يمكن القول ان اللشهيد محمد الصدر قد مارس عمليا موضوع التقية بمفهومها الحسيني الاصيل.. وليس بالفهم التقليدي السائد في الحوزة الدينية..كيف..؟
اعتقد ان من يمارس عملية الاستقراء في القران الكريم… مستهدفا تحديد السلوك العام للانبياء والرسل… سوف يصل الى نتيجة مفادها انهم لم يستخدموا التقية بمفهومها الشائع عندنا.. والذي نشرته الحوزة التقليدية.. وهي تقول لنا ..اهتموا بالحفاظ على سلامتكم الشخصية.. ولا تتورطوا بمواجهة السلطة..لذلك كانت التقية سببا لوصول الاحزاب الفاسدة بالامس واليوم..وسببا لضياع الوطن والدين..وهذه التقية المشهورة هي ليست من الدين ..بل هي الضد منه ..وضد منهج الانبياء الذين حطموا الاصنام وواجهوا فرعون والفساد والظلم… التقية التي يقول بها عامة الحوزة هي مخالفة للمنهج الحسيني… لقد اتخذت الحوزة طريقة السكوت والاهمال تجاه الشأن العام بحجة التقية…!هل كان الصدر يؤمن بهذه التقية..؟يمكن القول ان الصدر قد اعطى مفهوما اخر.. هو اكثر موضوعية.. بل ينسجم مع الذوق القراني ومع منهج الامام الحسين عليه السلام….كيف؟
ان العلة في التقية الصدرية هي سلامة الانسان عقائديا وليس جسديا…كيف..؟
ان الصدر قد اكد على قضية الكسر والجبر… ومفادها.. ان العالم عليه ان يراعي سلامة المستمع عقائديا .. لتجنب الانحراف او التشويش او الكسر.. اي الكسر العقائدي… لان حصول الضرر بسبب سوء الكلام يستلزم ازالة الضرر .. اي ضرورة جبر العقل المكسور وعلاجه عقائديا.. لذلك يتقي العالم او الانسان حالات الضرر العقائدي وليس الجسدي… طبعا للمقابل وليس لي.. وهذا لا يعني السكوت.. بل يحث على النطق بموضوعية.. لاجل انقاذ المقابل وضمان سلامته العقائدية..وهذا يقلب مفهوم التقية راسا على عقب..كيف..؟
يمكن ان ندلل على صحة هذا المفهوم الاصيل من القران…اولا..مثلا.. قام النبي ابراهيم بثورة ضد المعبد وحطم الاصنام.. عدا صنم واحد.. لاجل ايصال الفكرة للمجتمع.. وقد حصل ذلك فعلا….اما عقوبته فقد جاءت من الحاكم .. وطبقا لمفهوم التقية التقليدي.. يكون العمل الابراهيمي مخالفا للتقية… !ثانيا..والمثال الاوضح للتقية في مواجهة موسى لفرعون.. حينها امره الخالق تعالى ذكره .. ان يقول لفرعون قولا لينا.. لعله يهتدي… ولا يحصل كسر عقائدي لفرعون… اما موسى فقد كانت سلامته مضمونة.. ولا اظن ان التقية توافق على ذهاب موسى الى فرعون…اما من الناحية الاسلامية..فقد تجسد المعنى الحقيقي للتقية في المنهج المحمدي الثوري… ثم تأكد في الثورة الحسينية.. مع الالتفات ان الثورة الحسينية تتضمن دليل لفظي .. وشاهد تاريخي على معنى التقية.. كيف..؟
اولا.. ان الامام عليه السلام.. قال خرجت .. اي خرج على قانون السلطة.. ثم قال.. طلبا للاصلاح… وقرن ذلك بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر… ولا يخفى على القاريء اللبيبب ان الامر والنهي هو لفظي.. وقد ارتبط هنا الخروج بالفعل الثقافي والتبليغي.. وفي الاحوال كلها.. يتعارض مع الفهم التقليدي للتقية.. لكنه يطابق الفهم الحقيقي للتقية..اي ازالة الغموض وانجاز مقدمات الهداية.. وحسب فهمي.. هذا ما قام به الصدر.. حينها خرج عن قانون السلطة الهدامة ليزيل الغموض والتشويش.. ويؤسس للهداية والوعي…ثانيا.. الامام الحسين بكى لمرة واحدة…كانت لاجل العدو.. وقد ثبت ذلك في احداث العاشر. من محرم.. حينها سالته اخته العقيلة..عن سبب البكاء.. فاخبرها انه يبكي لاجل القوم…لم يكن الامام مهتما بسلامته الشخصية وسلامة عائلته.. ! بل حريصا على الاصلاح ونشر المعروف.. حينها نظر اليه وجهاء القوم واهل الدين نظرة استخفاف ..واعتبروه متهورا.. وخارجيا. وما اشبه الامس باليوم..
وهل يفهم هذا من تربى على اللطم والعويل فقط.. ولم يربى على مفاهيم الثورة الحسينية..؟.ويمكن ان ندلل على اصالة هذه الفهم وعلاقته بالمنهج الصدري لاحقا.. وبطلان المفهوم التقليدي السائد ..يتبع