تمثل ظاهرة الارهاب شكل من اشكال العنف السياسي والعقيدي الانساني الموجود منذ القدم ، والذي اتخذ الحروب والغزوات والاحتلالات كمظهر للتغطية على الممارسات العنيفة الترهيبية للأمم والشعوب ، الا ان العنف السياسي تطور بصورة ملحوظة وتحول الى انماط وتيارات دولية منظمة في منتصف واواخر القرن العشرين بعد ان تحول الى اداة للصراع بين الاجهزة الاستخباراتية للحكومات الغربية وينفذ بواسطة الحركات والمنظمات التي اصطلح عليها بالثورية والتي كانت خاضعة بشكل اساسي اما للمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي او المعسكر الرأسمالي بقيادة امريكا وحلفائها الغربيين .
كانت الانتقالة الاساسية لذلك الصراع هو نهاية الحرب الباردة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الشيوعي فيها ، لتبدأ قيادات البيت الابيض بالتخطيط للمواجهة الرسمية ضد الاسلام والمسلمين بعد أن نظرت لتلك المواجهة وروجت لها من خلال أحد كبار شخصياتها الاكاديمية صامويل هنتغتون واطروحته (صراع الحضارات) ، ولذلك كان الاعلان الرسمي للحرب على الارهاب في 2001 من قبل الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها بوش الابن عبارة عن رد فعل سياسي أتسم بالاستهداف العام والعدوانية تجاه الاسلام والمسلمين في محاولة لاستعادة المعنويات والكبرياء للعم سام والتي هدرت وسقطت مع سقوط اطلال برجي التجارة العالمية في نيويورك والتي تعرضت الى هجوم بالطائرات من قبل فاعلين لا يزال الغموض والشك محيط بهم وبدوافعهم الحقيقية الى اليوم وان فبركت الادارة الامريكية مسؤوليتها الى مجموعة من المسلمين المرتبطين بالتيار الوهابي القاعدة ، الا ان اعلان اسامة بن لادن زعيم التنظيم آنذاك بمسؤولية تنظيمه عن تلك العمليات العدوانية ربما كان كذبة كبيرة تمت بتوجيه اسياده وصانعيه في البيت الابيض والمؤسسات الامنية والاستخباراتية الامريكية ليكون مبرراً للدور الامريكي الجديد في العالم ومؤشراً للبدء بإعلان ما يعرف بالنظام العالمي الجديد والمبني على الغطرسة والعدوان الامريكي المباح على الاسلام والمسلمين .
ولعل الدعم الامريكي لقوى التطرف الارهابية في المنطقة العربية والعالم يتمثل بقوة في الدعم اللامحدود والتعاون المفتوح مع راعية الارهاب الاصولي السعودية ، الدور السعودي في تقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات الارهابية كان الدوام مثار للجدل في الاروقة الدولية خصوصاً ان ذلك الدعم السعودي لا يلفه أي غموض او شك بحيث ان نائب مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، بن رودس لا يتردد في التصريح به بقوله ” أن تنظيم القاعدة تأسس بأموال من السعودية وأن الأموال الأولى التي أنفقت على تأسيس التنظيم جاءت من السعودية بالذات.
ومن بين مصادر تمويل الإرهابيين، يوجد موظفون في الحكومة السعودية وأفراد عائلاتهم بالإضافة إلى بعض الأثرياء الذين لا علاقة لهم بالسياسة “، ورغم ذلك لا تتردد الولايات المتحدة في أن تكون الدولة الرئيسية المصدرة للأسلحة الى السعودية ما بين عامي ( 2011 و2015 ) .
ولعل نشأة تنظيم القاعدة والدور الرئيسي للامريكان في تأسيسها ليست خافية على أحد ، حتى ان المرشحة للرئاسة الامريكية هيلاري كلينتون وخلال مؤتمراتها الانتخابية مؤخراً أفصحت عن ذلك بصورة رسمية من خلال قولها ( إن الذين قدمنا لهم المساعدات والدعم (تقصد المجاهدين في أفغانستان) هم الذين يحاربوننا ويهددون الأمن القومي الأمريكي (.
اما الدور الغربي في تأسيس تنظيم داعش فهو الاخر لا يحتاج الى عناء كبير لاكتشاف صلته ، فالدعم والتسهيلات الكبيرة التي قدمتها الادارة الامريكي للمعارضة السورية كان الدافع الاساسي لخل عدة تشكيلات ارهابية مسلحة وعلى راسها داعش ، الذي ولد في سوريا وتمدد بعد ذلك ميدانيا الى العراق وياقي دول المنطقة والعالم ، وكان اللقاء الذي جرى تم نشره اعلاميا بعد ذلك بين المرشح السابق للرئاسة الامريكية جون مكين ومجموعة من قيادات التشكيلات الارهابية في سوريا وفي مقدمتهم البغدادي زعيم التنظيم الارهابي أوضح مصداق على تدخل الادارة الامريكية ومؤسساتها الامنية في خلق هذه التيارات الارهابية الوهابية في المنطقة .
من جهة اخرى فأن الدور الغربي في رعاية الارهاب يكمن في التسهيلات التي تقدمها تلك الدول لخلايا الارهاب في التحرك والتحشيد لغسل عقول الشباب المسلم في تلك البلدان من قبل الوهابيين لتحفيزهم للانضمام الى تنظيم داعش الارهابي ، وعند الاطلاع على اعداد الاجانب الذين أنظموا لصفوف الدواعش فان لغة الارقام تبين أن هناك تواجد لارهابيين من (67) دولة عربية وغربية تقاتل في صفوف داعش في العراق فقط ؟ كما ان اعدادهم بحسب احصائيات عام 2014 تقدر بحوالي (5000) مقاتل ، وان اعداد الاوربيين منهم (3000) حسب تقديرات مدير وحدة مكافحة الارهاب في الاتحاد الاوروبي ؟! وان ثلث هؤلاء المقاتلين أي حوالي (1000) جاءوا من فرنسا وفق احصاءات الداخلية الفرنسية ؟ اما على صعيد التنظيم في سوريا فأن مقاتليه الاجانب وصل الى اكثر من (35000) ارهابي عربي وغربي ، وبذلك يتبين مدى التسهيلات التي تقدمها تلك البلدان الغربي للتنظيمات الارهابي والذي أنعكس بعد ذلك على نفس تلك البلدان وخصوصا فرنسا المصدر الاولى للارهابيين في الغرب والتي تشهد هجمات متلاحقة منذ 2014 وكانت أخرها هجمات نيس التي شهدت اسلوبا جديدا في ممارسة الارهاب من قبل الدواعش .
العراق أصبح الضحية الاولى للإرهاب واعماله الاجرامية والتي كان أخرها العمل الارهابي المفجع الذي تعرضت له منطقة الكرادة في بغداد والذي راح ضحيته حوالي (500) انسان برئ ما بين شهيد وجريح ، أن الارهاب الذي يمارس في العراق ينقسم الى شكلين ، الاول هو ارهاب الجماعات والذي يظهر على شكل مجموعات ارهابية منظمة تستخدم أسلوب الاحتلال والسيطرة على المناطق واخضاعها لنفوذها بعد ان كانت حاضنة لها قبل ذلك ، مثل هذا النوع من الارهاب بدء منذ 2003 بتنظيم القاعدة في العراق بقيادة المقبور الزرقاوي ومستمر الى اليوم بداعش بقيادة البغدادي ، وهذا الشكل من الارهاب يمثل بؤرة اساسية للشكل الثاني من الارهاب وهو ارهاب العصابات والذي يمارس بصورة متواصلة لاستهداف المجتمع العراقي ومؤسسات الدولة وأجهزتها الامنية وينطلق اساسا من المناطق الخاضعة لنفوذ الجماعات الارهابية للوصول الى المستهدفة التي غالباً ما تتوفر فيها الحواضن المناسبة للاختفاء والانطلاق لممارسهم ارهابهم الدموي .
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفائها مطالبين بوقف دعمها المباشر للإرهاب والمتمثل بالتسهيل لأعضاء التنظيمات الارهابية في التنقل بين البلدان لتجنيد الارهابيين وإرسالهم للعراق وسوريا وغيرها من الدول التي تشكل المناطق النشطة لتلك التنظيمات لممارسة جرائمها من خلال تجفيف منابع الارهاب التي تنطلق من بلدانها وحلفائها في المنطقة، و عليها كذلك ان توقف دعمها العسكري المفتوح للدول الراعية للإرهاب وتنظيماته وخصوصا السعودية وتركيا وقطر والمعارضة لأن الجزء الاكبر من تلك المعدات العسكرية التي تجهزها لتلك البلدان تذهب للتنظيمات الارهابية ، وعلى الدول الغربية ايضا ان تقلل من مظاهر الضغط والاجحاف الذي تمارسه على المسلمين في بلدانها والتي تثير الكراهية والتطرف ضدها وضد شعوبها وبالتالي سهولة استغلاله وتوظيفه من قبل التيارات الارهابية المتطرفة ومن تلك الإساءات المتكررة الى الرموز الاسلامية كالقرآن الكريم والنبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) او التشدد في منع ارتداء الحجاب للمرأة وغيرها من الممارسات الاستفزازية ، هذا ما على الغرب ان يعيه ويعمل عليه للخلاص من الارهاب وجرائمه خصوصا بعد ان أصبحت بلدانهم وشعوبهم ضحيا تشاطر شعوبنا فيما تتعرض له من مأسي وظلم صفحاته الدموية الشرسة .