طفل يتيم فقد أباه في الثانية من عمره، تربى بكنف أعمامه أهل الدين والكرم، بين أقرانه يدعى (أبو الأفاعي)، و(أبو سريح) الذي يعني (الذئب)، فلم يأبه لليل الأهوار المليء بالذئاب والثعابين، لأنه أحد نوادر الأطفال، الذين يمثلون حراك الهور المظلوم، والنخيل المحروم، وسط ظلام بعثي أجرب، لا يعرف سوى القتل والتهجير، هَب أن هذا الطفل الشجاع لم تخيفه ألوان البعث المرقطة، التي تصلح لقطع القصب والبردي ليس إلا، لكن الجذور راسخة والحقيقة ستنمو من جديد!
حمل صالح في عقله المتوقد الذكاء، ذكريات جنوب ثائر قارع الطاغية، ودفع الموت عنه بالغالي والنفيس، كان أعمامه يرون فيه قرباناً للحق، والبراءة، والشجاعة، فوهبه الباريء عز وجل هيبة الرجال، في جسد فتى شجاع، إنه الشهيد السعيد صالح البخاتي، الذي ناضل مع رجال الجنوب المجاهدينن وهو في ريعان الشبابن حيث ورث الإباء الحسيني الجهادين من خلال إنضمامه لمدرسة الأهوار المنتفضة ضد البعث، بقيادة السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف)ن وما أعظمها من قيادة ومدرسة!
منطعفات خطيرة مرت على شعائر الأهوار الحسينية، لكن أحد أطفالها (صالح البخاتي)، كان بمنتهى الحكمة، والفتوة، والشموخ، حيث ظل مصراً على الذهاب الى المراقد المقدسة، وزيارة الأربعين والشعبانية، ليجدد العهد والولاء لسيد الشهداء أبي الأحرار، الإمام الحسين (عليه السلام) رغم التهديدات الأمنية لحياته، بيد أن الروح الثورية لهذا الفتى، كانت أروع مما يتصوره أقرانه المقربون، فهو يتمنى الشهادة في كل ليلة من شبابه الشامخ، لكي ينتصر للألم الإنساني العراقي، في ظل حكم الطاغية وبعثه المشؤوم.
إنتصر الجنوب في عرس عراقي كبير، إثر سقوط الدكتاتور، وإنتهت الصنمية البعثية، وولت دون رجعة، وتصدر رجال الحكيم لمسؤولياتهم الجسام في بناء الوطن، أينما تطلب الواجب الشرعي والوطني، وفي أي بقعة منه، ففي المواقف تعرف الرجال، ولأنه إنسان يستمد قوة إيمانه من الباريء عز وجل، فهو يقنياً لا يُعرف إلا بالخُلق الكريم، والقول الطيب، والظن الحسن، والفعل المؤثر، لذا نبغت مواقفه البطولية، لتلبية نداء المرجعية الكفائي بساعاته الأولى، وإلتحق بساحات الجهاد والشرف، طلباً للشهادة والكرامة.
موت بطعم الحياة، ووداع بفرحة اللقاء، ليكتب من الفائزين في قدم صدق، عند مليك مقتدر مع الشهداء والصالحين، وفي ذلك اليوم من رمضان، تزعم أحدهم كوكبة الصائمين الزاحفين صوب الكوثر، طفل صنعه الله بهيبة الرجال، ومنحه الكرامة الأبدية دفاعاً عن الأرض، والعرض، والمقدسات، فهنيئاً لميسان صاحبة الرصيد الأكبر، في التضحية والعطاء بالشهيد صالح البخاتي(رض)،الذي يتذكر الجميع صدقه وولاءه وثقته بمنهج آل الحكيم، حيث رافقهم منذ صباه وثقتهم به، فسلام عليه يوم إستشهد، ويوم يبعث حياً.