على أثر الغزو الأمريكي للعراق وما استتبعه من حالة الفوضى الأمنية التي سادت العراق، وما زالت تضرب أطنابها، وبعد الفتنة الطائفية والقتل على الهوية، وملاحقة أصحاب الكفاءات من أطباء ومهندسين وأكاديميين وضباط سابقين إضطر نحو ثلاثة ملايين عراقي إلى ترك العراق والهجرة القسرية نحو بلدان عربية وغير عربية، كل حسب ما تيسر له، خاصة بعد أن رأوا بأم أعينهم القتل على الهوية والأسم والطائفة الذي مارسته ميليشيات إجرامية بدعم أو سكوت من الحكومات التي نصبّها المحتلون في العراق. ومعظم هؤلاء المهجرين مازالت ذاكرتهم تختزن مناظر دموية مؤلمة لما آل إليه مصير أحبّة لهم من أبناء أو إخوة أو أقارب أو جيران على يد الزمر الطائفية وعصابات الفتنة الطائفية. ولم تفعل حكومتا الجعفري ونوري المالكي شيئا يذكر تجاه هؤلاء المهجّرين برغم إدعائها تحسن الأحوال الأمنية في العراق، بل أن قوى معينة كانت تترصد العائدين ممن إضطرتهم ظروف الفقر والفاقة ونفاد الرصيد للعودة إلى البلاد مضطرين مكرهين فكان مصير كثير منهم الإعتقال على يد أجهزة الحكومة او التصفية على يد الميليشيات..
كان النصيب الأوفر من أعداد المهَجَّرين واللاجئين العراقيين في سوريا (حوالي مليون وربع المليون)، تليها الأردن (ثلاثة أرباع المليون)، مصر (ربع مليون)، اليمن (أقل من ربع مليون)، والباقون توزعوا بين لبنان والخليج وليبيا والسويد والدانمارك ودول اوربية أخرى.. ومن أتيحت له فرصة (ذهبية) للجوء السياسي أو الإنساني أو العمل في بلدان أوربا وأمريكا كانوا من المحظوظين، لكن هؤلاء قلة لايشكلون نسبة تذكر قياسا إلى الملايين التي استقرت في سوريا والاردن ولبنان ومصر وليبيا والخليج.
وإذا كان لابد من إشادة فإنها لابد أن تذكر للبلدان التي إحتوت أكبر عدد من العوائل العراقية المهجرة، وفي المقدمة سوريا التي آوت مليون وربع المليون عراقي، ، وسمحت لهم بالإقامة الطبيعية وسمحت لأبنائهم بالإلتحاق بالتعليم.
وحين إشتعلت ثورات الربيع العربي على الحكام الطغاة، وابتدأت بتونس وانتقلت الى مصر واليمن وليبيا وسوريا.. كانت قلوبنا تحترق على إخوتنا العراقيين المتواجدين في تلك البلدان التي آوَتهم وإحتضنتهم لدواعٍ مختلفة. ووجدنا كيف أن آلاف العوائل العراقية اضطرت لمغادرة المدن الليبية ونسبة قليلة آثرت البقاء فيها برغم سوء الأوضاع الأمنية واستمرار الحرب شهورا لعلها كانت تذكرهم بالقصف الذي سبق وتعرضت له مدن العراق ابان الحرب 2003، وكان للاضطراب الأمني الذي صاحب الانتفاضات العربية في مصر واليمن وسوريا تأثير على خلخلة أوضاع العراقيين، فاضطر البعض للرحيل ولكن الاغلبية آثرت البقاء رغم كل شئ لأن بقائها في أوضاع غير مستقرة خارج بلادها أفضل بكثير من عودتها للتصفيات الحتمية والقتل في بلادها.
وعندما تصاعدت الأوضاع بشأن سوريا، وصدر قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، ووقفت حكومة نوري المالكي لدواع معروفة ضد هذا القرار وشذَّت عن الإجماع العربي، كان هناك ومازال خوف متصاعد على مصير العوائل العراقية في سوريا بالدرجة الأساس وفي اليمن بدرجة أقل. ففي سوريا التي تتصارع فيها قوى الحكومة مع قوى المعارضة السورية، لابد أن يكون لكل من الطرفين موقف تجاه العراقيين.. وبرغم أن الموضوع السوري شأن داخلي، إلا أن هناك تخوفا على أوضاع العراقيين، فالحكومة تطالبهم بتحديد موقف واضح تجاه الصراع وأن يكون موقفهم مع الحكم وليس مع المعارضين وبدأت تتواتر أخبار وتسريبات من أن ضغوطاً بدأت تمارس لإجبار العراقيين على المشاركة في التظاهرات المؤيدة لبشار الأسد!.. في حين أن بعض أطراف سورية أخرى من المعارضين للنظام القائم، تحاسب العراقيين على أساس موقف حكومة نوري المالكي المساند لنظام بشار والمعارض للإجماع العربي بشأن سوريا.
لاندري ماذا ستؤول إليه الأمور في سوريا، لكن خوفنا وقلقنا على مصير مليون وربع المليون لاجئ عراقي إنقطعت بهم السعت بهم السبل، ولاحيلة لعودتهم إلى بلدهم حيث القتل والتصفية والاعتقال بإنتظارهم.. ولا يوجد بلد عربي آخر يمكن أن يوفر للعراقيين ماوفرته لهم سوريا، سواء سوريا الشعب لدواع عروبية وانسانية لاشك فيها، أو سوريا الحكومة لدواع معروفة.
وللأسف الشديد فإن موقف حكومة نوري المالكي، والأطراف السياسية في العملية السياسية والبرلمان، هو موقف واهي وضعيف، ولم تحرك ساكنا تجاه مصير العراقيين في البلدان المضطربة وبالأخص سوريا واليمن وليبيا.. متناسين أنَّ البحث عن مصير العراقيين في سوريا هو واجب قومي ووطني وإخلاقي يجب على كل القوى السياسيي العراق أن تجد الحل لهذه المصيبة التي ستقع على الأسر العراقية المهجرة في سوريا . فالحكومة لم تحرك ساكنا أوتتصل بالجهات الدولية أو الاقليمية المؤثرة على الوضع في سوريا بشكل أو بآخر لوضع خطة دولية تحت رعاية مجلس الامن الدولي أو الجامعة العربية للحفاظ على حياة العراقيين في سوريا.
كما أن المطلوب من جميع أطراف الصراع الداخلي في سوريا أن تعلن موقفا واضحا وصريحا أزاء مستقبل العراقيين في سوريا. فضلا عن أن الحكومة في بغداد مطالبة هي الاخرى بأن تبحث عن الوسائل الصحيحة لإعادة الأسر العراقية المهجرة في سوريا الى العراق , والتدخل لإخلاء منازلهم التي أغتصبها المغتصبون والمستفيدون من تستر الحكومة عليهم، وإعادة الموظفين المهجرين الى دوائرهم، ونقل الطلبة الدارسين في الجامعات والمدارس السورية الى الجامعات والمدارس العراقية المناظرة دون شروط أو قيود أو ضوابط تجعل من طالب كلية الطب شابا متسكعا في الشوارع لإغلاق أبواب الجامعات العراقية بوجهه . كما نطالب الجهات المالية والمصارف الحكومية أن تمنحهم السلف والقروض إضافة الى قيام الحكومة بتقديم الدعم المالي للعوائل المهجرة في سوريا من إجل إعادتهم الى عراقهم، خاصة وإن الإحتلال الأمريكي لم يبق له إلا أياما معدودة ويغادر العراق.
وقبل كل هذا وذاك، يجب على مجلس النواب العراقي أن يخصص جلسة أو جلسات له – أسوة بما فعله مع الأحداث في البحرين- وان يوجه اللجان البرلمانية كل ضمن تخصصه الى وضع الحلول الناجحة للحفاظ على أرواح وممتلكات ومستقبل العوائل العراقية في سوريا.
من حقنا ان نتساءل ألا يكفي ماعاناه العراقيون من إهمال متعمد لمصيرهم طيلة أكثر من سبع سنوات في المهجر؟ أم إن هناك من يحكم في العراق يريد التخلص منهم تحت نيران من سيشارك في الحرب في سوريا ؟
نطالب الجامعة العربية ان تتدخل لحماية العراقيين في سوريا واليمن وليبيا وأي دولة عربية أخرى وتأمين ملاذات آمنة لهم..