المنطقة الخضراء إسم إقترن بالاحتلال عندما إختارها منطقة آمنة له ، و فرض عليها حراسة مشددة جدا … وليس هناك عراقي ليس له قصة مؤلمة مع الغازي الامريكي المحتل عندما ( هتك شرف ) الارض الطاهرة ، ومارس شتى أنواع الجرائم ، التي لم يعرف تاريخ الحروب مثيلا لها .. وستبقى فضيحة ( سجن أبو غريب ) شاهدا حيا ، على هذه الجرائم … والمنطقة الخضراء أسم له وقع مؤلم على النفوس ، وثقيل على الاسماع ووجع في القلوب ، وتستعيد الذاكره معه ذلك التمايز بين عالمين مختلفين ، و مآسي وأحزان القوات الغازية المعتدية ، وانتهاكاتها ……فتعجب كيف يمكن لهذا الاسم الغريب أن يستمر يتردد كل هذا الزمن يوميا في ( الفضاء ) ، ويطرق الاسماع ، رغم انسحاب قوات الاحتلال خائبة ، بعد أن لم يبق امامها خيار أخرغير الانسحاب …. فهذا الاسم يحمل ذكرى حزينة ، لفترة عصيبة ليس في تاريخ العراق كبلد ، بل في التاريخ الشخصي لكل مواطن ، ويستعرض شريط ذاكرته عندما يمر من أمامها ، كل تلك الصور المرعبة لسنوات الاحتلال المرة و انتهاكات قواته ، وممارساتها الهمجية ، وكيف كانت تنتابه حالة من الرعب والخوف عندما يقترب منها ، ومن القوات الغازية .. وبقي عالما أخر ، تحيط به الاسرار والحكايات ، وليس الاسوار فقط تفصله عن بغداد التي يتوسطها ، ، واستمر مغلقا ، الى أن ( فكت ) طلاسمه في الثلاثين من نيسان الماضي ، وبعدها لم يعد سرا ، أو لغزا ، أو أخبارا وحكايات
يتناقلها الاعلام والرواة ، فكل شيء بدا واضحا فيها أمام من دخلها وعدسات الكاميرات التي نقلتها…
لقد شاهد العراقيون ( قلب عاصمتهم ) بقصورها وشوراعها ومبانيها ومعالمها وحدائقها ، وأخذوا صورا تذكارية فيها ، و( كانوا سعداء لان اقدامهم وصلت الى مكان لم تطأه من قبل ) على حد وصف صحيفة نيويورك تايمز في حينها .. وكأنهم كانوا في رحلة لاكتشاف مجاهل لم تكن معروفة من قبل ، وليسوا في منطقة تعد من مناطق بغداد القديمة .. وفترة الاحتلال تعد مظلمة في تاريخ العراق ، ولا يمكن لباحث أن يتجاهل في بحثه هذا الاسم المذموم ، وغير المرغوب فيه ، ليس عند العراقيين فقط ، بل حتى عند الامريكيين أنفسهم ، وليس أدل على ذلك من إختيارهذا الاسم ( المنطقة الخضراء ) عنوانا لفيلم امريكي ، تطرق الى قضية اسلحة الدمار الشامل ، واكتشاف الكذبة الكبرى التي جرت العالم الى حرب لاتزال امريكا نفسها تتحمل تبعاتها الى اليوم ، وليس العراق فقط ، او المنطقة ، وقد فضحت امريكا نفسها بنفسها بهذا الفيلم على حد قول أحدى القنوات الامريكية … لقد فرضت المنطقة الخضراء حالة من العزلة على بعض المسؤولين ، خلف أسوارها العالية … ان التواصل الحي والمباشر مع الجماهير والمؤسسات هو الاساس في العمل الاداري والسياسي على خلاف ( التواصل الالي ) ، أي من خلال البيانات ، والتصريحات واللقاءات والمؤتمرات عبر الشاشة ، وليس في الميدان ، وهو المجال الطبيعي لحركة السياسي والمسؤول .. وكأنها كافية وتستجيب لنبض الشارع .. وهذا تصور غير صحيح ، لأن المواطنين يريدون أن يروا المسؤول بينهم ، ، بلا حمايات مبالغ فيها ، ويتواصل مع مؤسساته والجماهيرعلى
الطبيعة ، لأن المنصب ليس علاقات عامة ، ولقاءات خاصة ، وبرامج وتصريحات عن انجازات حقيقية او وهمية …وليست السياسة فن الاثارة ، والقدرة على الخطابة ، والمعارك الكلامية أو في الايدي ، وكأن تلك الوسائل تكفي لتحقيق ما يريده الناس ، او هي بديل عن التفاعل الوجداني ، والحوار الميداني دون وسيط .. الشعب حصن حصين ، وحضنه يبعث الأمن والطمأنينة ..
فمتى يرى المواطن المسؤول والسياسي ، ليس من خلال التلفاز ، أو من وراء جدران محصنة …يراه وسط الناس ، يتعرف على المعاناة ، ويجد الحل للازمات ..؟!. متى ..؟!.