكره ويستذكروا سيرته، فهو كشمعة احترقت في ظلام دامس؛ لتنير الطريق للآخرين.
قد يختلف العدو الذي تقاتله، ما بين طائفي ومذهبي وقومي؛ فيكون مقدار أجرك وعظمة شأنك، حسب أهمية وشأن قضيتك، فعندما يكون قتالك ووقفتك، دفاعاً عن الإنسانية، فأنتَ أسمى وأجل من أن لا تذكر، وتخلد رمزاً من رموز الإنسانية.