موائد الحق وإن كانت شحيحة، لكنها تحت أنظار من يريد رؤيتها، كلٌ يأخذ ما يشتهي، أما بكف فطرته, أو بملعقة مكره ومبتغاه.كتاب الله وآياته، لسان محمد النبي وأحاديثه، جهاده في مكة وهجرته، حجر المجاعة الذي قرح بطنه، سيفه وما قدم للإسلام من نفسه، إيمانه وتقواه وعصمته، لم تكن كافية في نظر بعض المرجفين للدلالة على أحقية “علي ابن ابي طالب”حتى حانت صفين وإستشهد”عمار ابن ياسر”غارقاً بدمه واللبن في فمه، تبسم أحدهم حينها وقال لعلي:أفنيت عمري معك بين الشك والظن! وهاهي اللحظة التي أيقنت بها إنك على حق! عماراً قتل بجيشك! ولطالما سمعت رسول الله يقول”يا عمار تقتلك الفئة الباغية”.
للقصة شجون, وشاهد, ونتيجة.
شجونٌ لمن أصم أذنيه، وأعمى بصيرته وبصره، عن كلام رسول الله عندما قال “علي مع الحق والحق مع علي” وقال أيضا”علي والحق كأصبعي هاتين! وأشار بتلاصقهما”والأحاديث كثيرة وكثيرة، فلو إفترضنا ببعد الصحابي عن الرسول، فهل كان بعيداً عن القرآن؟! وهو يتكلم عن فضائل علي؟ وهل كان نصيب هذا الرجل من سماع حديث رسول الله عن”عمار أبن ياسر”فقط؟! وكيف يمكن الإستدلال بمقتل صحابي تابعي لأل محمد؟على أحقية آل “محمد”!.
الشاهد بما يعيد للأذهان تلك الحادثة! بعد إستشهاد السيد ( صالح البخاتي)، القيادي في تيار شهيد المحراب، وبينما كان الحديث يملأ فضاء مجلسنا، بإستذكار شهيدنا السعيد، بطولاته وجهاده! ختمنا حديثنا بقراءة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة، وساد بعدها السكون والصمت في مجلسنا! وكأن الطير إبتلع ألسنة الحاضرين! إلا رجل كبير أرخى لحيته البيضاء بيده، و قال: منذ أن عرفت آل الحكيم وانا أشك بكونهم فرس ايرانيين! لا يريدون للعراق خيراً! أما بعد إن عرفت بأن الشهيد”صالح البخاتي” إستشهد بينهم وفي جيشهم! أدركت بأنهم على الحق ومع الحق دائماً.
النتيجة هنا تتجذر بشقين وهما:-
• ما أشبه مظلومية آل”الحكيم”بمظلومية أبن أبي طالب؟! ما أشبه مجتمعنا اليوم بمجتمع صفين والجمل والنهروان؟ كيف للحق أن يختزل بالرجال؟ ولا يعرف الحق إلا من حيث هُم! بظل وجود وفكر هكذا أشخاص، كم شهيداَ بقي؟ يقدمه آل”الحكيم”للإستدلال على أحقيتهم،ألا يكفي ما يقارب الــ (70) شهيد من عائلتهم من غير الأطفال وأمهاتهم؟ ألا يكفي مداداَ من الدم أستمر لعقود؟ راح فيه “البخاتي”ومن سبقه من رجالات الحق! متى يعي المجتمع إن عمامة”محسن الحكيم”هي إمتداد رابط بين دم “عمار العنسي”في صفين ودم “صالح البخاتي”في الفلوجة.
• ماذا ترك الشهيد صالح البخاتي؟ في نفس وذهن هذا الرجل؟ كيف إستطاع لملمة عقول وأفكار هولاء حوله؟”صالح البخاتي”الطير الجنوبي الأسمر،المحلق في أفق الفضاء بين سماء الميدان في الأهوار للجهاد، وبين أرض محرابه ومصلاه، الغارق بالدموع من خشية الله! مثالاً ونموذج وشاهد للحق، يتخذه الناس مائدة! يتذوقون الحق منها بشراهة،بكف فطرتهم وبراءتهم! حتى صار مثلاً يستدل به على أحقية آل الحكيم! إذن كم هو كان باراَ لهم؟ وكم ترك ال الحكيم إنطباع بتوجهه؟! وكم كانت مدرسة ال الحكيم محقة بهكذا طلاب؟ شغلوا عقول من حولهم بأحقيتهم.
سطر البخاتي حياته بمداد من ذهب، ولد في ميسان – ناحية المشرح عام 1967 م، بين بيوتات بدائية بسيطة في منطقة تسمى جسر غزيلة، فارقه والده وهو في الثانية من عمره، تكفله عمه السيد “ذرب البخاتي”نشأ طفلا شجاعا! وعاش شبابه مجاهداً يافعاً تقي،إلتحق بالجهاد منذ بواكير عمره،بعمر ال(15)سنة كان يدير ويزاول أعمال الجهاد! بعد إن هاجر الى إيران،ليعلن عن إنضمامه لمدرسة ال الحكيم عن قرب! وكان ملاصقاً لهما! كتلاصق أصبعي رسول الله!عندما أشار لعلي والحق.
بعد سقوط صنم البعث عام (2003)، عاد البخاتي ليخلع ملابس الجهاد، ويجلس في محرابه مع الجهاد الأكبر! كان خلال تلك الفترة سياسياً عاملاً للعراق بالظل، وهذا ما اكده السيد”عمار الحكيم”قائلاَ:( كان البخاتي يعمل ويقدم ويضحي،ولم يسأل عن موقعه في أي عمل يقوم به المهم أن ينجز العمل)،عام 2013م بعدما أحس بخطر تكفيري إرهابي!يداهم مرقد السيدة “زينب”في سوريا، تدرع ثياب الجهاد وإقتصر جهاده،على حماية مقام ومرقد السيدة الطاهرة.
فتوى المرجع الأعلى ضد الإرهاب في العراق، كانت تعني له الكثير، إذا كان يرى فيها”موعداً لإستجابة دعاءه بنيل الشهادة! تحت راية نائب المعصوم” حسب قوله، رجع للعراق مجاهداً من جديد،وبعد قيادته لجملة من معارك التحرير هناك، حانت ساعة الصفر التي إستجاب الله له ولطلبه بالشهادة! وكان وقتها صائماً في رمضان! مصلياً لفريضة صلاتي الظهر والعصر، إلتحق بركب الشهداء يوم 15 رمضان عام 2016 بعد سجلا حافلا بالعطاء والجهاد،مع آسرة ومدرسة آل الحكيم.
وكما كان لـ”عمار إبن ياسر”كلمات ختم حياته بها مع آل “محمد”قائلاً:(اللهم إنك تعلم أني،لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته،اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت،وإني لا أعلم اليوم عملاً أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين،ولو أعلم اليوم ما هو أرضى منه لفعلته، والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر،لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل).
كان لصالح البخاتي كلمات أيضاً! ختم بها حياته مع أل “الحكيم” قائلاً: (وصيتي وطلبي من أهلي واصدقائي وجميع المؤمنين،أن يبرئوني الذمة ويغفروا لي،وإني غفرت لجميع من في قلبه حب لمحمدٍ وآل محمد وإقترف بحقي ذنباً،اللهم إني أبرء الذمة لهم جميعاً، وإني لم أعمد أذية عبد مؤمن،وإنما النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي!وإني كلما جددت وصيتي يتجدد أملي بالشهادة!اللهم فاجعل عاقبة أمري قتلاً في سبيلك، فإنك المبتدئ بالنعم قبل إستحقاقها).